توقيت القاهرة المحلي 09:12:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مجتمع غريس كيلى

  مصر اليوم -

مجتمع غريس كيلى

بقلم :تمارا الرفاعي

جمعت الممثلة الأمريكية وأميرة موناكو غريس كيلى الجمال والدلال والأناقة والرقى وكثيرا ما كانت قصتها حلما لكثيرات خصوصا وأن اسمها لم يرتبط بفضائح إنما اقترن بالسمو والبساطة. عاشت الممثلة الأميرة فى زمن نعود إليه من خلال صور بالأسود والأبيض فيها رجال ونساء أنيقون يلبسون ثيابا تشبه تلك التى نراها فى أفلام المرحلة ذاتها.
***
فى الصور وجوه مبتسمة وأجسام ترقص الفالس وفساتين تظهر الأوساط النحيلة والأكتاف العريضة، صور فيها من الجمال والرومانسية ما يجعلنا نتحسر على حالة مجتمعية وثقافية لم تعد موجودة اليوم. هى صور الزمن الجميل التى ما زال بيننا من ينقل قصصه إلينا للتأكيد على أن وقائعه حدثت بالفعل كما فى الأفلام.
***
شهدت دمشق والقاهرة وبيروت وبغداد والإسكندرية وغيرها أزمانا تظهر فى الصور تلك قد تبدو لمن يراها اليوم وكأنها من عالم آخر. طرأت على مجتمعات هذه العواصم تغييرات سياسية واجتماعية وثقافية ودينية جعلت التقاط صور كالصور القديمة عملية مستحيلة فى الفضاءات العامة، كأن تلتقط صورة اليوم أمام الجامعة فى القاهرة أو فى بغداد تظهر فيها سيدات يشبهن نجمات السينما، إذ تعيش اليوم من تشبه نجمة السينما غالبا داخل تجمعات سكنية تحيط بها جدران عالية ولا تمشى فى شوارع وسط البلد فيلتقط لها أحدهم صورة عفوية وهى تقطع الشارع قرب ميدان التحرير مثلا.
***
تستوقفنى هذه الصور القديمة التى تظهر على شبكات التواصل الاجتماعى وأحدق فى وجوه من فيها فأسمع أغانى قديمة وقصصا عن عائلة فلان وعلان سمعتها فى طفولتى. أصدق أن فى ذلك الزمن كانت كثير من النساء فعلا يشبهن من أراهن فى الصور، إنما يزعجنى تبسيط لمجتمع كامل يتم تصويره على أساس طالبات كلية الطب فى القاهرة أو كلية الحقوق فى دمشق. تماما كما تزعجنى بعض المسلسلات السورية وعلى رأسها مسلسل باب الحارة التى أراها أشبه بكاريكاتورات لئيمة ومشوهة وغير واقعية ينقلها كاتب المسلسل بابتذال ودون تدقيق فى التاريخ ودراسات المجتمع.
***
أظن أن قارئ هذا المقال ملم بكثير من الأحداث التى داست على منطقة الشرق الأوسط فحولت الزمن الجميل إلى زمن قبيح، وأظن أن ثمة اختلافات كبيرة اليوم داخل مجتمعات الدول العربية فى تقييم معايير جمال الزمان أو قبحه. قد يرى البعض أن الزمن الذى يبدو جميلا فى الصور بالأبيض والأسود هو زمن نخبوى عاشت جماله فئة صغيرة جدا فى المجتمع مرتكزة على امتيازات حرمت باقى المجتمع من التقدم. وقد يرى آخرون أن ما وصلت إليه المجتمعات اليوم من تأخر اقتصادى وثقافى هو نتيجة محاولات فاشلة لإرساء أسس للعدالة الاجتماعية، فها نحن قد فقدنا الزمن الجميل ولم يحصل فيه من هو عند سفح الهرم على حقوق يحكى بها أو تبرر نسف ما كان جميلا.
***
يطول النقاش ويحتدم، يتخلله مزيج من النقد المبنى على إحصائيات وأرقام (مثلا عن نسبة الأمية أو البطالة ومقارنتهما بأرقام أزمان ماضية). تتخلل الحديث أيضا قصص شخصية لمن عاش الزمنين وسردية خاصة بمن عاصر التغييرات ورأى آثارها على ما حوله. تختلف الرؤيا مع اختلاف الطبقة الاجتماعية والقرب أو البعد عن الممارسات الدينية. يتفاوت الرأى بين من يرى الزمن الجميل على أنه خارج عن العادات والتقاليد المحلية وبين من يرى الحاضر على أنه خارج عن الإنسانية برمتها.
***
أحب الاستماع إلى هذا النقاش فهو يجبرنى على التفكير خارج المفاهيم التى تريحنى. يجبرنى النقاش أن أعترف أحيانا بنخبوية من ظهر فى الصورة دون أن أقلل من فداحة الواقع من حولى اليوم وازدياد النخبوية فى كل مجتمع عربى، بل فى كل مجتمع فشل فيه النظام السياسى بالعبور إلى الديمقراطية. «وهل تظنين أن لا نخبوية فى الغرب؟» يسألنى أحدهم متحذلقا. طبعا هناك نخبوية فى كل بلد، لكن المقارنة غير مجدية بين أنظمة سياسية مبنية على احتكار السلطة وخلق نخبة تعتمد عليها ورمى كل من غيرها من الشباك، وبين دول مبنية على مؤسسات تخضع لأطر قانونية ضمن أنظمة ديمقراطية يوجد بها قطعا نخبة سياسية أو اقتصادية لكن يعيش أغلب من هم فى سفح الهرم فيها حياة معقولة ومكفولة بالقوانين أيضا.
***
أحب الزمن الجميل وأتمنى لو كنت أستطيع السفر إليه حتى أرى بنفسى رقى ناسه وأناقتهم، وأجلس فى صالون ثقافى أستمع إلى أحاديث من فيه. ربما تشبه نساء كثيرات غريس كيلى فى ذلك الزمن، ربما اختفت غريس كيلى اليوم من الشارع فى الإسكندرية أو فى حلب أو بغداد هربا من التحرش وبذاءة الكلمات والحرب والقبح، قبح الشوارع كما أصبحت والمبانى كما شيدت وبشاعة المخالفات الإنشائية كما مسخت العواصم. أو ربما لم تكن كل نساء المنطقة العربية غريس كيلى إنما عاشت كثيرات منهن فى منطقة فى الوسط بين النخبة البعيدة والطبقة المسحوقة، فى زمن كانت العواصم العربية تحتضن فيه فنانين وكتابا وحرفيين أثروا على الشارع والقهوة والصالون. وحين داس المصور على الزرار، التقط بعدسته لحظة أنظر إليها اليوم وأتمنى لو أننى عشتها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مجتمع غريس كيلى مجتمع غريس كيلى



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 05:21 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة
  مصر اليوم - بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة

GMT 09:02 2024 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

اليوم ينصحك الفلك ألا تعلن أخبارك ولا تتكلم عن حياتك

GMT 16:11 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

فيسبوك تسلك طريق أكثر تشدد بشأن شفافية الإعلانات

GMT 13:54 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

نصائح مهمة لاختيار أفضل عباءة شتوية للتمتع بالأناقة والدفء

GMT 08:27 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفال بمرور 18 عامًا على إقامة متحف النوبة في أسوان

GMT 02:18 2016 الخميس ,02 حزيران / يونيو

الاعلان عن قائمة منتخب بلجيكا في "يورو 2016"

GMT 15:03 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل تاجري مخدرات جراء مشاجرة بينهما في الشرقية

GMT 14:43 2021 الإثنين ,06 أيلول / سبتمبر

أبراج تدعمك وتقف بجانبك في المواقف الصعبة

GMT 15:49 2021 الجمعة ,11 حزيران / يونيو

ضربة موجعة لـ منتخب بلجيكا قبل انطلاق يورو 2020

GMT 08:07 2021 الخميس ,25 آذار/ مارس

مصر تسجل 40 وفاة و641 إصابة جديدة بكورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon