توقيت القاهرة المحلي 09:57:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«أولاد» الدكتورة «سهير»

  مصر اليوم -

«أولاد» الدكتورة «سهير»

بقلم: فاطمة ناعوت

الدكتورة «سهير عبد القادر»، أو «ماما سوسو» كما يناديها الأولاد والبنات، ليست وحسب أمًّا لابنتين جميلتين آمنتا بحُلمها وشاركتاها فى صناعة الجمال، بل هى بالحق أمٌّ لجميع أبناء مصر والوطن العربى والعالم من ذوى الهمم، عبر مؤسسة «أولادنا»: الحاضنة الإبداعية لذوى القدرات الخاصة. أسست «ماما سوسو» تلك الحاضنة عام ٢٠١٦، انطلاقًا من إيمانها بأن الفن هو اللغة الكونية التى يفهمها الجميع مهما اختلفت الألسن، والجسر الأسرع لدمج ذوى القدرات الخاصة فى المجتمع. وأطلقت المؤسسةُ «ملتقى أولادنا» الذى تخطّى كونه مهرجانًا مصريًّا لرعاية الموهوبين، ليغدو جسرًا إنسانيًا يغطى أرجاء العالم.

تحررت «ماما سوسو» من رتبتها كرئيسة مؤسسة أو مديرة مهرجان، واختارت المرتبة الأصعب: «الأمومة» بأغصانها الثلاثة: الحنو- الحزم- الرؤية. تدقِّقُ فى كل تفصيلة فى البرنامج الذى يمتدُّ أسبوعًا من الفرح والألوان، تحنو على دموع التعثّر فى البروفات، لتغدو دموع نجاح على خشبة المسرح. تراها تنحنى لتعدل بدلة طفل، وترتّبُ ضفيرة فتاة، وتُنصِت إلى قلق أمٍّ وهى تربّت على كتفها مطمئنةً بأن الغد أجمل. وحين تعلو أصواتُنا بآيات الشكر لكل ما تصنع من معجزات، تشيرُ بإصبعها نحو السماء ناسبةً الفضلَ كلَّه لله، الحانى الأعظم على الواهنين والضعفاء.

اليومَ ختامُ الدورة التاسعة من «ملتقى أولادنا» الذى اختار عنوان «لوّنها بالفرحة»، تحت رعاية الرئيس «عبد الفتاح السيسى» وقرينته السيدة «انتصار» اللذين آمنا بحقوق ذوى الهمم منذ اليوم الأول فى الحكم، فوجّه الرئيسُ مؤسسات الدولة ووزاراتها لدعم الملتقى الدولى الذى شارك فيه هذا العام موهوبون من ٥٣ دولة من إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، إلى جانب مصر والدول العربية. وعلى مدى الأيام السبعة الماضية، كان المشهدُ أشبه بحديقة كونية تتفتح فيها المواهب: طفلٌ مصرى يعزف إلى جوار فتاة من الكاميرون، رسامة عربية تعرض لوحاتها جوار رسام من بولندا. لم يعد ذوو الهمم «أولاد مصر» فقط، بل صاروا أولاد العالم، بفضل إصرار سيدة راقية آمنت بحلمها وأصرَّت على تحقيقه بكل ما تملك من جهد وصحة ووقت ومال، لتثبتَ بالفعل لا بالكلام أن الفن الرفيع لغةٌ لا تحتاج إلى ترجمان، بل إلى إيمان ورعاية وعمل وجدية.

حُلمُها الذى أشرق للنور فى «أولادنا» تجاوز كونه «مؤسسة رعاية»؛ ليغدو حضنًا واسعًا يضمُّ قلوبًا صغيرة وطاقات كبيرة، وفردوسًا أرضيًّا أثبت أن الإبداع لا يعرف عوائق الجسد ولا قيود الإعاقة. وعامًا بعد عام يزدادُ الحلمُ رسوخًا وإشعاعًا؛ ليرتسم اليومَ هذا المشهدُ المهيب الذى أشرق على الشاشات والفضائيات: أطفال وشباب من ذوى الهمم من جميع أنحاء العالم يملأون الخشبات والفضاءات بغنائهم وعزفهم ورقصاتهم ولوحاتهم وأشغالهم اليدوية، ليعلنوا للعالم أنهم ليسوا «مُستضعفين» بل أصحابُ مواهب ورسالة.

قبل سنوات، جاءتها أمهاتٌ يحملن على أذرعهن أطفالا طالتهم إعاقاتٌ جسدية أو ذهنية، وفى عيونهن دموعُ القلق على المستقبل، فاستقبلتهن ابتسامةُ «ماما سوسو» تفيضُ بالأمل والثقة بأن الله سوف يرسم لأولئك الملائكة غدًا مشرقًا بقدر الإيمان بقدراتهم وبقدر ما يُبذَل من عمل وتدريب. أولئك الأطفالُ صاروا اليوم شبابًا مشرقًا يُفرح القلب، منهم عازفون ورسامون ومطربون وأبطالٌ رياضيون. حبُّها لهم ليس شعارًا؛ بل فعلٌ يومى وتعبٌ، يثمر فى كل عمل مسرحى، فى كل لوحة فنية، فى كل رقصة تتحدى الصمتَ والعجز. وهنا يكمن سرّ نجاح «أولادنا»: أنه ليس مشروعًا مؤسسيًا باردًا، بل عائلة حقيقية دافئة.

«ملتقى أولادنا» ليس مهرجانًا للفنون، بل إعلانُ مقاومة ضد أى محاولة لتهميش لذوى الهمم. فالرسم والموسيقى والرقص والتمثيل ليست «أنشطة» يؤديها أبناؤنا بل أدواتُ تعبير لإعادة الاعتبار، من أجل تشييد مجتمع لا ينظر إلى ذوى الهمم بعين الشفقة، بل بعين الشريك المبدع الجدير بالتوقير والاحترام.

حين نرى «أولادنا»، ندرك أن الحلم العصىّ صار واقعًا بفضل سيدة رقيقة وصلبة فى آن، لم تمنح «أولادها» منصاتٍ للفنون، بل جناحين للتحليق، لتعلمنا أن الإنسانية لا تُقاس إلا بحجم ما نهبُه من حبّ وعطاء.

ولم يكن لهذا الحُلم أن يترسخ لولا دعم رئيس لم يتعامل مع «ذوى القدرات» كملفٍّ هامشى، بل كأولوية إنسانية ووطنية، انطلاقًا من إيمان راسخ بدورهم فى بناء المستقبل. وأثمر هذا الدعم الرئاسى فى تغيير نظرة المجتمع إلى ذوى الهمم وفتح أبواب دمجهم فى الفضاء العام واحتضان مواهبهم على المنصات الكبرى.

مازالت «ماما سوسو» تحلم بدعم الدولة المصرية لها لتشييد مكان يضمُّ «أولادنا» بعد رحيل أمهاتهم. وأحلمُ معها باعتبارى أمًّا لشاب جميل متوحّد لا أعرف ماذا سيحدث له بعد رحيلى. نحلمُ بيد حانية ترعى نجلى «عمر» وأصدقاءه من ذوى القدرات الخاصة بعد رحيلنا. شكرًا لك أيتها العظيمة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أولاد» الدكتورة «سهير» «أولاد» الدكتورة «سهير»



GMT 09:57 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

توسعة الميكانيزم... هل تجنّب لبنان التصعيد؟

GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

الطبع فيه غالب

GMT 08:38 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مصر في مواجهة سيناريو «العبور بلا عودة»

GMT 08:30 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مَن يلقى سلاحه يُقتل

GMT 08:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيا والقبعات المتعددة

GMT 08:21 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

كارثة وفاة سباح الزهور

GMT 08:19 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

عبد الوهاب المسيرى.. بين عداء إسرائيل والإخلاص للوطن

GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt