توقيت القاهرة المحلي 13:52:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ذكاء بالعربية

  مصر اليوم -

ذكاء بالعربية

بقلم: سوسن الأبطح

أحسنت صنعاً «اليونيسكو» حين اختارت «اللغة العربية والذكاء الاصطناعي» عنواناً لاحتفاليتها باليوم العالمي للغة الضاد. فالنقص حاد، والتأخر واضح، والسباق يشتد ونحن في ذيل اللائحة. لا تزال اللغة العربية ضعيفة إذا ما أُخضعت لاختبار الترجمة الآلية، وبالكاد تفهم النص الذي تحاول نقله إلى لغتك عن الإنجليزية أو الفرنسية، فيما الترجمة بين اللغتين الأخيرتين ترتقي إلى مستوى قد يتجاوز 85% من حيث الوضوح والدقة. حاول أن تستخدم خدمة «سيري» الشهيرة واللطيفة على «آيفون» تدرك أن هاتفك يفهم ويتحدث الفصحى بصعوبة بالغة، وستجد نفسك مضطراً إلى استخدام الإنجليزية لتسهيل المهمة. أجهزة الذكاء الصناعي الأكثر تداولاً في اليوميات، مثل «ألكسا» و«كورتانا» و«غوغل هوم» لا تستطيع تلقي أوامرك الصوتية بالعربية لتختار لك أغنيتك المفضلة، أو قناتك التلفزيونية الأثيرة، أو حتى أن توقظك في اليوم التالي للذهاب إلى عملك، مع أنها تجيد ما يقارب 15 لغة، ليست بينها لغة الضاد التي تصنف خامسة في العالم من حيث عدد المتحدثين بها. كيفما يمّمت وجهك لتواكب هذه الأجهزة الذكية المغرية التي ستتطور بسرعة وتصبح جزءاً من مستقبلنا القريب، تجد أنك تتعثر باللغة، إلا إذا كنت من محبي التعامل مع لغة أجنبية في حميمياتك البيتية. وبانتظار مشروع «سلمى» الذي يعمل عليه أردنيون لينطق بعاميات عربية عدة، ومشروعات لغوية صغيرة ومتفرقة غيره، ندفع جميعنا ثمن التقاعس والإهمال، وانتظار الغرب، وما يمكن أن يقدمه لنا، لنكتشف مخيبين، أنه كان مشغولاً بلغات أقرب إليه جغرافياً، أو ثقافياً، وأربح من حيث كثافة السكان كالهند والصين.
انتظرنا دائماً، من يقوم بالمهمة نيابةً عنا، ولم نسعَ بجهد جماعي، ومؤسساتي، لنحل مشكلاتنا اللغوية مع التكنولوجيا، بحجة فرادة العربية مرة، ووجود ثلاثين لهجة مرة أخرى، أو أن السياقات الدلالية صعبة. الذرائع وفيرة من بينها صعوبة التراكيب وكثرة الاستثناءات في اللغة، وغناها المفرط في المفردات، وستجد مائة سبب ليقال إن الذنب هو على العربية نفسها لا على أهلها. وهو كلام مردود؛ إذ إن الفرنسية في كيبك غيرها في باريس، والإنجليزية في بريطانيا مختلفة عن أميركا وكندا والدول الأفريقية التي تستخدمها.
بدل الانكباب على العمل، استسلمنا لفكرة غريبة، هي أن الإنترنت لم تُخلق للعربية بقدر ما تليق بها اللغات الإفرنجية.
على أي حال قامت كوريا الجنوبية بجانب من المهمة، وأنجبت شركة «إل جي» هناك، أول تلفاز ذكي بمقدوره أن يتلقى الأوامر بالفصحى وبعدد من اللهجات مثل السعودية والمصرية وينفذها. جهد مشكور يبقى على أهميته جزئياً، لكنه يمهد الطريق أمام فتوحات أخرى.
الأمة بحاجة إلى كدح أبنائها الذين بينهم عشرات الآلاف ممن تخصصوا في مجال البرمجة واللسانيات، وكثير منهم يشكون البطالة وضيق الحال، فيما توظيفهم لحل عُقد لغتهم يحتاج إلى مؤسسات تحضنهم، وتمويلات تشّغلهم ومشاريع تستثمر أفكارهم.
المشكلة التي أثارتها «اليونيسكو» مركّبة. فمهمة تعريب الآلات الذكية تحتاج إلى ذهنية وطنية، ورغبة في دخول العالم الجديد بهوية واضحة واستقلالية، وعمل على البرامج التي هي شبه جاهزة لأنها طُورت كثيراً لغاية اليوم لتستقبل اللغات. إنما إضافة إلى البرامج ثمة حاجة إلى معالجة اللغة نفسها، ومراكمة نصوصها كبيانات. وإذا كانت هذه «البيانات» متوفرة كتابةً في الفصحى، فهي غائبة بشكل شبه كلّي في العامية، خصوصاً أن الشبان قرروا استبدال الحرف اللاتيني بحرفهم العربي، مما يجعل كل ما يكتبونه يذهب هباء الريح، وغير صالح للتحليل والعمل عليه، لا سيما أن برمجة اللغة تحتاج إلى آلاف النماذج كي يتمكن البرنامج الذي يحللها من استخلاص النتائج.
فأين هي النصوص والبيانات العامية الوفيرة، التي نحتاج إليها، كي تنطق الأجهزة الذكية بعاميّاتنا، وتندغم في يومياتنا؟
ضعف العربية المحوسبة أو التأخر في حلّ مشكلاتها لفترات تطول، سيزيد العوائق أمام العربي الطامح أبداً إلى تكنولوجيات العصر والمتحمس لها؟ فقد بدأت حوسبة اللغة في أميركا منذ خمسينات القرن الماضي، وفي أوروبا في الستينات، كتحضير للانفتاح المنشود بين بلدان القارة العجوز، وهو ما أتاح لهم تواصلاً سهلاً عبر الترجمات الآلية التي يعتمد عليها بشكل كبير.
كثيرون يعملون على مشاريع مشرذمة، كلٌّ في ميدانه وعلى مشروعه. التشبيك لا يزال غير كافٍ والتنسيق الضعيف لا يثمر، مع أن العرب إذا هم تفرّقوا في كل ميدان جمعتهم الفصحى على الأقل. والنجاح في حوسبة العربية كما يليق بها أن تكون سينعكس نتائجه على كل ناطق بالضاد وراغب فيها، وسيفتح باب تطوير التعليم المدرسي، وتبسيط مناهج اللغة بالتخلي عن دروس النحو التقليدية التي عفّى عليها الزمن، ويسهل بالتالي تعليمها للناطقين بغيرها. ثمة أكثر من مليار ونصف المليار من المسلمين يتطلعون إلينا.
كل هذا لا يحتاج إمكانيات ضخمة، وإنما خلايا عمل جدية، تضم متخصصين يقومون بجمع مدونة اللغة العربية التي تضم نصوصاً متراكمة منذ 1500 سنة، ومن ثم العمل على ترتيبها من وجهة نظر حاسوبية صالحة للبرمجة. ولا بأس أن تهتم الجامعات باستحداث أقسام للسانيات الحاسوبية لتخريج مؤهلين متخصصين في برمجة اللغة. المعضلة في أساسها هي في الاستخفاف بالعربية كلغة لها قيمتها الروحية، ومكانتها الثقافية، وامتدادها الجغرافي الواسع. والاستغراب دائماً حاضر في عيون من يُقبلون على تعلم العربية بسبب صدودنا عنها وتقاعسنا عن مساعدتهم، فيما هم ينشدون مجرد تبادل الأحاديث معنا دون هذا الإصرار المزمن، منّا، على دسّ المفردات الأجنبية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكاء بالعربية ذكاء بالعربية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الملكة رانيا بإطلالات شرقية ساحرة تناسب شهر رمضان

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:36 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

ميسي يتحدث عن "العامل الحاسم" في اعتزاله
  مصر اليوم - ميسي يتحدث عن العامل الحاسم في اعتزاله

GMT 16:39 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

تعرف على أفضل انواع "الأرضيات الصلبة" في الديكور المنزلي

GMT 04:37 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

نادين نجيم تتألق في حفلة Bulgari Festa في دبي

GMT 14:32 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

الآثار تصدر الجزء الأول من سلسلة الكتب عن مقابر وادي الملكات

GMT 10:34 2017 الأحد ,23 إبريل / نيسان

نيرمين الفقي تنشر صورة جريئة تكشف عن مفاتنها

GMT 15:16 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يرتدي الزي الجديد في تصفيات أمم أفريقيا

GMT 08:14 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيندي" تغزو عالم التزلج على الجليد بمجموعة فريدة

GMT 10:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

قائمة نيويورك تايمز لأعلى مبيعات الكتب في الأسبوع الأخير

GMT 07:52 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طريقة إعداد فطيرة التين باللوز المحمص

GMT 13:47 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

دار MARVINI للمجوهرات تطرح المجموعة الجديدة للمرأة الجذّابة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon