توقيت القاهرة المحلي 10:27:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تفوق أنف بينوكيو

  مصر اليوم -

تفوق أنف بينوكيو

بقلم : داليا شمس

تمنيت لو كنا قادرين على كشف كذب أحدهم لأن أنفه تنمو مثل بينوكيو فى أفلام الرسوم المتحركة، كلما كانت مقولته ملفقة، وذلك على أساس أن الكذب يسبب القلق الذى يخفض درجة حرارة الأنف ويصيب بجفاف فى الحلق! الحيوانات يجيد بعضها المكر والخداع للتمويه والتحايل من أجل البقاء كأن يتصنع حيوان الموت لكى يجهز على الفريسة أو يغير لونه مثل الحرباء تماهيا مع البيئة المحيطة، إنما الإنسان الذى يميزه الكلام واستخدام العقل يلجأ أحيانا إلى الكذب لينجو بنفسه أو ليحقق هدفا بشكل ملتوٍ أو يجامل بعض الشيء أو يبرر تأخيرا طارئا، أو يلفت الأنظار عن خطأ أو يروج لبضاعة أو يهرب من اجتماع ممل أو حتى ليحدث وقيعة بين الناس، الأسباب تتعدد يوميا والوسيلة واحدة.
الطفل لا يعرف الكذب حتى سن السادسة أو السابعة، ثم يبدأ مشواره معه من سن الثامنة ويبرع فيه بمرور الوقت والخبرة والممارسة. وبالتدريج نفرق بين الكذب العادى أو المتعمد و«الميتومانيا» التى تصل إلى حد الولع والهوس بالكذب، بل وتصديقه والعيش فيه بالعديد من الأحوال، ربما مع كثرة ترديده، فكلمة «ميتومانيا» التى ظهرت فى اللغة مع بداية القرن العشرين لتصف حالة مرضية تتكون من «ميتو» (mythos) باللاتينية أى الأسطورة، و«مانيا» (mania) وتعنى الجنون أو الهوس، فالشخص المقصود «يختلق الأساطير». الإنسان المصاب بهذا الداء يوهم الآخرين بأشياء ملفقة، اختلقها لأسباب نفسية تخصه مثل ضعف الثقة بالنفس أو قلة النضوج العاطفى أو الرغبة فى الهروب من الواقع ورفضه أو تعويض شعور بالنقص أو خليط من هذا وذاك. يغطى على إحباطاته دون قصد أو وعى، بخلاف من يُحكم الروايات مع سبق الإصرار، وبالتالى السيناريو الكابوسى «للميتومان« أو المهووس بالكذب أن يتم فضحه، لذا قد يلجأ إلى مزيد من الكذب والهروب أو يقع فريسة للاكتئاب.
***
نعيش وسط هؤلاء، نكتشفهم أحيانا خاصة حين تكون حكاياتهم غير مترابطة وأقوالهم مشوشة ومرتبكة، ونصدقهم كثيرا وتنطلى علينا حيلهم مرات ومرات. يتوقف بعضنا مليا أمام ممارساتهم على جميع المستويات والأصعدة، فالكذب ينطبق على الخاص والعام، على شئون بعضها شخصى وبعضها سياسى أو اجتماعى، إلى ما غير ذلك. العالم والفيلسوف الإنجليزى، توماس هوبز، يرى مثلا أنه كلما انتشر الكذب والشك بين الناس فى مجتمع ما أدى ذلك إلى أن تسوده أجواء شبيهة بالحرب، فكما قال تشرشل «فى زمن الحرب يصبح الصدق شيئا ثمينا، لابد أن يحاط بسياج من الأكاذيب».
خلال الحروب شاهدنا كل أنواع الكذب والخديعة، أشهرها مؤخرا كانت الكذبة التى استخدمت لتبرير الحرب على العراق بادعاء امتلاكها لأسلحة دمار شامل. مراحل الحرب العالمية الأولى والثانية، وما بينهما، كانت أيضا من العصور الذهبية للكذب والتضليل، ومن بعدها اعتمدت الأنظمة السلطوية والشمولية العديد من وسائل خداع المجتمعات التى اتخذت تسميات مختلفة، من ديماجوجية إلى بروباجندا. غرقت الشعوب فى ضروب الكلام وتشويه الحقائق والتلاعب بالعقول. لجأت بعض الحكومات للسيطرة على وسائل الإعلام لكى يتم ذلك بشكل ممنهج ومبسط يمكنهم من الوصول إلى أغلبية الناس. أسس جوبلز، السياسى الألمانى المقرب من هتلر، لمدرسة فى أساليب الدعاية السياسية، وكان معروفا بمهاراته فى التحدث أمام الجمهور. اقتنع الكثيرون بمقولته الشهيرة واتبعوها: «الكذبة التى نرددها ألف مرة تتحول إلى حقيقة». أغفلوا أن عكس الكذب هو الصدق، وأن الحق أو الصواب عكسهما الباطل والخطأ والزور والبهتان، كلها أضداد الحقيقة.
***
الديكتاتوريات بنيت جميعها على الكذب، لكن الشيء المدهش هو قدرة الناخبين على مساندة قادة وحكام يستمتعون بالكذب وينتهى بهم الأمر أحيانا أن يصدقوه، ما جعلنا نحظى بالعديد من «دجالى ومشعوذى» العالم الحر. الناس لديهم درجة من التسامح مع الكذب السياسى، هناك تسويغ فلسفى ما يبرر هذه الممارسات، ربما باعتبار أن الكذب هو مِلح السياسة. تتأقلم الأذهان مع الكذب المنتشر، تستغيه أحيانا وتدمجه فى الواقع، وعلى هذا النحو تندرج العديد من الأكاذيب فى حياتنا اليومية بحكم العادة والتكرار، خاصة عندما تقع المجتمعات فريسةً للخوف والإحساس بعدم الأمان. يصبح من السهل إخضاعها، وحتى لو صارت هناك وسائل إعلام مختلفة تدعى الحياد، ومع ظهور شبكات التواصل الاجتماعى أصبحت لهذه الأخيرة أيضا كذباتها واختلاقاتها الخاصة، فنحن نكذب أكثر مما نضحك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تفوق أنف بينوكيو تفوق أنف بينوكيو



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt