توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دروس ابن خلدون على قارعة الطريق

  مصر اليوم -

دروس ابن خلدون على قارعة الطريق

بقلم:د. آمال موسى

انتشرت أمس أخبار حول احتفال سفارة الولايات المتحدة الأميركية لدى تونس بذكرى ميلاد العلامة التونسي عبد الرحمن بن خلدون الذي ولد في سنة 1332م وتوفي عام 1406م. ولقد نشرت السفارة على صفحتها نصاً تناول مناقب ابن خلدون واصفة إياه بأنه من العقول التونسيّة العظيمة وكيف أنه ساهم في إرساء الفكر الاقتصادي والسياسي العالمي من خلال نظرياته الثاقبة، التي كان الرئيس رونالد ريغان يستشهد بها في نقاشاته وكلماته السياسية.

في الحقيقة احتفال سفارة بذكرى ميلاد مفكر وخصوصاً مفكراً عربياً يعد أمراً إيجابياً ولافتاً. ويمكن لنا إدراج مثل هذه الأنشطة النادرة جداً -إلى درجة أن حدوثها يثير الانتباه- في إطار الأثر الفكري والمعرفي للعرب في العالم، وهي مسألة مهمة جداً لأنها على الأقل في زحمة كل هذه الأحداث والإحباط الهائل تدفعنا كي نتذكر أن لنا تراثاً وأعلاماً وحضارة وفكراً ومفكرين وأنه بإمكاننا إعادة ترتيب حضورنا وفعلنا في العالم بالعودة إلى كنوز الأفكار والنظريات التي وضعتها عقول عربية عدة كانت سابقة لعصرها وبليغة الفكر.

هذا النشاط الفريد في نوعه لسفارة الولايات المتحدة لدى تونس قادنا إلى التفكير في واقع العلاقة بين النخب السياسية في الفضاء العربي من ناحية علاقتها بفكر ابن خلدون.

في الحقيقة ما نلاحظه هو وجود نوع من القطيعة بين النخب السياسية في بلداننا وابن خلدون. فالرجل جمع بين اختصاصات عدة جعلت منه علامة؛ فهو عالم الاجتماع والمؤرخ ورجل الاقتصاد والعمران وحتى الأدب واللغة.

صحيح أن ابن خلدون كان ناقداً لاذعاً لأهله، ولكن أكثر شيء نحتاج إليه اليوم نحن الشعوب العربية هو النقد؛ ذلك أن التشريح المعمق لبنية العقل العربي الذي قام به من الدقة ما جعل منه أساس مشاريع فكرية مهمة في الفكر العربي المعاصر. وهنا نذكر الفيلسوف المفكر محمد عابد الجابري الذي استلهم الفكر الخلدوني واشتغل على المحددات التي التقطها ابن خلدون، وهي محددات العقيدة والعصبية والغنيمة. كما أنه لم يكن بإمكان أي عمل فكري نقدي عربي أن يغض الطرف عن مدونة ابن خلدون التي لم تترك مجالاً إلا وأحاطت به من مختلف جوانبه، الأمر الذي أنتج فكراً خلدونياً ثرياً بالدروس والمعطيات والنظريات.

ولم يبخل ابن خلدون في أن يقدم لنا نظريات جاهزة في مجالات مختلفة أهمها الدولة، متوقفاً عند أسباب قوتها وضعفها ومسارها.

من يقرأ فكر ابن خلدون يرَه معاصراً جداً ويتساءل كيف لنخب سياسية عربية تسعى لمعالجة مشكلات بلدانها ألّا تستلهم من أفكار ابن خلدون ونظرياته الكثيرة. فالعرب أولى بالاستفادة من أفكار ابن خلدون من غيرهم الذين قرأوا جيداً نظرياته ودرّسوها لطلبتهم وعملوا بها في مخططاتهم التنمويّة.

إنّ أفكار ابن خلدون حول الدولة وما يرتبط بها تعد كنزاً حقيقياً لا يجوز إهماله ولا يكفي أن يدرّس ابن خلدون في جامعاتنا وفي أقسام علم الاجتماع والتاريخ والاقتصاد بشكل خاص، بل من المهم أن تكون هناك علاقة قوية بين النخب السياسية وفكر ابن خلدون.

من الضروري أن تكون نظرية ابن خلدون حول الجباية مثلاً، أي الضرائب، مستوعبة جداً لدى المسؤولين في المالية العمومية حتى لا يقعوا في خطأ إثقال كاهل المواطنين بالضرائب، الأمر الذي ينعكس سلباً على روح العمل والأداء. لذلك، فإن مقولة ابن خلدون التي يؤكد فيها أنه «إذا كثرت الجباية أشرفت الدولة على النهاية» هي بمثابة درس وتوصية معاً.

طبعاً لا شك في أنه في بلدان أوروبية وغربية عدة، الضرائب مرتفعة كما هو الحال في فنلندا واليابان والدنمارك والسويد وغيرها، ولكن لا ننسى أن الرواتب عالية في هذه البلدان والخدمات ذات جودة والبنية التحتية حافظة لممتلكات المواطنين من سيارات وغيرها... في حين أنه باستثناء بعض دولنا، فإن الضرائب تعد قاسمة لظهر المواطنين؛ لأن الرواتب منخفضة وحال البنية التحتية بين التدهور والتواضع.

إنَّ إدراك معنى نظرية الجباية عند ابن خلدون ومضار الترفيع فيها، إنما يصب في مصلحة الدولة واستمرار حكم النخبة الحاكمة.

تتميز نظريات ابن خلدون بكونها معاصرة وقابلة للاستفادة منها جداً، فهي ليست فقط صالحة لبلورة مشروع ثقافي عربي نقدي بدأ ثم توقف خلال العقدين الأخيرين بل أيضاً هي في منتهى الأهمية لاعتمادها في صياغة مشروع الفعل السياسي والاقتصادي الناجح حيث تناول ابن خلدون مواضيع الرفاه والانكماش الاقتصاديين وكيفية ترشيد النفقات والتصرف في المال العام وغيرها من المواضيع الكثيرة المهمة.

ختاماً نوجه دعوة لجامعة الدول العربية حتى تطلق سلسلة من الدورات التدريبية حول الفكر الخلدوني، وعقد مؤتمرات تستحضر النظريات التي تحتاج إليها الدول العربية اليوم...

ونشير إلى أنه لو أن ابن خلدون لم يكتب إلا ما قاله في الظلم وأثره في خراب العمران لكان ذلك كافياً؛ لأن الأفكار التي تبدو بسيطة هي ثمينة وخلاصة خبرات غير محدودة في التاريخ أزمنةً وأمكنةً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دروس ابن خلدون على قارعة الطريق دروس ابن خلدون على قارعة الطريق



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt