توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

معالجة أسباب العنف ضد النساء هي الأهم

  مصر اليوم -

معالجة أسباب العنف ضد النساء هي الأهم

بقلم:د. آمال موسى

إنّ حسن مقاربة الظواهر يمكّننا من دقة المعالجة، ومن ربح الكثير من الوقت والجهد. فليس هناك ما هو أسوأ من معالجة الظواهر الاجتماعية من خلال الدوران في حلقة مفرغة.

وكما نعلم، فإن كل المجتمعات تعاني ظواهر اجتماعية ويبقى حجم الظاهرة هو الجدير بالانتباه أو إطلاق صيحة الفزع. مثلاً، لا يوجد مجتمع مهما كان حقوقياً ومتقدماً لا يعرف الجريمة والعنف وغيرهما من علل المجتمعات. غير أن حجم انتشار العنف والجريمة هو الذي يسترعي التوقف عنده باعتباره مسألة غير طبيعية، ولا بد من فهمه وتحديد أسبابه للتمكن من معالجته.

لقد ارتأينا اعتماد ملاحظة، وهي الأولى التي تخص ظاهرة العنف ضد المرأة، بخاصة وأن العالم انطلق أول من أمس (الأربعاء) في إحياء التظاهرة الدولية المتمثلة في الحملة الدولية لمناهضة العنف ضد المرأة التي تستمر إلى غاية يوم 10 ديسمبر (كانون الأول) الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان. ومفاد ملاحظتنا الأولى، أن هناك أزمة في كيفية مناهضة العنف ضد المرأة: فالغالب على استراتيجيات المناهضة التصدي لمظاهر العنف، مع جهود متفاوتة الجدية من دولة إلى أخرى في حماية النساء ضحايا العنف. وهنا نسجل إهمال مسألة الأسباب المولّدة للعنف والتركيز على نتائج العنف ومظاهره، وهذا نعتبره خللاً يتسبب في خسارة الكثير من الوقت، ناهيك أن معالجة مثل هذه الظواهر المركبة والمعقدة تتطلب جهداً كبيراً في التنشئة الاجتماعية، يشترط بدوره زمناً اجتماعياً يطول الأجيال. فكل جهد يبذله المجتمع من خلال مؤسساته ومضامين قيمية نقدية جديدة إنما هو يندرج ضمن أكثر العمليات الاجتماعية زمنية وصبراً، ونقصد بذلك: التغيير الاجتماعي.

فالملاحظ أن الاتجاه في غالبية البلدان يميل إلى بذل جهد في مجال حماية النساء ضحايا العنف، والتنافس حول توفير آليات الحماية التي أصبحت محددة على مستوى عالمي، وهناك تجارب متقدمة يتم اتباعها، وهنا نستحضر تجربة إسبانيا في مجال حماية النساء المعنَّفات. ويمكن حصر آليات الحماية في توفير خط ساخن لتلقي الشكاوى والتفاعل الفوري مع حوادث العنف ضد النساء إلى جانب تخصيص مراكز للإيواء وتمكين «المعنَّفات» من فرصة إتقان حرفة وبعث مشروع مورد رزق، وذلك بناءً على ما تؤكده الأرقام والإحصاءات من أن الغالب على ملمح النساء ضحايا العنف الهشاشة الاقتصادية.

وفي الحقيقة، وباعتبار تزايد ظاهرة العنف ضد النساء في مجتمعاتنا العربية وبشكل خاص في جائحة «كوفيد - 19»، فإن الدول العربية أصبحت تخصص حسب القدرة والإمكانات من ميزانياتها ما يمكّنها ولو نسبياً من النسج على منوال التجارب الملهمة في مجال حماية النساء ضحايا العنف. غير أن الملاحظ هو أن آليات الحماية تتطلب ميزانية كبيرة جداً لا تقوى على مجابهتها غالبية البلدان العربية والإسلامية، وتظل عملية الحماية منقوصة وتفتقد إلى آليات التكيف مع وضع المرأة المعنَّفة، بخاصة الأمهات اللواتي يرافقهن أطفالهن، في مراكز الإيواء مع ما يستوجبه ذلك من عناية نفسية واجتماعية وتربوية بأطفال المدارس. وإذا كان بإمكان الدول توفير الإقامة والإعاشة لمدة محدودة من الزمن، فإن التنقل وإيجاد حلول عملية للأم المعنَّفة وأطفالها ليس أمراً مضمون التحقق في ظل الأزمات الاقتصادية لدولنا، وتزايد المطالب الاجتماعية. كما لا يفوتنا أن العنف الزوجي يهيمن على أنواع العنف المسلط على النساء؛ ما يعني أن العدد أكبر بكثير من طاقة الدول على الحماية وتوفير آلياتها.

أيضاً، حتى في حال توافر الإمكانات، فإن الجهد الضروري المبذول في آليات الحماية يندرج في إطار واجب الدول في حماية النساء المعنَّفات ولا يصب في معالجة ظاهرة العنف.

لذلك؛ فإن هذه الظاهرة لن تعرف تراجعاً ملحوظاً إلا بالوقوف عند الأسباب الرئيسية ومعالجتها، وهي أسباب تكاد تنحصر في النسق الثقافي الذي من خاصياته الهيمنة الذكورية والتمييز بين الجنسين في الأدوار الاجتماعية، سواء داخل الأسرة أو في المجتمع، وأيضاً الجانب التشريعي بما يعنيه من قدرة على تعديل السلوك الاجتماعي، حيث إن للقوانين دوراً كبيراً في تعجيل مسار التغيير الاجتماعي بتأطير السلوك بتشريعات رادعة.

أما التحليل المادي لظاهرة العنف ضد المرأة، فهو في الحقيقة لا يمكن إنكاره بالمرة، وليس صدفة أن تكون النساء اللواتي يعرفن هشاشة اقتصادية وفي حالة تبعية اقتصادية للرجل هن أكثر النساء عُرضة واستعداداً من ناحية الوضعية الاقتصادية ليكنّ مشروع ضحية عنف.

ولكن تناول التفسير المادي للظاهرة من ناحية الهشاشة الاقتصادية للنساء لا يخلو من انحياز لا يخدم موضوعية التفسير، ونعتقد أنه آن الأوان لتعميم التفسير المادي لممارسة العنف على الجنسين معاً: غالبية الرجال الذين يعنّفون زوجاتهم مثلاً هم يعانون أيضاً هشاشة اقتصادية ومعظمهم من ذوي الدخل المحدود أو في وضعيات بطالة وعدم استقرار مهني، ومن أهم مؤشرات ذلك نشير إلى موجات التسريح من المؤسسات التي حصلت أثناء جائحة «كوفيد - 19». ثم إن العلاقة بين ارتفاع ظاهرة العنف دولياً في فترة الحجر الصحي وارتفاع عدد العاطلين عن العمل ونسبة الفقر، ليست بعلاقة اعتباطية.

للقضاء على ظاهرة العنف يجب ما يلي: تحقيق النمو الاقتصادي، وتحسين المقدرة الشرائية، وخفض معدلات الفقر والبطالة مع سنّ تشريعات تقضي على التمييز على أساس الجنس، ثم ترك بعض الوقت للنسق الثقافي كي يتأقلم مع المعطيات الاقتصادية والتشريعية الجديدة وحينها نكون قد انطلقنا في رحلة التعافي من العنف.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معالجة أسباب العنف ضد النساء هي الأهم معالجة أسباب العنف ضد النساء هي الأهم



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt