توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أفكار قابلة للتصدير

  مصر اليوم -

أفكار قابلة للتصدير

بقلم : داليا شمس

عشنا أيامًا وليالٍ خلال شهر رمضان نتساءل: هل سيتم القبض على العصابة الظريفة في مسلسل بـ100 وش أم ستنجو من الموقف؟ هل سينجو فريق العمل المصري إلى نهاية أخلاقية أم سيسير وفق النسخة الإسبانية الأصلية للمسلسل؟ ومن شدة التعاطف مع اللصوص الظرفاء صرنا ندعو لهم بالنجاة أمام الشاشة، ونضع يدنا على قلوبنا في كل مرة يتعرضون للخطر. وكعادة بعض المشاهدين المطلعين على بواطن الأمور لأنهم يجيدون لغات أجنبية أو يتابعون شبكة نتفليكس، حاول هؤلاء التكهن بالنتيجة وموافاة الآخرين بالأخبار. شهدنا ذلك عند متابعة أعمال تليفزيونية ناجحة مأخوذة عن أخرى أجنبية أو ما يسمى بالفورمات أي صيغ درامية معدة سلفاً من قبل شركات كبرى ليتم تنفيذها عالميا بلغات مختلفة مع بعض التعديلات المحلية، وهو الأمر السائد منذ نهاية التسعينات وبداية الألفية الثانية وينطبق على المسلسلات الدرامية والبرامج التليفزيونية المنتشرة مثل "من سيربح المليون" أو حلقات اختيار المواهب ومسابقات الطبخ بأشكالها المختلفة.
شركات تبيع أفكار بمليارات الدولارات سنويا في إطار عولمة المحتوى التليفزيوني، بدأت أعدادها في الازدياد مؤخرا بعد أن كانت محصورة لسنوات في عشر شركات، ودخل لاعبون جدد على الخط فلم تعد الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تسيطران على السوق كما في السابق، بل انضمت إليهما تدريجيا هولاندا والأرجنتين وكوريا الجنوبية ودول اسكندنافية وإسرائيل وإسبانيا التي تستعد لاحتلال مكانة أكبر في هذا المجال، بعد نجاح مسلسلاتها وانتشارها عالميا. وقد سبق أن تعلقنا في مصر بأعمال مثل "جراند أوتيل" و"ليالي أوجيني" ومؤخرا "بـ100 وش" المأخوذين جميعا عن فورمات إسباني، في حين ارتبط الجمهور بمسلسلات أخرى تم تمصيرها لكن هي بالأساس فورمات كولومبية مثل "طريقي" أو مكسيكية مثل "حلاوة الدنيا" أو إيطالية مثل "لعبة النسيان". ربما جاء ذلك لطبيعة هذه المجتمعات وقرب الأمزجة والعواطف، لكن إذا أردنا أن نتوقف قليلا عند الفورمات الإسباني تحديدا وأسباب نجاحها عالميا وليس فقط في مصر- بما أن شبكات إنتاج كبرى مثل نتفليكس وبراماونت وميديا برو تمركزت مؤخرا في مدريد باعتبارها عاصمة الدراما الأوروبية حاليا- سنجد أن بعض المحللين والنقاد يرجعونه إلى عدة عوامل تتعلق بتطور الإنتاج الدرامي المحلي بالأساس، إضافة بالطبع إلى دور منصات مثل نتفليكس التي تجعل العمل يعرض وينتشر عالميا.
***
من الواضح أن المجتمع الإسباني كان دوما يفضل المسلسلات المحلية على مثيلاتها الأمريكية، ما سمح لكتاب السيناريو والمؤلفين الإسبان بالتمرس واكتساب خبرة طويلة، صاروا ينوعون أعمالهم ما بين الكوميديا والتشويق والدراما التاريخية ويمزجون القوالب المختلفة فمثلا في مسلسل "بـ100 وش" المأخوذ عن La Casa de Papel لم يكتف المؤلف بتقديم النمط السائد للنصاب بل جعل أفراد العصابة يمثلون نوعا من التمرد، فهم ليسوا منبطحين ولا مسحوقين تماما ومستسلمين للأحداث، لكنهم يحركونها كما تحركهم ويتحايلون على الحياة، لذا تعاطفنا معهم وأردنا لهم الانتصار في قرارة أنفسنا حتى لو بخرق القانون.
بالطبع تنطبق على مسلسلاتهم وبرامجهم معايير نجاح الفورمات حول العالم، وهي تتلخص في ثلاث نقاط: العالمية (بمعنى أنها تشمل موضوعات إنسانية عامة)، والبساطة (بمعنى قابليتها للتكيف مع مجتمعات مختلفة واقتباسها محليا) والمرونة الإنتاجية (بمعنى أن الميزانية قابلة للتمدد أو الانكماش وفقا لظروف كل بلد)، فتركيبة الفورمات تشبه وصفات الطبخ السحرية التي يمكن تنفيذها في أماكن مختلفة حول العالم، مع استبدال مكون بآخر. الطاهي يعطي التعليمات الرئيسية ثم يعدل كل شخص الوصفة طبقا لذوقه الخاص، إذا كانت هناك مكونات لا يحبها، لكن هناك ما يضمن وصفة مجربة وناجحة، وهو ما يساعد في بلاد بها مشكلات كتابة وقلت فيها الصنعة.
***
تجربة إسبانيا مثيرة للاهتمام على أكثر من صعيد، فيمكننا أن نرى كيف لبلد كانت فيه رقابة صريحة على المحتوى التليفزيوني منذ نشأة القناة المحلية الأولى TVE في عهد فرانكو عام 1956، وظل الوضع على هذا النحو حتى وفاته في منتصف السبعينات، كيف تسنى لها أن تتحرر من قبضة الرقيب وشبح الرقابة الذاتية وأن تنفتح على العالم مع ظهور قنوات مناطقية مستقلة ثم خاصة ومشفرة. ظهور القنوات الجديدة أعطى دفعة للمبدعين، أصبحوا أكثر جرأة في تناول الشخصيات والموضوعات، حتى لو في ظل ميزانيات محدودة لا تضاهى مثيلاتها الأمريكية، ومن بعدها ازدادت الثقة بالنفس مع ظهور النتفليكس الذي منحهم الانتشار الواسع عالميا، وانعكس ذلك على الدخل القومي، فارتفعت حصة المسلسلات من 429 مليون يورو سنويا عام 2015 (بواقع 38 مسلسلا) إلى 655 مليون يورو عام 2018 (بواقع 58 مسلسلا).
ربما تزعج البعض فكرة عولمة المنتج التليفزيوني على هذا النحو، خاصة تأثير ذلك سياسيا ومجتمعيا على المدى البعيد، لأن عادةً هذه البرامج والأعمال الدرامية تنأى بنفسها عن السياسة المباشرة وتشوبها رغبة في الهيمنة الثقافية وقد تعزز أحيانا قيما بعينها مثل النيوليبرالية والفردية في التعامل مع القضايا العامة، إلا أنها صارت منذ عقود واقعا سائدا يجب التعامل معه والإفادة منه إذا أمكن، فنتفليكس كما يحتاج محتوى أوروبيا يحتاج أيضا مسلسلات عربية تم بالفعل إنتاج القليل منها، وليس من الطبيعي وقد كان لنا ما لنا في مجال الدراما أن نظل مكتفين بالأخذ عن الفورمات الأجنبي كما شاهدنا في المواسم الرمضانية السابقة. حان الوقت أن ننزل الملعب بشكل أكثر جدية، قطعا سيتغير شيء ما.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفكار قابلة للتصدير أفكار قابلة للتصدير



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt