توقيت القاهرة المحلي 08:30:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مباركٌ شعبى مصر

  مصر اليوم -

مباركٌ شعبى مصر

بقلم: فاطمة ناعوت

إنها مصرُ الفريدةُ، التى يحجُّ إليها كلُّ ناشدِ أمانٍ غابَ عن وطنه، وكلُّ عائزِ دفءٍ لم يجده فى أرضه، وكلُّ رافضٍ بطشَ باطشٍ احتلَّ بلادَه. مصرُ التى أرضُها ملاذٌ، وسماءُها مظلّة، وشمسُها دفء، ونيلُها نبعٌ للرى والعزاء.

فى غُرّة يونيو من كل عام، تتجدد ذكرى وطنية فريدة، توقِفُنا أمام لحظةٍ فارقة من لحظات المجد الروحى والتاريخى تختصُّ بها مصرُ دون سائر بلاد الدنيا. ذكرى دخول العائلة المقدسة أرض مصر، حين حلَّت السيدةُ مريم العذراء، وطفلُها، رسولُ السلام الذى جال يصنعُ الخير حاملا رسالة محبة عبرت القلوبَ قبل أن تعبر الجغرافيا. جاءتنا العائلةُ المقدسة هربًا من بطشِ «هيرودس» فى الناصرة، تبحث عن الأمان. فوجدت فى مصر حضنًا وسَكنًا. فمثلما كانت مصرُ مهدًا للحضارات ومأوى للأنبياء والحكماء والفلاسفة والعلماء منذ فجر التاريخ، فتحت ذراعيها لهذا الوفد السماوى الكريم، لتنطبعَ خُطاهُم فوق ترابها، وتحلَّ البركةُ على أرضها، فكان التاريخُ شاهدًا، والسماءُ راضية.

ما من بلدٍ فى الدنيا يملك هذا المجدَ الحصرى، إلا وطنُنا الاستثنائى. وحدها مصرُ، اختصّها اللهُ باستقبال العائلة المقدسة لتحطَّ رحالَها بين ربوعها، من بيت لحم إلى رفح، فالمطرية، فالمعادى، فسمنود، فدير المحرّق، فأسيوط، فى مسارٍ روحىّ يمتدّ على أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر، ليُغدو صفحةً من أجمل وأنبل ما كُتب فى سِفر الإنسانية.

ولكن، ولفرط الأسف، مازلنا لا نُعطى هذا الحدث ما يستحق من معرفة، وتقدير، وتوظيف، لا فى المناهج التعليمية ولا فى الوعى العام والإعلام، رغم اهتمام الرئيس السيسى بالأمر! وكأننا نملك كنزًا لا نعرف قدرَه! بل بيننا مَن لا يعرفُ بوجوده أصلا! مع أنه يُمكن أن يكون جسرًا للسلام المجتمعى، ومصدرًا لتعزيز هويتنا المشتركة، ورافدًا اقتصاديًا وسياحيًا لا ينضُب.

لكن شعلة الأمل لا تنطفئ، بفضل مثقفين أحبّوا مصرَ فى صمت، وعملوا لأجلها بلا صخب. على رأس هؤلاء يضىءُ اسمُ السيد/ «منير غبور» رجل الأعمال المثقف، الذى أخذ على عاتقه منذ عقود طوال، من خلال مؤسسة «نِهرا للتنمية»، مسؤولية إحياء مسار العائلة المقدسة، وتنميته، وتقديمه للعالم بما يليق بجلال الحدث. فطوّر البنية التحتية فى عددٍ من المحطات، وساهم فى توثيق المسار علميًا وتاريخيًا، وأنتج أوبريتات جابت العالم للإعلان عن عظمة الرحلة التاريخية، ونسّق مع الدولة خطّةً للعمل، ليضع هذا المشروع على خريطة السياحة الروحية العالمية. لكنّه فى النهاية مشروعٌ مؤسسى ضخم يجب أن تتضافرَ فيه جهودُ جميع رجال الأعمال الوطنيين، وتُيسّرَ له مؤسساتُ الدولة المعنية ووزاراتُها. فهو ليس مشروعًا سياحيًا وفقط، بل رسالةُ حبّ وسلام من مصر للعالم، وإعلانًا بأن مصر أمينةٌ على أمجادها وهِباتِها.

على الصعيد الوطنى والمعرفى، يجبُ إدخال قصة دخول العائلة المقدسة فى المناهج المدرسية، لا بوصفها حدثًا دينيًا، بل باعتبارها واحدًا من مكونات الشخصية المصرية، وقيمةً تربويةً عُليا، تغرس فى نفوس الأطفال معنى الرحمة، والتسامح، وغوث المظلوم، وتُعلّمهم أن مصرَ كانت دومًا وطنًا للجميع، لا يُقصى، ولا يُغلق بابه فى وجه الطارقين. حين يعرف التلميذُ أن السيد المسيح ووالدته البتول، اللذين يُجلّهما المسلمون والمسيحيون، قد دخلا وطنَه بحثًا عن الأمن، فإن الطائفية ستسقط من قلبه قبل أن تسكنَه. فالتعليمُ، حين يكونُ وطنيًا وإنسانيًا، قادرٌ على تشكيلَ وعى الجيل الجديد على أسس الاحترام والتنوع وقبول الآخر.

أما على الصعيد الاقتصادى، فإن مشروع «مسار العائلة المقدسة» يُعدُّ من أغنى وأعرق وأثمن المسارات السياحية الدينية التى يمكن أن تنافسَ عالميًا، لو أُحسن تخطيطه وتسويقه. فمسيحيو العالم، بل جميعُ السياح المثقفين المعنيين بفرادات التاريخ على اختلاف عقائدهم، يتوقون لمشاهدة الأماكن التى مرّت بها العائلة المقدسة فى مصر، بوصفها جزءًا حيًّا من كتاب التاريخ نابضًا بالعجائب والفرادة.

نحتاج إلى بنية تحتية مدروسة مناسبة للسياح فى نقاط الرحلة وفنادق إقامة محترمة، وخرائط إرشادية دقيقة، وتدريب مرشدين مثقفين على سرد القصة بروحٍ جامعةٍ لا مُفرّقة، كل ذلك يُمكن أن يُدرّ دخلًا ضخمًا للدولة، تمامًا كما تفعل دولٌ أخرى بمواقع أقلّ قداسة وأقلّ تاريخًا.

لكن مصر، كما نعرفها، لا تتعامل مع قدسيتها بمنطق السوق فقط، بل بمنطق الروح. وما أروع أن نربح الروح والدخل معًا، إذا عرفنا كيف نُدير هذا الإرث العظيم بعينٍ وطنية وقلبٍ مثقف.

فى هذا اليوم، نُجدّد وعيَنا بهويتنا، ونُذكّر أنفسنا بأن مصر لم تكن يومًا أرضًا عادية، بل كانت دائمًا وجهةً للمحبة، وبوصلةً للسلام. «مباركٌ شعبى مصر»، كما قالها السيد المسيح، ومباركةٌ هذى الأرض التى ما خذلت ضيفًا، ولا صدّت طارقًا، ولا فرّقت بين بنيها. ستظل مصرُ على مرّ الأزمان: أرضَ العبور، وأمَّ الحضارات، وملتقى السماء بالأرض.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مباركٌ شعبى مصر مباركٌ شعبى مصر



GMT 08:30 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مَن يلقى سلاحه يُقتل

GMT 08:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيا والقبعات المتعددة

GMT 08:21 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

كارثة وفاة سباح الزهور

GMT 08:19 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

عبد الوهاب المسيرى.. بين عداء إسرائيل والإخلاص للوطن

GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt