توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ذكاء بلا أخلاق

  مصر اليوم -

ذكاء بلا أخلاق

بقلم:سوسن الأبطح

بدا نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس، في أثناء مشاركته في قمة الذكاء الاصطناعي التي انتهت في باريس يوم الثلاثاء الماضي، صورة عن الرئيس دونالد ترمب، في خطابه الانعزالي والتشاوُفي، المتبرّم. يبقى أن تعامُل الولايات المتحدة على أنها فوق بقية الدول وأن الجميع بحاجة إليها حتى أولئك الذين تستورد منهم، فيما هي مكتفية بنفسها، مسألة لا يمكن أن تستقيم. فأميركا لا تعيش من دون سيارات المكسيك وأيديها العاملة، وبترول كندا، وعقول الهند وأدويتها وهواتفها، ومعادن الصين ولابتوباتها وملابسها.

فانس في الإطلالة الأولى له على العالم بعد تعيينه تكلم أمام الحاضرين بكلمات جافة ومتعالية، ليقول إن أميركا رائدة العالم في الذكاء الاصطناعي وستبقى مهيمنة على القمة، ولن تتخلى عن هذه الفرصة أبداً، ثم انسحب من دون أن يستمع لزملائه من المتحدثين الآخرين، كأنما لا حاجة به إلى تجاربهم وآرائهم.

حذَّر فانس زعماء العالم من إبرام اتفاقات مع «أنظمة استبدادية» توفر «تكنولوجيا رخيصة»، في هجومٍ مبطَّن على الصين الممثَّلة في القمة، لأن هدفها التسلل إلى البنية التحتية لمعلومات الناس والاستيلاء عليها.

كل هذا وصدمة «ديب سيك» لا تزال حاضرة. والهند قد تفاجأ في أي لحظة بما لم يكن في الحسبان. وأوروبا بدورها تتحدث للمرة الأولى عن «نهضة» تذكِّرنا بمخاض «النهضة العربية»، وتدخل سباق الذكاء الاصطناعي بشروطها ورؤيتها وفلسفتها الخاصة، راسمةً طريقاً ثالثاً مختلفاً عن النموذج الأميركي المتضخم، والصيني المحافظ. ثمة اعتقاد لديهم أن اللحاق بالركب في هذا المجال بالذات ممكن دائماً، لا بل التفوق على الرواد أيضاً.

المشاريع الأميركية عملاقة، وأقطابها من سام ألتمان إلى إيلون ماسك وزوكربيرغ، يحصدون إعجاب العالم. لكن الأرحام ولَّادة، وفي لمح البصر ظهر ليانغ وينفينغ (39 سنة) مؤسس «ديب سيك» في الصين ليلمع نجمه. وها هي فرنسا تقدّم لنا نموذجها الخاص «ميسترال» وعلى رأسه شاب صغير أيضاً هو أرثور مانش يقود تجمعاً تنضم إليه 60 شركة بينها «مرسيدس» و«سيمنس» و«إيرباص» و«لوريال». وتعتقد أوروبا أن بمقدورها جمع 200 مليار يورو للدفع بمشروعها الذكي. أما أرثور فيتحدى ويقول بثقة إن أوروبا ستردم الهوَّة بفضل «مهاراتها البشرية الهائلة»، وستستعيد الطاقات المهاجرة إلى أميركا، لا بل ستجتذب الأميركيين أنفسهم الذين سيهجرون الأجواء المغلقة التي يحاطون بها.

أجواء التحدي هذه يولِّدها إحساس أوروبي بجفاء الحليف الأميركي، ورفض التنسيق والتعاون ولو بالحد الأدنى. ففي نهاية القمة رفضت أميركا والمملكة المتحدة توقيع الوثيقة الختامية المشتركة التي وافقت عليها كل الدولة المجتمعة، وبينها الصين واليابان والهند وفرنسا، وهي تؤكد ضرورة «أن يكون الذكاء الاصطناعي مفتوحاً وشاملاً وشفافاً وأخلاقياً وجديراً بالثقة... مع مراعاة أطر دولية للجميع».

وهو ما عدَّه فانس «إفراطاً في التنظيم» من شأنه أن «يقتل صناعة تحويلية في وقت مبكر من انطلاقها».

وبطبيعة الحال لحقت المملكة المتحدة بحليفتها رغم أن رئيس وزرائها السابق ريشي سوناك، كان من أنصار فكرة سلامة الذكاء الاصطناعي، وأول من دعا إلى قمة ناقشت هذه الموضوع.

وكان يمكنك أن تلتمس للدولتين أعذاراً لولا الخطاب الاستباقي الذي قدمه فانس، معتبراً بلده خارج هذا المشروع التنسيقي العالمي، وأرفع منه وأهمّ.

وبينما كان الذكاء الاصطناعي قبل شهر فقط صناعة يمكن اعتبار أميركا على قمتها حصراً، لأنها مكلِّفة، وتطويرها بعيد المنال، فتح «ديب سيك» طاقة أمل حقيقية للعالم أجمع وأولهم الأوروبيون، بتقنياته التبسيطية، وحاجته إلى قدر معقول من الطاقة، وتكاليفه المتواضعة. بل يبدو أن شباناً أوروبيين، بعيداً عن الإعلانات السياسية الضوضائية، يتواصلون مع زملائهم الصينيين في «ديب سيك»، ويتبادلون معهم الخبرات، ولو لم يعجب ذلك السيد فانس.

رغم نزعة الانغلاق، وهيمنة التطرف على السلطات الحاكمة في هذا العالم، فإن شبَّانه يقاومون عجائزهم الآتين من زمن حمائيات القرن التاسع عشر وإمبراطورياته، ويسعون لنمط آخر من التعاون والتقارب.

ولا ننسى أن للدول تطلعاتها وخفاياها أيضاً. ولعل الوجه السلميّ للذكاء الاصطناعي الذي نتحدث عن خطره باستمرار، ليس غايةَ ما يُخشى منه بالضرورة، بل كل الخوف أن يكون التكتم أهمُّ أسبابِه حفظُ أسرار صناعات الأسلحة التدميرية الكبرى التي يراد لها أن تبقى طيَّ الكتمان لمفاجأة الصديق قبل العدو.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكاء بلا أخلاق ذكاء بلا أخلاق



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt