توقيت القاهرة المحلي 08:24:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اليوم العالمى للقانون... العدلُ ماءُ الحياة

  مصر اليوم -

اليوم العالمى للقانون العدلُ ماءُ الحياة

بقلم: فاطمة ناعوت

العدل. ما سبق ليس «كلمة»، بل جملةٌ مفيدة مكتملة الأركان؛ لأنها تُلخص فلسفة الحياة. فى أسمائه الحسنى، تفرّد الله باسم «العدل»، لا «العادل» ولا «العدول»، على نسق بقية الأسماء التى جاءت على وزن: فاعل- فعول- فعيل- فعّال- مِفعال. فقط «العدل»، «السلام»، «الحق» وردت على صورة «الجوهر» لا «الصفة»؛ لكى تبثُّ لنا رسالة بأن تلك الأسماء بالذات كياناتٌ ربوبية عُليا ومطلقة، لا مجرد صفاتٍ نسبية. وكأنما أراد اللهُ أن يعلّمنا أنّ «العدل» ليس فعلًا يُمارَس، بل جوهرٌ يُستَمدّ منه كل فعل، ومِظلّة إلهية أسدلها الُله على الكون كى يحيا فى محبة وسلام. ولهذا قال تعالى فى الحديث القدسى: «يا عبادى، إنى حرّمتُ الظلمَ على نفسى وجعلتُه بينكم مُحرّمًا، فلا تظالموا». وهذا شىء مدهش ومخيف، أن يُحرِّم الخالقُ أمرًا على نفسه قبل أن يحرّمه على عباده، ليعلّمهم هولَ الظلم وحتمية العدل، باعتباره ميثاقًا سماويًا حاسمًا، لا مفاوضة فيه. لهذا اجتهد البشرُ فى صكِّ «القانون»، الذى يحمى «العدل» ويُزيح شبحَ «الظلم» الأسود من مشهد البشرية. كان هذا ملخص كلمتى التى ألقيتُها بالأمس فى الاحتفال بـ«اليوم العالمى للقانون» الذى أقامته «المؤسسة العربية للسلام والتنمية»، بالشراكة مع «المحكمة العربية للتحكيم ومجلس الوحدة الاقتصادية».

لهذا أتقدّم بجزيل الاحترام لمعالى المستشار «كمال خليفة عبد الرحمن»، رئيس مجلس أمناء «المؤسسة العربية للسلام والتنمية» الذى جعل من يوم ١٣ سبتمبر طقسًا سنويًا بهيجًا يجمعنا فيه على شرف رجالات القانون والعدالة من مصر ومختلف دول الوطن العربى، لنتذكر فيه أن «العدل» هو مظلة الرحمة التى تحقق السلام للبشر، وأن «القانون» هو الصخرة التى تحمى كرامة الإنسان وتعلو به إلى المكانة الراقية التى رسمها الله له.

وحين ننطق كلمةَ «القانون» لابد أن تُذكر «مصرَ»؛ لأنها اليدُ الأولى التى كتبت «الضمير» فى دستور التاريخ، وصكّت أبجديات القانون فى غبش الحضارات. ويظلُّ «قانونُ ماعت» أعرقَ وأرقى ما ابتكر الإنسانُ من قيم أخلاقية؛ لا تنظّمُ أسسَ العَيش الكريم بين الناس وحسب، بل تُهذِّب الإنسانَ وتجعل منه كائنًا راقيًا مُستحقًا للحياة. تصوّروا قانونًا يُجرِّمُ التسبّب فى دموع إنسان! تصوّروا قانونًا يُجرّمُ تعذيبَ الحيوان، بل يُجرّم تعذيب النبات بحرمانه من الماء؟! وحده القانونُ المصرى الذى استهلَّ موادَّه بالقيم العليا للأخلاق: «لا تقتل، لا تكذب، لا تسرق، لا تظلم....»، ثم جاءت مستوياتُ التهذيب الأرقى فى العطاء: »كنتُ عينًا للأعمى، كنتُ ساقًا للكسيح، كنتُ يدًا للمشلول، كنتُ أبًا لليتيم...« بل كان القانونُ المصرى القديم أولَ من حضَّ على النظافة: “لم ألوّثْ مياهَ النهر»، وغير ذلك من فرائد الأخلاق والتحضُّر وردت فى بنود قانون «ماعت» المصرى التى بلغ عددُها ٨٤ بندًا؛ نصفُها اعترافاتٌ ثبوتية: »كنتُ - فعلتُ«، ونصفُها الآخر ٤٢ اعترافًا إنكاريًّا: «لم أكن، لم أفعل».

كانت الكلمات التى أُلقيت فى حفل أمس الأول بمثابة مرايا نُطلّ منها على أنفسنا. تحدث البعض عن تحديات الإرهاب، وعن الدم المسفوك فى غزة وفى بقاع أخرى، وكيف يجب أن يتحول الألم إلى قضية أمام محكمة التاريخ. وأتذكّر هنا كلمة المستشار «أحمد الزند» العام الماضى فى نفس هذا اليوم إذ قال إن الكيان الصهيونى هو «هولاكو العصر» الذى يقتل المدنيين ويتفنن فى ترويع الأطفال والنساء بشهيّة جائعة للدماء، وبدعم كامل من أمريكا التى تمدهم بالماء والسلاح والتكنولوجيا، ولا أحد يحاسبهم!

نحتفل كل عام بعيد القانون، لا كتقليدٍ دولى فحسب، بل كعهدٍ وطنيّ يعيدنا إلى جذورنا ويعيدنا إلى روح الله «العدل» الذى حرّم الظلمَ على قُدسه، وعلينا نحن البشر لكى تتنفس ضمائرنا. فالعدل، ليس مادةً فى كتاب القانون، بل هواءٌ فى صدور البشر، وماءٌ فى حياتهم.

ولا يمكن أن أكتب مقالا عن «القانون» دون أن أتذكر جدى العظيم المستشار «محمود عاصم» مؤسس مجلة «دنيا القانون»، وصاحب كتاب «أشهر قضايا التاريخ... لأعلام القانون فى الشرق والغرب» الصادر عام ١٩٦٦، وكتاب «المرافعات فى أشهر القضايا الجنائية» وغيرهما من الكتب الخوالد. فى طفولتى، كنتُ أتأملُ روبَه الأسودَ المهيب، مُزيّنًا بأوسمة الشرف، مُعلّقًا على عمود الشماعة فى غرفة مكتبه فى حى باب اللوق، فتغمرُنى حالٌ من الشعور بالإجلال والمهابة، إذ أوقن أن رجال القانون مجبولون من طينة نقية. فهم حملةُ لواء «الحق»؛ واللهُ هو «الحق»، وهم سدنة باب «العدل»؛ واللهُ تعالى هو «العدل». رحم الله جدى الغالى، وبارك فى كل قاض عادل ينصرُ المظلومَ ويردُّ الظالمَ عن ظلمه. وتحية احترام للقانون فى عيده.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليوم العالمى للقانون العدلُ ماءُ الحياة اليوم العالمى للقانون العدلُ ماءُ الحياة



GMT 08:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيا والقبعات المتعددة

GMT 08:21 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

كارثة وفاة سباح الزهور

GMT 08:19 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

عبد الوهاب المسيرى.. بين عداء إسرائيل والإخلاص للوطن

GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt