توقيت القاهرة المحلي 13:25:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السجن وسام الختام لرؤساء البرازيل

  مصر اليوم -

السجن وسام الختام لرؤساء البرازيل

بقلم : عبد الرحمن شلقم

ميشيل تامر، الرئيس البرازيلي السابق، سقط بدوره في الحفرة الخاصة برؤساء البرازيل بمجرد أن تضاف لهم صفة السابق. فقد جرى القبض عليه على ذمة التحقيق في قضية فساد وصفت بالكبرى. يرافقه في قفص التهمة وزير النفط في عهده ويلنجتون موريرا فرانكو. الرشوة، وبخاصة في قضايا النفط، هي الفيروس البرازيلي المتخصص في الرؤساء ورجال الصف الثاني.
كل ما في البرازيل إبداع لا مثيل له. الرقص وكرة القدم والسياسة كلها فنون عليها الختم البرازيلي الفريد. التفرد البرازيلي في دنيا السياسة تفوق على الإبداعات البرازيلية الأخرى. السجن هو دار التكريم التي تنتظر الرئيس المغادر منذ تحول البلاد من الحكم العسكري إلى الحكم المدني في بداية ثمانينات القرن الماضي، وتهمة الفساد المالي هي الوسام الذي يعلق على صدر الرئيس محفوفاً بالشرطة إلى زنزانة الرئاسة الأخرى. هذا الإبداع اللعنة لاحَق رؤساء ثلاثة، لولا دا سيلفا الذي يقضي عقوبة السجن لمدة 12 عاماً. اعتبره الكثيرون الرئيس الأسطورة الذي صنع كل شيء من لا شيء على المستوى الشخصي برزخه الخاص الذي نقله من دنيا العوز والمعاناة إلى سدة حكم إحدى أكبر دول الدنيا مساحة وثروة وبشراً. بعد صراع طويل مع وهاد الحياة ومستنقعاتها التي تملأ الأرض والمجتمع البرازيلي، استطاع الشاب لولا أن يؤهل نفسه ويقتحم حلبة السياسة عبر حزب العمال اليساري، واستطاع في معركة متعددة الألوان أن يصعد إلى سدة الرئاسة. حقق نجاحات باهرة في المجال الاقتصادي، واعتُبر من الشخصيات القيادية الدولية التي حققت قفزات مشهودة في بلاد عانت من الفقر والجريمة والبطالة رغم ثرواتها الهائلة زراعياً وصناعياً، والمواد الأولية التي تكتنزها في جوفها. صار الرئيس لولا الاسم الرمز. فهو أول رئيس يساري للبرازيل حقق فائضاً مالياً للبلاد التي عاشت حقبة طويلة في ضائقة اقتصادية بلغ مائتي مليار دولار، وأخرج أكثر من عشرين مليون مواطن من تحت خط الفقر. الشعب البرازيلي شعب لاتيني بكل معنى الكلمة. له قدرة فائقة على نسج الخيال في لوحات مزركشة يتداولها الناس في المقاهي وعلى شواطئ البحار. الأسطورة كائن مختلق يصنعها الخيال ويلونها المزاج الحالم الذي يعيش حالات اليأس والعجز، فينفخ في فراغ الأمل علَّه يجذب بخيوط الأسماء الأسطورية ما قصرت عنه أيدي الواقع. فقد الرئيس لولا عندما كان شاباً يعمل في أحد المصانع بنصره اليسرى. وعندما أصبح رئيساً وحقق قفزات اقتصادية هائلة، انطلقت النكت والقفشات عن بنصر الرئيس الأسطورة، منهم من قال إن تلك البنصر المقطوعة هي التي تحولت إلى تكوين شبه جني ويعمل في صمت ليلاً ونهاراً ويحقق الإنجازات، وأقوال أخرى عن طفولته ومعاناته التي كتب عنها الكثيرون. لقد تعددت إنجازاته في كل المجالات، لكنه جذب الناس إليه بمواقفه الأخلاقية فقد رفض أن يعدّل الدستور كي يستمر في الرئاسة فترة أخرى، ودعا إلى فرض ضريبة على تجارة السلاح.
تسابق السياسيون والكتّاب على التعبير عن تقديرهم لإنجازاته، وربما عبّر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عن الجميع عندما سئل: هل أنت أكثر الزعماء شعبية في العالم؟ أجاب أوباما: لا، الرئيس لولا دا سيلفا أكثر شعبية مني. إنه الأكثر شعبية على الكرة الأرضية. لقد بكى دا سيلفا مرات كثيرة وكأن قلبه لا ينسيه سنوات العناء الطويلة. ألقى أحد الشعراء بحضوره قصيدة عبّر فيها عن عرفان الشعب بما فعله الرئيس من أجلهم؛ ولذا حظي بأكبر قدر من المحبة. قيل الكثير عن ما قام به من أجل مكافحة مرض البرازيل المزمن، وهو الفساد، لكنه ضُرب بالعصا ذاتها التي جاهد طويلاً من أجل كسرها وهي الفساد. لاحقته التهمة إلى أن دفعته إلى غياهب السجن، حيث سيقضي بين الجدران مدة أطول من تلك التي قضاها في سدة الرئاسة. تردد في أوساط حزب العمال الذي ينتمي إليه الرئيس لولا دا سيلفا، أن التهمة مخطط سياسي الهدف منه القضاء على رمزية الزعيم لولا، وبالتالي تدمير حزبه سياسياً وإخراجه من حلبة الصراع السياسي. وفعلاً حدث ذلك؛ فقد خسر مرشح حزب العمال الانتخابات الرئاسية أمام المرشح اليميني بولسينارو.
في الكثير من بلدان العالم الثالث التي عاشت الانقلابات العسكرية قلما عرفت تعبير الرئيس السابق أو الأسبق وهو مكرّم وطليق أو حتى على قيد الحياة، السجن أو الإعدام هو مكافأة نهاية الخدمة. البرازيل لها وسام خاص يعلق على صدر الرئيس السابق، وسام الفساد الذي يرسم له الطريق نحو الزنزانة. قبل الرئيس لولا دا سيلفا استقال الرئيس فيرناندو كولورميلو الذي اتهم في قضايا فساد. تلك عربة اللعنة التي لا تتوقف عن ملاحقة رؤساء البرازيل بمجرد مغادرتهم كرسي الحكم، فذاك الكرسي يمنحهم حصانة ما داموا يجلسون فوقه. أول رئيسة للبلاد ديلما روسيف، وهي المقربة من الرئيس سيلفا، ضُربت بالعصا ذاتها التي قلما نجا منها رئيس سابق للبلاد، قرر مجلس الشيوخ عزلها بتهمة الفساد التي جنّدت حملتها في الانتخابات الرئاسية لمكافحته.
الأجراس بدأت تقرع حول الرئيس اليميني الجديد جايير بولسينارو بالحديث عن تورط نجله في قضايا رشى يتابعها القضاء. الرئاسة والرشوة والسجن، المثلث الأسطوري الذي أبدعته البرازيل، فن لا يشيخ ولا يغيب، من يقول إن لاعب كرة القدم بيليه هو الأسطورة الوحيدة في دنيا الأمازون، أو إن راقصي السامبا هم وحدهم المبدعون.. في البرازيل إبداع يلد آخر.

 

نقلًا عن الشرق الآوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع  

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السجن وسام الختام لرؤساء البرازيل السجن وسام الختام لرؤساء البرازيل



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 02:41 2016 الأحد ,15 أيار / مايو

الألوان في الديكور

GMT 15:53 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

إقبال على مشاهدة فيلم "Underwater" فى دور العرض المصرية

GMT 15:43 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

مجلس المصري يغري لاعبيه لتحقيق الفوز على الأهلي

GMT 14:25 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

دراسة جديدة تُوصي بالنوم للتخلّص مِن الدهون الزائدة

GMT 17:44 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يستغل الخلاف بين نجمي باريس سان جيرمان

GMT 03:56 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

عبدالله الشمسي يبتكر تطبيقًا طبيًا لمساعدة المرضى

GMT 14:00 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

أودي تطرح أفخم سياراتها بمظهر أنيق وعصري

GMT 17:49 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

مدير المنتخب الوطني إيهاب لهيطة يؤجل عودته من روسيا

GMT 19:33 2020 السبت ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل مغني الراب الأمريكي كينج فون في إطلاق نار بأتلانتا

GMT 23:01 2019 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

شبح إلغاء السوبر الأفريقي يطارد الزمالك والترجي

GMT 13:42 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon