توقيت القاهرة المحلي 05:33:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هي والخاتم

  مصر اليوم -

هي والخاتم

بقلم : داليا شمس

لا نهاية سعيدة لهذه القصة. تنظر إلى نفسها في المرآة، تلمع عيناها بالدموع، بينما تحاول أن تظل نبرة صوتها حيادية. خفق له فؤادها قبل سنوات. جذبتها قصصه أكثر من ملامحه الدقيقة، وهكذا وقعت في فخ زواج غير موفق. استسلمت بسعادة حمقاء. رأت نفسها تتحول من فتاة مرحة مفعمة بالأمل إلى سيدة شابة حائرة يتملكها القلق، ثم صارت تنتمي لأولئك النساء الضعيفات ظاهريا. تنظر إلى خاتم الزواج في إصبعها، لطالما لازمها أثناء الأكل والنوم والشغل والاستحمام، فهي لم تخلعه أبدا من يدها حتى لا يكون نذير شؤم كما يقولون.
تتفحص إصبعها وقد تورم قليلا أو كثيرا، انتفخ كما انتفخ سائر جسمها. تبذل قصارى جهدها لكي تخلع الخاتم: ترفع ذراعها إلى أعلى عدة دقائق لتحسين الدورة الدموية، تضع أصابعها في ماء بارد أضافت إليه بعض الملح الخشن، ثم جاء دور استخدام الصابون و"الكريم" المرطب لكي تخرجه من يدها التي استقر فيها طويلا حتى صار يمنع أحيانا وصول الدم إلى الأطراف. هل ستحتاج أن تذهب إلى محل مشغولات ذهبية لكي يقصوا الدبلة؟ وماذا لو اقترحوا عليها هناك أن يقوموا بتكبير الخاتم فتحتفظ به في خزانتها، على سبيل الذكرى، دون أن تلبسه؟ هل الموافقة تعتبر تراجعا أو رغبة في أن تترك الباب مواربا؟
***
تظل الأفكار تطاردها واحدة تلو الأخرى، ويدهشها حجم الحكايات التي يدفعها هذا الشيء الصغير الثمين إلى ذهنها، فهو يلخص أشياءً كثيرة، حياة كاملة ربما أبرز معانيها الالتزام، الحرية، التقيد، التغيير، العشرة، الحب... طبعا الحب، لهذا حرص الفراعنة ومن بعدهم الإغريق على أن يكون خاتم الزواج في اليد اليسرى ناحية القلب، تحديدا في الإصبع الرابعة أو البنصر، ظنا منهم أنه يرتبط بشريان يصل إلى القلب مباشرة، أما الشكل الدائري فهو يرمز إلى اللانهاية، إلى أبدية الزواج... تضحك في سرها، قائلة: "ربما أيضا يرمز إلى أنه ليس له أول من آخر، حلزوني، مثل الدرج اللولبي الذي قد تنزلق قدمك من عليه في أي لحظة".
لم تُعرف عادة تزيين الخواتم بالأحجار سوى في القرن الثامن عشر الميلادي، إذ أقبل الأحبة على الألماس لصلابته وصار رمزا للأبدية والنقاء، أما الياقوت فيدل على العاطفة المتأججة، والزمرد يبعث على الأمل. وخلال الفترة نفسها تقريبا أدخل الرومان عادة نقش الأسماء أو العبارات الخاصة على خاتم الزواج والتي احتفظنا بها حتى الآن. كل هذه الرموز والدلالات تجعلها تفكر في موقف الكثيرين من الذين يضجوا بهذا الرباط المقدس، خاصة الرجال الذين قاوموا في البداية فكرة لبس خاتم الزواج للإشارة إلى حالتهم الاجتماعية، استسلموا بشكل كبير للمبدأ إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية، على الأغلب بسبب رغبتهم في أن يشعروا أن رفيقات حياتهم معهم للنهاية حتى على جبهة القتال. ولكن هذا لا يمنع أن هناك من يرفضون حتى الآن لبس خاتم زواج، مفضلين أن يكونوا أحراراً طلقاء مثل هيرميس، إله السفر والتجارة عند اليونان. ومع تزايد نزعات التدين الجديد في بلادنا صار بعض الرجال يأبون لبس الذهب أو حتى الخواتم ويجدون في ذلك تشبهاً بالنساء، وهو ما لاحَظته بين الشباب، أبناء وبنات صديقاتها، وهم يتبادلون الهدايا والدبل الفضية كدليل على جدية مشاعرهم.
***
تتجول في المنزل باكية وهي تستعرض الصور الفتوغرافية التي التقطاها معاً في مناسبات وسفريات مختلفة، تتوقف عند رحلة الأندلس وتحاول ربط ذاكرتها العاطفية بأمور ملموسة أكثر. كانت ولاتزال تؤمن أن بقاءها في زواج أصبح خاليا من الحب خطيئة، بعكس أخريات يعتقدن أنهن دخلن إلى بيوت الزوجية بفستان زفاف أبيض وسيخرجن منها بالكفن الأبيض. نساء ورجال اختاروا أن يكون زواجهم توافقيا، أما هي فقد رفضت توزيع الأدوار التقليدي، كانت دوما تكره أن تجلس في غرفة معيشة أحد الأشخاص وقد انقسم الجمع إلى "جلسة نساء" وكلام في أمور شتى دون كلفة، في مقابل زاوية أخرى يحتلها الرجال للنقاش الجاد.
تنظر إلى الخاتم مجددا فترى ما ترى، تمسحه وكأنه يملك قوة سحرية كما في الحواديت، سيظهر الجان المحبوس في الخاتم وتتبدل حياتها، وهو ما حدث في المرة الأولى حين لبسته. ربما سيتكرر ذلك حين تخلعه. تتذكر عندما رأت خاتما في المنام قبل زواجها، وكان ذلك علامة على قرب الارتباط. هرعت وقتها إلى كتب بن سيرين والنابلسي لتفسير الأحلام لكي تتأكد من المعنى ويطمئن قلبها، لاتزال تحتفظ بالكتب على أرفف منزلها. تنتظر حلما جديدا لتفسره، إشارة لما هو آت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هي والخاتم هي والخاتم



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الفساتين الطويلة اختيار مي عمر منذ بداية فصل الربيع وصولًا إلى الصيف

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:17 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

الزمالك بطلاً لكأس الاتحاد الإفريقي
  مصر اليوم - الزمالك بطلاً لكأس الاتحاد الإفريقي

GMT 18:57 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

فنانة لبنانية أنهكها العمر ولم تعد تستطيع الحراك

GMT 05:22 2018 الإثنين ,26 آذار/ مارس

سان جيرمان يُغري أنطونيو كونتي براتب ضخم

GMT 05:34 2018 الأربعاء ,07 آذار/ مارس

كايا جيربر تخطف الأنظار بإطلالة من "شانيل"

GMT 11:10 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

لورا ويتمور تجذب الأنظار إلى إطلالاتها السوداء

GMT 09:40 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

تعرفي على كيفيّة العناية بالشعر القصير لينمو بكثافة

GMT 22:12 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

الإنتاج الحربي يتخطى دجلة بهدفين دون رد فريق

GMT 17:30 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

لوكاكو يتطلع لتوقيع عقد رعاية مع إحدى الشركات الرياضية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon