توقيت القاهرة المحلي 14:13:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى حب البنات

  مصر اليوم -

فى حب البنات

بقلم :تمارا الرفاعي

يقال إن ثمة يوم فى السنة اسمه «يوم الابنة»، أتساءل كل يوم أفتح فيه عينىَّ على وجه ابنتى آخر أطفالى إن كان هو يوم الابنة، لا أعرف إن كان موقعها فى الخانة الأخيرة هو ما يحكم دلعها ودلالها، أم أن فكرة أنها آخر ما أنجبته ولن أنجب بعدها هى ما يدفعنى للتمسك بجانب العلاقة الطفولى الذى يربطنى بها، لا أعرف إن كان خوفى من الكبر ومن فقدان القدرة على الإنجاب هو جوهر علاقتى بابنتى وما يحزننى بقدر ما يفرحنى كل مرة ألاحظ فيها أنها تكبر وتنتقل إلى مرحلة جديدة.
***
فى «يوم الابنة» الذى تعرفت عليه من خلال شبكات التواصل الاجتماعى، أعترف بأن فى حبى لابنتى شيئا نرجسيا، فكل مرة أسمع فيها أنها تشبهنى، أنظر إليها وكأننى أنظر إلى نفسى، فى حبى لابنتى اطمئنان أننى مستمرة، أنها جزء منى سوف يدوم، قطعة من قلبى ستستمر بالخفقان حين ينطفئ قلبى.
***
حبى لابنتى فيه مراجعة لنفسى، فيه أسئلة تظهر مع كل جديد يظهر على ابنتى، أسئلة عنى وعن أمى، أسئلة عن أمى وعن جدتى، ها هو حبل متين ربطنى بسلالة النساء التى أنتمى إليها من طرف أمى. أنظر فى صورنا وأخاف من شدة التشابه بين الأجيال، وكأننا لوحة أصر من رسمها أن يظهر فيها الاستمرارية، لوحة ربما اسمها الحياة، حياة تنتقل من امرأة إلى أخرى تشبه جميعهن بعضهن البعض مع فروقات قليلة، حتى لو أمعنت النظر فى الصور لاعتقدت أننا جميعنا الشخص ذاته فى مراحل مختلفة.
***
يصالحنى حبى لابنتى مع نفسى، يحنن حبى لابنتى قلبى على أمهات أخريات. يقربنى حبى من ابنتى من أمى فأرانى أحيانا هى وأرانى فى بيت أذكر ملامحه دون أن أذكر تفاصيله، فقد عشت فيه حين كنت فى عمر ابنتى إنما الآن أرى نفسى فيه على أننى أمى، أقف هناك منذ أربعين سنة، شابة قوية تتعامل مع طفلتها بطريقة تعتبر تقدمية بالنسبة لتلك الأوقات، تعامل من اقتنع بأن الابنة القوية هى ابنة تثق بنفسها وتعبر عن آرائها دون مواربة حتى لو عمرها خمس سنوات.
***
ها هى أمى تأخذنى معها فى كل مكان، تجلس أمامى وتغنى لى «قمرة يا قمرة» وأنا أردد معها الأغنية وتؤكد لى أننى القمر خاصتها وقد قطفتنى من السماء، أمى الجميلة بخصرها النحيل وعينيها اللوزيتين تدخل عالما جديدا من خلال علاقتها بالطفلة التى كنتها.
***
أقود اليوم السيارة فى طريقى إلى مشوار مع ابنتى فيذيع الراديو أغنية «قمرة يا قمرة»، أغنيها وتغنيها ابنتى التى حفظت هى الأخرى كلماتها وتسألنى «ماما هل أنا قمرتك؟» فأؤكد لها، كما فعلت أمى من قبلى، أنها قمرى وأننى استعرتها من السماء فى هذه الحياة لتنير لى ما حولى.
***
حبى لابنتى يدخلنى فى دهاليز لم أعرف عنها من قبل، يأخذنى إلى مكان أرى فيه طفلة تلعب فى الرمل تحت بيتها بينما تجلس أمها مع الجارات يراقبن الأطفال، أنا اليوم فى عمر أمى والجارات يومها فأتصل بصديقة كانت تلعب معى تحت العمارة لأسألها إن كانت هى أيضا تشعر أنها أمها وأن ابنتها هى. هناك حب للذات مرتبط بحب الابنة، هو نوع من النرجسية الحميدة، نرجسية تساعد على التصالح وتشجع على التسامح مع النفس.
***
هو حب أشعر بطاقته تجتاحنى من قلبى حتى رأسى ومن قلبى حتى معدتى، طاقة تتمدد فى داخلى فى أيام أشعر فيها بالتعب فتعيدنى فرحة نشطة جاهزة لمتابعة حديث معى، نعم حديث مع شخصى الصغير. هو حب لشخصها الصغير فأجلس أمامها مستمتعة بكلمات أكاد أن أتذكرها من حديث مشابه أجريته مع أمى منذ أربعين عاما حين كنت ابنتى وكانت أمى أنا. لو كنا مشهدا فى فيلم كان المشهد هو لأم وابنة يتغير فوقهما النور فتغيب شمس وتظهر شمس أخرى عدة مرات وتتغير ملامح الشخصيتين فيما تظلان فى مكانيهما تتحدثان.
***
هكذا أتبادل كرسيا مع أمى وأعطى الكرسى الذى كنت أجلس فيه لابنتى. هكذا أحب ابنتى ومن خلالها أحب نفسى وأفهم أمى أكثر فأتوقف عن مناكفتها قليلا وأتقبل قرارات أخذتها هى أحيانا لم أكن أفهمها من قبل.
***
هو حبل سرى لا ينقطع يربط سلالة النساء بإحكام وينقل بعض الخصائص من جيل إلى جيل. أو هكذا أشعر حين أنظر إلى ابنتى وأحس بقلبى وهو يمد يدين تخترقان قفصى الصدرى وتخرجان منه لتضما الطفلة. أسمع قلبى يتوسل أن تبقى هنا، ملتصقة بى ولا تتحرك، هل أبقيك هنا، أسألها. هل هناك سحر يحفظك فى عمر الخامسة لتذكرينى كل يوم بحب أمى لى حين كنت فى الخامسة فأحبك وأحبها أكثر ودون أحكام؟
***
فى حب البنات سحر ونرجسية، وتصالح مع النفس ومع أمى. فى حبى لابنتى رغبة شديدة منى أن أعيش حتى أراها فى عمرى الآن دون أن أضغط عليها فى شيخوختى. فى حبى لابنتى كنز أسحب منه جوهرة بعد الأخرى وأكتشف ألوانها وتلألؤها ثم أتذكر أن عند أمى نفس الجوهرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى حب البنات فى حب البنات



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:49 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك
  مصر اليوم - افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك

GMT 00:17 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

الزمالك بطلاً لكأس الاتحاد الإفريقي
  مصر اليوم - الزمالك بطلاً لكأس الاتحاد الإفريقي

GMT 12:36 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها
  مصر اليوم - أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها

GMT 10:57 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

مفاجآت كبيرة في فيلم "الست" لمنى زكي
  مصر اليوم - مفاجآت كبيرة في فيلم الست لمنى زكي

GMT 18:57 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

فنانة لبنانية أنهكها العمر ولم تعد تستطيع الحراك

GMT 05:22 2018 الإثنين ,26 آذار/ مارس

سان جيرمان يُغري أنطونيو كونتي براتب ضخم

GMT 05:34 2018 الأربعاء ,07 آذار/ مارس

كايا جيربر تخطف الأنظار بإطلالة من "شانيل"

GMT 11:10 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

لورا ويتمور تجذب الأنظار إلى إطلالاتها السوداء

GMT 09:40 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

تعرفي على كيفيّة العناية بالشعر القصير لينمو بكثافة

GMT 22:12 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

الإنتاج الحربي يتخطى دجلة بهدفين دون رد فريق

GMT 17:30 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

لوكاكو يتطلع لتوقيع عقد رعاية مع إحدى الشركات الرياضية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon