توقيت القاهرة المحلي 08:30:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لمعة العيون

  مصر اليوم -

لمعة العيون

بقلم: داليا شمس

فاتت الذكرى، صارت وراءها.. لكن ذلك لم يمنع ارتباكها ونحن نقلب في الصور القديمة، حين سألت عن عازف البيانو الأنيق الذي جلست من حوله ضمن آخرين، أيام الدراسة، وقالت في عجالة إنه كان بارعا جدا، ولمعت عيناها هاربة، تتملص من الاعتراف بأمر حميم. علق صوت موسيقاه برأسها، وربما كادت تستحضر ملامحه، رغم مرور أكثر من نصف قرن.

العمر تأخر، وأنهكها التعب وطأطأة الظهر، لكن ظلت لمعة العيون لها بريق خاص، حتى لو ضعف النظر وقل الكلام. لا تريد أن تبدو رومانسية بلهاء أمام الأبناء والأحفاد، لكن ثمة شيء ما يلمحه من يريد أن يقرأ تعبيرات الوجه، خاصة العيون أصدق ما فيه. وأنا أحب قراءة الوجوه وترجمة لغة العيون حين تتألق لمعانا بسبب الحب أو الإعجاب أو الإطراء أو الحماسة أو الشغف. وأجيد الترجمة أيضا حين يتطاير الشرر والغيظ والغيرة والتحدي، ويعلو تلقائيا حاجب عن الآخر بقليل في بعض الأحيان، حتى لو حاول صاحب أو صاحبة العيون رسم ابتسامة مصطنعة على الشفايف، لكي يؤكد أنه لا يعبأ بالأمر وبمن حوله.

سر العيون يكمن في حركاتها وسكناتها وإشراقها أو العكس، وهو ما لا يمكن وصفه بسهولة، فيها يكون الذكاء والتلألأ والاتقاد والدهاء والحسد والجفاء، وفيها تكون السذاجة والسعادة والبلادة والرغبة، فهي سحر لا يستدل عليه بغير عواطف.
***
أتفهم المدراء الذين يصرون على اختيار موظفيهم ضمن أصحاب العيون اللامعة، بالإضافة إلى كفاءاتهم، فالعيون اللامعة دليل على شغف صاحبها، على قدرته على الدهشة والتساؤل والابتكار والمفاجأة والخروج عن المألوف، وبغير هذه الصفات لا تقدم ولا تعلم ولا تنمية، كما قالها اليونان قديما.

هناك سعادة في الإبداع والحب، وحين تخبو العيون والموهبة والحماسة ويختفي الشغف، تطفو على السطح العادات البالية والعشرة والتعود والروتين والملل. نكتب الأمر نفسه والصفات نفسها بأسماء مختلفة. نصبح أكثر تهكما ومرارة. صغر العمر أم كبر. لذا أتمنى ألا تكون لمعة العيون ضمن الأشياء التي يجملها الحنين لأنها مرت ولن تعد. أتمنى أن أكون محاطة بهؤلاء الذين اتخذوا قرارا بأن تكون حياتهم كما أرادوا، ويظلوا في حالة حب بما يفعلون وبمن يخالطون، فيحتفظوا بلمعة عيونهم أبد الدهر. يكونوا مثل بيتهوفن الذي قدم لأول مرة السيمفونية التاسعة، أطول أعماله التي استغرق تأليفها حوالي ثلاثين عاما، في فيينا عام 1824، واستغرقته المقطوعة فلم ينتبه لتصفيق الجمهور الحاد، بما أنه كان مصابا بالصمم. لفتت انتباهه السوبرانو على المسرح ليرى بعينيه حماسة الصالة ويلحظ أن الأوركسترا توقفت عن العزف.
***
كان يعوض السمع بالإحساس، ولم يفارقه الشغف حتى رحل بعدها بثلاث سنوات. تأثر بأبيات شيللر عن الفرح والحب والنشوى والسعادة، كما تأثر أينشتين بموسيقى موتسارت وباخ. كان أينشتين يعزف على الكمان أو البيانو ويظل يرتجل أعمالهما حتى تختمر الفكرة في رأسه ويجد ضالته فيصيح "وجدتها" وتلمع عيناه. يطلق لخياله العنان على أنغام الموسيقى، مدفوعا بشغف لا يخبو ولا تنطفئ جذوته، وذلك في حد ذاته قصيدة فرح. حلاوة لا علاقة لها بفعل التذكر، لكن بلمعة العين التي تظل متقدة والتي يفقدها البعض بالسقوط في واقعية الحياة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لمعة العيون لمعة العيون



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt