توقيت القاهرة المحلي 13:00:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«دولة فلسطين» تُغيّر مسار الصراع مع إسرائيل!

  مصر اليوم -

«دولة فلسطين» تُغيّر مسار الصراع مع إسرائيل

بقلم:هدى الحسيني

يدخل ملف الاعتراف البريطاني بدولة فلسطين مرحلة مفصلية مع مطلع هذا الشهر، بعدما أكَّد وزير الخارجية ديفيد لامي أمام مجلس العموم أن حكومة كير ستارمر ماضية في تنفيذ وعدها، رغم أن حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية لم تُبدِ أي تجاوب مع الشروط التي وضعها ستارمر في أغسطس (آب) الماضي، والمتمثلة في وقف الحرب على غزة، والالتزام بهدنة شاملة، والتعهد بوقف خطوات الضم في الضفة الغربية. إلا أن التسريبات الصادرة عن أوساط إسرائيلية أشارت إلى نية تل أبيب دراسة إجراءات ضم جديدة ردّاً على التحركات الأوروبية، وهو ما يعكس تعقيد المشهد، وصعوبة الرهان على تجاوب إسرائيلي في هذه المرحلة. ورغم ذلك فإن بريطانيا ليست وحدها في هذا المسار، إذ أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده ستدعم الاعتراف في الاجتماعات المقبلة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، فيما تتحدّث مصادر دبلوماسية أوروبية عن أن الدنمارك والنرويج وبلجيكا تدرس اتخاذ الخطوة نفسها بالتنسيق مع لندن وباريس، في إطار ما يُسمى القرار الأوروبي المتماسك، الذي يهدف إلى إعادة إحياء مسار حل الدولتين عبر أدوات دبلوماسية ملموسة.

هذا التوجه الأوروبي يضع لندن أمام سباق مع الزمن، فالجمعية العامة للأمم المتحدة ستنعقد في التاسع من الشهر الحالي، وتريد بريطانيا أن تُظهر أنها تتحرك بالتوازي مع فرنسا لا خلفها، خصوصاً بعد أن وُجّهت لها انتقادات في السنوات الماضية بأنها بدت مترددة ومتأخرة في ملفات الشرق الأوسط. وتقول مصادر مطلعة في وزارة الخارجية البريطانية إن الهدف ليس فقط الاعتراف الرمزي، بل بناء زخم دولي يقود إلى اعترافات متتالية من دول أوروبية أخرى، بحيث تُصبح المسألة واقعاً دبلوماسياً يصعب على إسرائيل تجاهله. وتُضيف أن هذا التوجه يلقى دعماً متزايداً في أوساط الاتحاد الأوروبي؛ حيث يعتقد دبلوماسيون أن أي تأخير إضافي سيُضعف المصداقية الأوروبية أمام الرأي العام العالمي.

لكن العامل الأميركي يظل حاضراً بقوة، إذ لم يخفِ ستارمر أنه ناقش قراره مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي لم يعترض علناً، غير أن مسؤولين بريطانيين أبدوا خشيتهم من أن يتحوَّل الموقف الأميركي في أي لحظة إلى اتجاه معاكس، وربما عبر اعتراف بالسيادة الإسرائيلية على المستوطنات غير الشرعية. ويؤكد مراقبون أن مثل هذه الخطوة ستضع لندن في مأزق شديد، لأنها ستكون مطالبة حينها بالموازنة بين استقلالية قرارها الخارجي والحفاظ على شراكتها الاستراتيجية مع البيت الأبيض. وفي هذا السياق، ينقل دبلوماسيون أوروبيون أن نقاشات جرت بين لندن وواشنطن لمحاولة تجنيب الطرفين مواجهة علنية، لكن من دون ضمانات واضحة بأن إدارة ترمب لن تلجأ إلى خطوات تصعيدية لإرضاء القاعدة المؤيدة لإسرائيل في الداخل الأميركي.

وفي موازاة هذا الجدل السياسي، يزداد البُعد الإنساني إلحاحاً، فقد وصف لامي ما يحدث في غزة بأنه «كارثة من صنع الإنسان»، مُحمِّلاً إسرائيل مسؤولية القيود المشددة التي تفرضها على دخول المساعدات. وفي محاولة للتخفيف من المأساة، أعلنت الحكومة البريطانية تخصيص 3 ملايين جنيه إسترليني إضافية لتأمين خدمات للنساء الحوامل والأمهات. وتُضيف مصادر في الأمم المتحدة أن الوضع في غزة قد يتدهور بسرعة أكبر خلال الأسابيع المقبلة، ما يجعل الضغط السياسي والدبلوماسي على إسرائيل أمراً لا مفر منه إذا أرادت الدول الأوروبية الحفاظ على الحد الأدنى من مصداقيتها الأخلاقية.

في الداخل البريطاني، يعكس هذا القرار رغبة حكومة ستارمر في إثبات أن لندن قادرة على صياغة سياسة خارجية مستقلة، تقوم على ما يصفه المقربون من رئاسة الوزراء بـ«قيم العدالة الدولية». فملف الشرق الأوسط طالما كان اختباراً لمدى التزام بريطانيا بمبادئ القانون الدولي، والاعتراف بفلسطين الآن يُقرأ بوصفه رسالة بأن لندن تريد الانتقال من موقع المُتفرج إلى موقع الفاعل المؤثر. ومع ذلك، فإن هذا المسار لا يخلو من المخاطر، إذ من المتوقع أن يُثير نقاشاً محتدماً في البرلمان بين مَن يراه خطوة نحو السلام العادل ومَن يعدّه مقامرة تُهدد الروابط مع إسرائيل ومع الحلفاء في واشنطن. ويُشير نواب معارضون إلى تحذيرات قانونيين بريطانيين من أن الاعتراف قد يُثير إشكالات قانونية حول معايير الاعتراف بالدول، في حين يرى مؤيدوه أنه واجب أخلاقي وسياسي لا يُمكن تأجيله أكثر.

أما في إسرائيل، فإن إعلان نتنياهو احتمال المُضي في ضم أراضٍ من الضفة الغربية يُسلِّط الضوء على خطورة المرحلة المقبلة، فتنفيذ مثل هذا التهديد لن يطيح فقط بشروط ستارمر، بل سيضع العلاقات الإسرائيلية - الأوروبية على مسار صدامي قد يتجاوز الملف السياسي إلى قضايا أمنية واقتصادية. وفي المقابل، يرى مراقبون أن الاعتراف البريطاني، ومعه الفرنسي وربما 12 دولة أوروبية أخرى، سيُحدث تحولاً في ميزان القوى الدبلوماسي، إذ سيمنح الفلسطينيين شرعية أوسع في المحافل الدولية، ويزيد الضغط على إسرائيل التي تُواجه عزلة متنامية.

الواقع أن بريطانيا لم تطرح الاعتراف حلّاً سحرياً للنزاع، بل خطوة سياسية تستند إلى مبدأ القانون الدولي القاضي بقيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. لكن في ظل استمرار الحرب في غزة، وتدهور الوضع الإنساني، تبدو هذه الخطوة أكثر إلحاحاً وأقل رمزية مما كانت عليه في الماضي. فهي تُمثل رسالة واضحة بأن أوروبا لم تعد تقبل استمرار الوضع القائم، وأن البديل عن الحل السياسي سيكون مزيداً من الدمار والمعاناة. ومن هنا، يبدو أن سبتمبر (أيلول) 2025 سيكون شهراً مفصلياً، ليس فقط لبريطانيا، بل لأوروبا بأسرها؛ حيث سيتحدد إن كان الاعتراف سيبقى خطوة دبلوماسية منفردة أم أنه سيفتح الباب أمام موجة اعترافات جديدة قد تُغيّر مسار الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في السنوات المقبلة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«دولة فلسطين» تُغيّر مسار الصراع مع إسرائيل «دولة فلسطين» تُغيّر مسار الصراع مع إسرائيل



GMT 13:59 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الإسلام السياسي

GMT 13:56 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

قمة مصرية إسرائيلية

GMT 13:51 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

الانتخابات التى عرفناها

GMT 13:48 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

السلاح لا يخفي صوت الضحايا إلى الأبد

GMT 13:46 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

زمن الاستقطاب العميق

GMT 13:37 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

محمد منصور ودراما سيزيف المصري

GMT 12:18 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

«يونان».. الحياة تقف على باب الموت!!

GMT 12:15 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

حلم الدكتور ربيع!

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 17:19 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

لافروف يتهم أوروبا بعرقلة جهود السلام في أوكرانيا
  مصر اليوم - لافروف يتهم أوروبا بعرقلة جهود السلام في أوكرانيا

GMT 11:25 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

شمس البارودي تهاجم الشللية في الوسط الفني بسبب نجلها
  مصر اليوم - شمس البارودي تهاجم الشللية في الوسط الفني بسبب نجلها

GMT 06:13 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 02 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 04:43 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تدعم حظر الهواتف المحمولة في المدارس الابتدائية

GMT 02:17 2020 الأحد ,26 تموز / يوليو

فيسبوك تقضي على Zoom بعد إطلاق App Lock

GMT 19:18 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حريق محدود بـ كابل كهرباء في الطالبية بمحافظة الجيزة

GMT 17:32 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

22 لاعبًا في قائمة الزمالك لمواجهة الإسماعيلي في الدوري

GMT 14:01 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

مقتل 18 جندياً في باكستان على يد مسلحين

GMT 10:28 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

إنفانتينو يقرب السعودية من تنظيم كأس العالم 2034

GMT 20:45 2022 السبت ,04 حزيران / يونيو

انطلاق كأس العالم للرماية الأحد المقبل

GMT 23:18 2021 الأربعاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

أبرز 5 سيارات كورية طرحت في السوق المصري لعام 2021

GMT 09:05 2021 الأربعاء ,10 آذار/ مارس

طريقة عمل الروستو

GMT 10:12 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

والدة طفلة التعرية ترفع قضية إثبات نسب جديدة

GMT 06:22 2020 الجمعة ,02 تشرين الأول / أكتوبر

السيسى يصدق على تعديل بعض أحكام قانون السجل التجارى
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt