توقيت القاهرة المحلي 11:09:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جزائر جديدة بدستور جديد

  مصر اليوم -

جزائر جديدة بدستور جديد

بقلم : عبد الرحمن شلقم

قصة الجزائر مع الدستور ملحمة طويلة ومعقدة، لا تقل سخونتها وثقلها عن مرحلة الكفاح الطويلة والدامية ضد الاستعمار الفرنسي.
عاشت الجزائر منذ استقلالها محطات لم تغب عنها هزَّات سياسية واجتماعية عدة. بعد عزل الرئيس الأسبق أحمد بن بله، حكم الرئيس هواري بومدين البلاد مرحلة فرض فيها الاستقرار منفرداً بالقرار في جميع المجالات. كانت فترة حكمه تعجُّ بصراعات إقليمية ودولية والحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي على أشدها. استطاع أن يوازن في علاقاته الخارجية بين المعسكرين. وطد علاقته مع الاتحاد السوفياتي من دون أن يصطدم مع الولايات المتحدة، وعلى المستوى العربي لم يدخل معركة ما عُرف بمعسكري التقدمية والرجعية. حافظ على علاقة متوازنة مع كل الأطراف. كان الرئيس هواري بومدين مناصراً قوياً للقضية الفلسطينية واستضافت الجزائر في عهده مؤتمرات وملتقيات فلسطينية عدة، وقال كلمته الشهيرة، نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة. لم يتبنَ أي فصيل فلسطيني أو يؤسس منظمة تابعة له أو يمول تياراً فلسطينياً يأتمر بتعليماته كما فعلت عدد من الدول العربية مثل العراق وسوريا وليبيا. في الداخل انتهج سياسة اشتراكية رأى أنها تنبع من التكوين الاجتماعي للجزائر وكذلك مواردها الاقتصادية التي تعتمد على الزراعة والنفط والغاز؛ مما جعل البلاد دولة ريعية بامتياز. أراد أن يجعل من الجزائر دولة صناعية ولكنه لم يحقق في هذا المجال إنجازات كبيرة تُذكر. بعد رحيله في ديسمبر (كانون الأول) سنة 1978 وجد زملاؤه العسكريون في مجلس قيادة الثورة وأعضاء قيادة جبهة التحرير الوطني، أنفسهم في مواجهة مباشرة أدخلت الجميع في صراع على السلطة.
من هنا بدأ المسار الساخن في دولة الجزائر، من يحكم البلاد بعد بومدين وعبر أي طريق وكيف. دستور سنة 1976 الذي كتب في حياة هواري بومدين نصّ على اختيار رئيس الجمهورية من قبل جبهة التحرير الوطني. نشب الخلاف على الرئاسة بين عبد العزيز بوتفليقة رجل الدبلوماسية ومحمد صالح يحياوي زعيم الحزب الحاكم. قفز الجيش الجزائري إلى حلبة المنافسة وفرض أحد قدماء رجاله وهو الشاذلي بن جديد. مباشرة بعد توليه مهام الرئاسة، غاص بن جديد في مشاكل البلاد الكبيرة والكثيرة والمعقدة. أوصله تشخيصه لما تعانيه البلاد من أزمات، إنما يعود إلى الحكم الفردي، وسيطرة الحزب الواحد على الحكم، وأن التعدد السياسي الحزبي هو الحل لتلك الأزمات، وقام بتعديل المادة 40 من الدستور وسمح بالتعددية الحزبية في البلاد لأول مرة منذ الاستقلال. بدأ الخلاف مباشرة بين الرئيس الشاذلي وقادة الجيش وزعماء جبهة التحرير الذين تشبثوا بالحزب الواحد والاشتراكية. تأسس بعد ذلك مباشرة 60 حزباً سياسياً بالبلاد. ولد ذلك مناخاً انفتاحياً ديمقراطياً فخرج الشباب الذي يعاني من ضنك الحياة في مظاهرات هادرة في كل أنحاء البلاد. برز من بين تلك الأحزاب تنظيم (الحركة الإسلامية للإنقاذ) الذي تزعمه كل من عباسي مدني وعلي بلحاج، وحققت الحركة فوزاً كاسحاً في الانتخابات المحلية البلدية. شكّل ذلك ناقوساً أرعب الجيش ودوائر الأمن، وأُعلنت الأحكام العرفية واُعتقل عباسي مدني وعلي بلحاج. لكن الشاذلي بن جديد لم يتراجع عن سياسة التعدد السياسي رغم كل ما حدث، وذهب إلى انتخابات تشريعية قائمة على التعددية الحزبية، وكانت نتائجها صاعقة للجيش والأمن، فقد حصلت جبهة الإنقاذ على 188 مقعداً مقابل 16 مقعداً لجبهة التحرير الوطني، فقام وزير الدفاع خالد نزار بانقلاب عسكري وأزاح بن جديد من سدة الرئاسة ووصف خالد نزار في بيانه الأول الانقلابي جبهة الإنقاذ الإسلامية بالحزب المتطرف والتكفيري. دخلت البلاد في نفق الدم الطويل المرعب بعد أن توجه المتطرفون إلى حمل السلاح وقاموا بارتكاب مجازر واسعة واغتيالات وتفجيرات في أماكن مختلفة من البلاد واجهتها قوات الجيش والأمن برد عنيف وبلا هوادة في ما عُرف بالعشرية السوداء التي ذهب ضحيتها مئات الآلاف وكلفت البلاد دماراً للبنية التحتية وتمزيقاً للنسيج الاجتماعي. طويت صفحة الإصلاح والدستور التعددي الذي أراده الرئيس الشاذلي بن جديد طريقاً لجزائر جديدة. ما بين القوة والتراضي، تولى رئاسة البلاد أكثر من شخص، وجاء أكثر من دستور بتعديلات كان آخرها الذي سمح للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة أن يبقى في الحكم أكثر من عهدتين مما أشعل مظاهرات كبيرة عمت البلاد وأدت إلى خروجه من قصر الرئاسة. بعد تولي عبد المجيد تبون رئاسة الدولة قام بتقديم مشروع تعديل للدستور مراعيا طلبات المتظاهرين ورغباتهم، تضمن التعديل الجديد الكثير من المواد التي لم يتضمنها الدستور الحالي. من أهم محطات التعديل السماح للجيش بالعمل خارج حدود البلاد في مهام لحفظ السلم والأمن تحت مظلة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، وقد فسرت هذه النقطة على أنها تهدف لقيام الجزائر بدور مهم في مواجهة الحركات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء والتي تهدد حدود الجزائر وأمنها. وهناك نقطة مهمة جداً في هذا التعديل وهي، إسناد تعيين رئيس الحكومة للأغلبية البرلمانية بدلاً من تعيينه من طرف رئيس الدولة. وتضمنت المسودة المعدلة النهائية، مواد تتعلق بالحقوق الأساسية والحريات العامة والفصل بين السلطات والسلطة القضائية والمحكمة الدستورية ومكافحة الفساد والسلطة المستقلة للانتخابات والعهدة الرئاسية لمرتين غير قابلتين للتجديد وحرية الصحافة. وتبقى مادة مثيرة للجدل والخلاف وهي اللغة الأمازيغية، فقد تضمن التعديل الإبقاء على الأمازيغية كلغة وطنية، وهو ما يعارضه التيار الإسلامي والقوى المحافظة برفض وجود لغتين رسميتين للبلاد دستورياً وتطالب بأن تكون الأمازيغية مجرد مكون من مكونات الهوية الوطنية.
الدستور، الوثيقة الوطنية التي حملت الجزائر من حلقة ساخنة إلى أخرى.. هل سيؤسس الدستور المعدل في حالة الموافقة عليه في الاستفتاء المزمع إجراؤه في مطلع الشهر المقبل، لجزائر جديدة تتمتع بالاستقرار والتداول السلمي على السلطة والانطلاق نحو تنمية تسود فيها الشفافية بقوة القانون وتضمن للمواطن حياة الكرامة والرفاهية وتطوى حلقات ملحمة الخلاف على الدستور الذي شكل نواقيس للطموح الوطني والصراع من أجل الحكم؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جزائر جديدة بدستور جديد جزائر جديدة بدستور جديد



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الملكة رانيا بإطلالات شرقية ساحرة تناسب شهر رمضان

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:36 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

ميسي يتحدث عن "العامل الحاسم" في اعتزاله
  مصر اليوم - ميسي يتحدث عن العامل الحاسم في اعتزاله

GMT 02:02 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

الملكي يتقدم 1-0 قبل نهاية الشوط الأول ضد ألكويانو

GMT 10:15 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

للمرة الثانية أسبوع الموضة في لندن على الإنترنت كلياً

GMT 14:16 2021 الأحد ,03 كانون الثاني / يناير

الحكم في طعن مرتضى منصور على حل مجلس الزمالك

GMT 09:20 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

طريقة لتبييض الأسنان ولإزالة الجير دون الذهاب للطبيب

GMT 08:52 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري اليوم السبت

GMT 02:02 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

مصر على أتم الاستعداد لمواجهة أى موجة ثانية لفيروس كورونا

GMT 09:09 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسني يؤكد لو تم علاج ترامب في مصر لكان شفائه أسرع

GMT 14:47 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

أستون فيلا يعلن عن تعاقده مع أغلى صفقة في تاريخه

GMT 04:36 2020 الخميس ,20 شباط / فبراير

ابن الفنان عمرو سعد يكشف حقيقة انفصال والديه
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon