توقيت القاهرة المحلي 14:38:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لمعة العيون

  مصر اليوم -

لمعة العيون

بقلم: داليا شمس

فاتت الذكرى، صارت وراءها.. لكن ذلك لم يمنع ارتباكها ونحن نقلب في الصور القديمة، حين سألت عن عازف البيانو الأنيق الذي جلست من حوله ضمن آخرين، أيام الدراسة، وقالت في عجالة إنه كان بارعا جدا، ولمعت عيناها هاربة، تتملص من الاعتراف بأمر حميم. علق صوت موسيقاه برأسها، وربما كادت تستحضر ملامحه، رغم مرور أكثر من نصف قرن.

العمر تأخر، وأنهكها التعب وطأطأة الظهر، لكن ظلت لمعة العيون لها بريق خاص، حتى لو ضعف النظر وقل الكلام. لا تريد أن تبدو رومانسية بلهاء أمام الأبناء والأحفاد، لكن ثمة شيء ما يلمحه من يريد أن يقرأ تعبيرات الوجه، خاصة العيون أصدق ما فيه. وأنا أحب قراءة الوجوه وترجمة لغة العيون حين تتألق لمعانا بسبب الحب أو الإعجاب أو الإطراء أو الحماسة أو الشغف. وأجيد الترجمة أيضا حين يتطاير الشرر والغيظ والغيرة والتحدي، ويعلو تلقائيا حاجب عن الآخر بقليل في بعض الأحيان، حتى لو حاول صاحب أو صاحبة العيون رسم ابتسامة مصطنعة على الشفايف، لكي يؤكد أنه لا يعبأ بالأمر وبمن حوله.

سر العيون يكمن في حركاتها وسكناتها وإشراقها أو العكس، وهو ما لا يمكن وصفه بسهولة، فيها يكون الذكاء والتلألأ والاتقاد والدهاء والحسد والجفاء، وفيها تكون السذاجة والسعادة والبلادة والرغبة، فهي سحر لا يستدل عليه بغير عواطف.
***
أتفهم المدراء الذين يصرون على اختيار موظفيهم ضمن أصحاب العيون اللامعة، بالإضافة إلى كفاءاتهم، فالعيون اللامعة دليل على شغف صاحبها، على قدرته على الدهشة والتساؤل والابتكار والمفاجأة والخروج عن المألوف، وبغير هذه الصفات لا تقدم ولا تعلم ولا تنمية، كما قالها اليونان قديما.

هناك سعادة في الإبداع والحب، وحين تخبو العيون والموهبة والحماسة ويختفي الشغف، تطفو على السطح العادات البالية والعشرة والتعود والروتين والملل. نكتب الأمر نفسه والصفات نفسها بأسماء مختلفة. نصبح أكثر تهكما ومرارة. صغر العمر أم كبر. لذا أتمنى ألا تكون لمعة العيون ضمن الأشياء التي يجملها الحنين لأنها مرت ولن تعد. أتمنى أن أكون محاطة بهؤلاء الذين اتخذوا قرارا بأن تكون حياتهم كما أرادوا، ويظلوا في حالة حب بما يفعلون وبمن يخالطون، فيحتفظوا بلمعة عيونهم أبد الدهر. يكونوا مثل بيتهوفن الذي قدم لأول مرة السيمفونية التاسعة، أطول أعماله التي استغرق تأليفها حوالي ثلاثين عاما، في فيينا عام 1824، واستغرقته المقطوعة فلم ينتبه لتصفيق الجمهور الحاد، بما أنه كان مصابا بالصمم. لفتت انتباهه السوبرانو على المسرح ليرى بعينيه حماسة الصالة ويلحظ أن الأوركسترا توقفت عن العزف.
***
كان يعوض السمع بالإحساس، ولم يفارقه الشغف حتى رحل بعدها بثلاث سنوات. تأثر بأبيات شيللر عن الفرح والحب والنشوى والسعادة، كما تأثر أينشتين بموسيقى موتسارت وباخ. كان أينشتين يعزف على الكمان أو البيانو ويظل يرتجل أعمالهما حتى تختمر الفكرة في رأسه ويجد ضالته فيصيح "وجدتها" وتلمع عيناه. يطلق لخياله العنان على أنغام الموسيقى، مدفوعا بشغف لا يخبو ولا تنطفئ جذوته، وذلك في حد ذاته قصيدة فرح. حلاوة لا علاقة لها بفعل التذكر، لكن بلمعة العين التي تظل متقدة والتي يفقدها البعض بالسقوط في واقعية الحياة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لمعة العيون لمعة العيون



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

نانسي عجرم بإطلالات خلابة وساحرة تعكس أسلوبها الرقيق 

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:02 2024 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

اليوم ينصحك الفلك ألا تعلن أخبارك ولا تتكلم عن حياتك

GMT 16:11 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

فيسبوك تسلك طريق أكثر تشدد بشأن شفافية الإعلانات

GMT 13:54 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

نصائح مهمة لاختيار أفضل عباءة شتوية للتمتع بالأناقة والدفء

GMT 08:27 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفال بمرور 18 عامًا على إقامة متحف النوبة في أسوان

GMT 02:18 2016 الخميس ,02 حزيران / يونيو

الاعلان عن قائمة منتخب بلجيكا في "يورو 2016"

GMT 15:03 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل تاجري مخدرات جراء مشاجرة بينهما في الشرقية

GMT 14:43 2021 الإثنين ,06 أيلول / سبتمبر

أبراج تدعمك وتقف بجانبك في المواقف الصعبة

GMT 15:49 2021 الجمعة ,11 حزيران / يونيو

ضربة موجعة لـ منتخب بلجيكا قبل انطلاق يورو 2020

GMT 08:07 2021 الخميس ,25 آذار/ مارس

مصر تسجل 40 وفاة و641 إصابة جديدة بكورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon