توقيت القاهرة المحلي 08:41:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جائحة «الوحدة»

  مصر اليوم -

جائحة «الوحدة»

بقلم:سوسن الأبطح

إذا كنت تفترض أن الذكاء الاصطناعي، هو لتأدية مهمات مهنية، أو تقنية، فإن واقع الحال، هو عكس ذلك، تماماً. تبيَّن أن أكثر من نصف مستخدمي البرامج الذكية من صنف «تشات جي بي تي» و«ديب سيك» و«مانوس» وغيرها، يرون فيها بالدرجة الأولى، الرفقة المحببة، والتواصل العاطفي المأمون الجانب، إضافة إلى الطبابة النفسية. ففي زمن التوحد والتوحش، يفضل الإنسان أن يفضفض للآلة، يستشيرها، ويأنس إليها على أن يلجأ إلى صديق أو أحد أفراد العائلة. وإذ ما تأزمت النفس، وضاق الصدر، فلا بأس باستشارة نفسية من طبيب افتراضي. ساعد على ذلك توفر الخدمة الصوتية. حتى أن بعض الأزواج يلجأون إلى تقنية الذكاء الاصطناعي لحل مشاكلهم، ويعجبون بأن لها حساسية على تحليل نبرة الصوت، وفهم ما وراء الكلمات. هذا ما أسروا به للباحث مارك زاو ساندرز، أثناء إجرائه دراسة نشرها في «هارفرد بزنس رفيو» وبحث فيها عن أهم الأغراض التي يستخدم الناس لأجلها الذكاء الاصطناعي اليوم، ورتبها بحسب أولويتها لدى المستخدمين.

جاءت النتائج مختلفة بشكل لافت عن دراسة مثيلة أجراها العام الماضي. وجد أن المستخدمين صاروا أكثر رومانسية وعاطفية، وانسجاماً مع هذه الروبوتات؛ ما كانوا عليه قبل أشهر فقط. فقد باتوا يعتمدونها بصفتها «طبيباً نفسياً» أو «صديقاً حميماً» لمواجهة الضغوط العاطفية، بينما تراجعت استخداماتها في المهام الروتينية والعملية.

الظريف أن الوظيفة الثانية بعد الرفقة والاستشارة النفسية، التي يفضلها عشاق هذه البرامج، وعددهم يتزايد بشكل كبير بحيث يفوق رواد برامج التواصل، هي «تنظيم الحياة»، كرسم جدول لبرنامج يومي، أو ترتيب نظام العمل. وجاء بالدرجة الثالثة «تحديد الهدف» أو العثور عليه، والمساعدة في بلورة الرؤية الشخصية لأمر ما. وهذا استخدام لم يكن أولوية السنة الفائتة.

نتائج أثارت ما يشبه الصدمة. فالشائع أن المرء يستخدم برامج ذكية ليصل إلى معلومات لا لإقامة علاقات ودية. لكن يتضح أن الرابط بات حميمياً، والألفة خلقت حبلاً عاطفياً بين السائل والمجيب، ولو كان مجرد صوت رقمي.

الرومانسية الوليدة بين البشر وآلتهم، دفعت مارك زوغربيرغ الذي لن يترك فرصة إلا ويستثمرها لجني المال، لأن يركز في «ميتا» على إنجاز برامج تعطي أولويتها لسد هذه الحاجات النفسية والشعورية بشكل خاص، وتلبي العطش العاطفي لذوي النفوس المعذبة والحائرة. ويرى أن شركته هي الأمهر في القيام بهذه المهمة؛ ذلك لأنه جمع من البيانات، بفضل «فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب»؛ ما يؤهله ليكون طبيب المعذبين والباحثين عن أنس. فمن أقدر منه على فهم سيكولوجيا مشتركيه، هو الذي أحصى خلجات نفوسهم ونبضات قلوبهم، وبات يعرف ما سيفكرون به قبل أن يمرّ في خاطرهم.

زوغربيرغ بين الأوفر حظاً صحيح، لكنه ليس وحيداً في الساحة. التطبيقات الصينية لوسائل التواصل جمعت بيانات أكثر من مليار ونصف المليار شخص على مدى سنوات طويلة ماضية. وهي من الحنكة بحيث شرّعت برامجها التوليدية الذكية، الجديدة، بالمجان؛ ما يتيح لها جمع أكبر قدر من المعلومات السلوكية، بأقصر وقت، وتعليم نفسها بسرعة. فالمجانية يقابلها الإقبال الكثيف. والشبان الصينيون بدأوا حملة على «تيك توك» ترشدك إلى تطبيق صيني مجاني مقابل كل تطبيق أميركي مماثل، مدفوع، للفوز بأكبر عدد من الرواد، وجمع أدق البيانات.

اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي بهدف تحفيز الإبداع، أو البحث عن معلومات معرفية، وكتابة نصوص، كلها أمور تأتي في ذيل الاستخدامات.

في زمن غربة الإنسان عن أخيه الإنسان، نصف المستخدمين هدفهم فك العزلة الذاتية، وطلب النصح حيث يغيب الصوت البشري المقابل.

تحولات درامية، صارت مصدر وحي، ومنبع رزق مغرياً، لصناع التكنولوجيا، ليصمموا المزيد من المنتجات التي تجاري بؤساء العصر. لهذا؛ يرى الرئيس التنفيذي لـ«مايكروسوفت» جاريد سباتارو أن الرواج سيكون من نصيب منتجات ذكية، تعمل بصفتها مساعداً شخصياً للإنسان. ترسل البريد الإلكتروني، تتبادل الدردشات مع أصدقائه بدلاً منه، ترتب الملفات، تحرره من روتين العمل، وتكون بمثابة شريك فكري وعاطفي أيضاً.

بكلام آخر، لم يعد الجوال أو اللوح الإلكتروني، أو الجهاز المحمول وسائل اتصال وربط مع الآخر، كما أشيع عنها، بقدر ما حولها الذكاء الاصطناعي تدريجياً، إلى أدواتنا المفضلة للتواصل مع أنفسنا أو أشباحنا الخفية. أي أنك تبوح لهذه الأجهزة، بما تخجل أن تعترف به لأقرب أحبائك. أما الخوف على الخصوصية، فالجيل الجديد يسخر من وساوسنا، ويسألون: ماذا بقي لنتحفظ عليه بعد أن صاروا يعرفون كلماتنا السرية، ومضمون مراسلاتنا، وطبيعة المعلومات التي نبحث عنها وحتى أرقام بطاقاتنا وحساباتنا البنكية. فهل بقي ما يستحق حمايته والتضحية من أجله؟

إنها جائحة «الوحدة» التي تهدد البشرية وتعصف بها، كما لم يضربها مثلها من قبل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جائحة «الوحدة» جائحة «الوحدة»



GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

الطبع فيه غالب

GMT 08:38 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مصر في مواجهة سيناريو «العبور بلا عودة»

GMT 08:30 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مَن يلقى سلاحه يُقتل

GMT 08:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيا والقبعات المتعددة

GMT 08:21 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

كارثة وفاة سباح الزهور

GMT 08:19 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

عبد الوهاب المسيرى.. بين عداء إسرائيل والإخلاص للوطن

GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt