توقيت القاهرة المحلي 11:30:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أفكار قابلة للتصدير

  مصر اليوم -

أفكار قابلة للتصدير

بقلم : داليا شمس

عشنا أيامًا وليالٍ خلال شهر رمضان نتساءل: هل سيتم القبض على العصابة الظريفة في مسلسل بـ100 وش أم ستنجو من الموقف؟ هل سينجو فريق العمل المصري إلى نهاية أخلاقية أم سيسير وفق النسخة الإسبانية الأصلية للمسلسل؟ ومن شدة التعاطف مع اللصوص الظرفاء صرنا ندعو لهم بالنجاة أمام الشاشة، ونضع يدنا على قلوبنا في كل مرة يتعرضون للخطر. وكعادة بعض المشاهدين المطلعين على بواطن الأمور لأنهم يجيدون لغات أجنبية أو يتابعون شبكة نتفليكس، حاول هؤلاء التكهن بالنتيجة وموافاة الآخرين بالأخبار. شهدنا ذلك عند متابعة أعمال تليفزيونية ناجحة مأخوذة عن أخرى أجنبية أو ما يسمى بالفورمات أي صيغ درامية معدة سلفاً من قبل شركات كبرى ليتم تنفيذها عالميا بلغات مختلفة مع بعض التعديلات المحلية، وهو الأمر السائد منذ نهاية التسعينات وبداية الألفية الثانية وينطبق على المسلسلات الدرامية والبرامج التليفزيونية المنتشرة مثل "من سيربح المليون" أو حلقات اختيار المواهب ومسابقات الطبخ بأشكالها المختلفة.
شركات تبيع أفكار بمليارات الدولارات سنويا في إطار عولمة المحتوى التليفزيوني، بدأت أعدادها في الازدياد مؤخرا بعد أن كانت محصورة لسنوات في عشر شركات، ودخل لاعبون جدد على الخط فلم تعد الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تسيطران على السوق كما في السابق، بل انضمت إليهما تدريجيا هولاندا والأرجنتين وكوريا الجنوبية ودول اسكندنافية وإسرائيل وإسبانيا التي تستعد لاحتلال مكانة أكبر في هذا المجال، بعد نجاح مسلسلاتها وانتشارها عالميا. وقد سبق أن تعلقنا في مصر بأعمال مثل "جراند أوتيل" و"ليالي أوجيني" ومؤخرا "بـ100 وش" المأخوذين جميعا عن فورمات إسباني، في حين ارتبط الجمهور بمسلسلات أخرى تم تمصيرها لكن هي بالأساس فورمات كولومبية مثل "طريقي" أو مكسيكية مثل "حلاوة الدنيا" أو إيطالية مثل "لعبة النسيان". ربما جاء ذلك لطبيعة هذه المجتمعات وقرب الأمزجة والعواطف، لكن إذا أردنا أن نتوقف قليلا عند الفورمات الإسباني تحديدا وأسباب نجاحها عالميا وليس فقط في مصر- بما أن شبكات إنتاج كبرى مثل نتفليكس وبراماونت وميديا برو تمركزت مؤخرا في مدريد باعتبارها عاصمة الدراما الأوروبية حاليا- سنجد أن بعض المحللين والنقاد يرجعونه إلى عدة عوامل تتعلق بتطور الإنتاج الدرامي المحلي بالأساس، إضافة بالطبع إلى دور منصات مثل نتفليكس التي تجعل العمل يعرض وينتشر عالميا.
***
من الواضح أن المجتمع الإسباني كان دوما يفضل المسلسلات المحلية على مثيلاتها الأمريكية، ما سمح لكتاب السيناريو والمؤلفين الإسبان بالتمرس واكتساب خبرة طويلة، صاروا ينوعون أعمالهم ما بين الكوميديا والتشويق والدراما التاريخية ويمزجون القوالب المختلفة فمثلا في مسلسل "بـ100 وش" المأخوذ عن La Casa de Papel لم يكتف المؤلف بتقديم النمط السائد للنصاب بل جعل أفراد العصابة يمثلون نوعا من التمرد، فهم ليسوا منبطحين ولا مسحوقين تماما ومستسلمين للأحداث، لكنهم يحركونها كما تحركهم ويتحايلون على الحياة، لذا تعاطفنا معهم وأردنا لهم الانتصار في قرارة أنفسنا حتى لو بخرق القانون.
بالطبع تنطبق على مسلسلاتهم وبرامجهم معايير نجاح الفورمات حول العالم، وهي تتلخص في ثلاث نقاط: العالمية (بمعنى أنها تشمل موضوعات إنسانية عامة)، والبساطة (بمعنى قابليتها للتكيف مع مجتمعات مختلفة واقتباسها محليا) والمرونة الإنتاجية (بمعنى أن الميزانية قابلة للتمدد أو الانكماش وفقا لظروف كل بلد)، فتركيبة الفورمات تشبه وصفات الطبخ السحرية التي يمكن تنفيذها في أماكن مختلفة حول العالم، مع استبدال مكون بآخر. الطاهي يعطي التعليمات الرئيسية ثم يعدل كل شخص الوصفة طبقا لذوقه الخاص، إذا كانت هناك مكونات لا يحبها، لكن هناك ما يضمن وصفة مجربة وناجحة، وهو ما يساعد في بلاد بها مشكلات كتابة وقلت فيها الصنعة.
***
تجربة إسبانيا مثيرة للاهتمام على أكثر من صعيد، فيمكننا أن نرى كيف لبلد كانت فيه رقابة صريحة على المحتوى التليفزيوني منذ نشأة القناة المحلية الأولى TVE في عهد فرانكو عام 1956، وظل الوضع على هذا النحو حتى وفاته في منتصف السبعينات، كيف تسنى لها أن تتحرر من قبضة الرقيب وشبح الرقابة الذاتية وأن تنفتح على العالم مع ظهور قنوات مناطقية مستقلة ثم خاصة ومشفرة. ظهور القنوات الجديدة أعطى دفعة للمبدعين، أصبحوا أكثر جرأة في تناول الشخصيات والموضوعات، حتى لو في ظل ميزانيات محدودة لا تضاهى مثيلاتها الأمريكية، ومن بعدها ازدادت الثقة بالنفس مع ظهور النتفليكس الذي منحهم الانتشار الواسع عالميا، وانعكس ذلك على الدخل القومي، فارتفعت حصة المسلسلات من 429 مليون يورو سنويا عام 2015 (بواقع 38 مسلسلا) إلى 655 مليون يورو عام 2018 (بواقع 58 مسلسلا).
ربما تزعج البعض فكرة عولمة المنتج التليفزيوني على هذا النحو، خاصة تأثير ذلك سياسيا ومجتمعيا على المدى البعيد، لأن عادةً هذه البرامج والأعمال الدرامية تنأى بنفسها عن السياسة المباشرة وتشوبها رغبة في الهيمنة الثقافية وقد تعزز أحيانا قيما بعينها مثل النيوليبرالية والفردية في التعامل مع القضايا العامة، إلا أنها صارت منذ عقود واقعا سائدا يجب التعامل معه والإفادة منه إذا أمكن، فنتفليكس كما يحتاج محتوى أوروبيا يحتاج أيضا مسلسلات عربية تم بالفعل إنتاج القليل منها، وليس من الطبيعي وقد كان لنا ما لنا في مجال الدراما أن نظل مكتفين بالأخذ عن الفورمات الأجنبي كما شاهدنا في المواسم الرمضانية السابقة. حان الوقت أن ننزل الملعب بشكل أكثر جدية، قطعا سيتغير شيء ما.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفكار قابلة للتصدير أفكار قابلة للتصدير



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الملكة رانيا بإطلالات شرقية ساحرة تناسب شهر رمضان

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:36 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

ميسي يتحدث عن "العامل الحاسم" في اعتزاله
  مصر اليوم - ميسي يتحدث عن العامل الحاسم في اعتزاله

GMT 02:02 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

الملكي يتقدم 1-0 قبل نهاية الشوط الأول ضد ألكويانو

GMT 10:15 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

للمرة الثانية أسبوع الموضة في لندن على الإنترنت كلياً

GMT 14:16 2021 الأحد ,03 كانون الثاني / يناير

الحكم في طعن مرتضى منصور على حل مجلس الزمالك

GMT 09:20 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

طريقة لتبييض الأسنان ولإزالة الجير دون الذهاب للطبيب

GMT 08:52 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري اليوم السبت

GMT 02:02 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

مصر على أتم الاستعداد لمواجهة أى موجة ثانية لفيروس كورونا

GMT 09:09 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسني يؤكد لو تم علاج ترامب في مصر لكان شفائه أسرع

GMT 14:47 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

أستون فيلا يعلن عن تعاقده مع أغلى صفقة في تاريخه

GMT 04:36 2020 الخميس ,20 شباط / فبراير

ابن الفنان عمرو سعد يكشف حقيقة انفصال والديه
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon