توقيت القاهرة المحلي 18:05:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما بعد سوتشي: سقوط «السوخوي» والانتقامات الروسية

  مصر اليوم -

ما بعد سوتشي سقوط «السوخوي» والانتقامات الروسية

بقلم : عبدالوهاب بدرخان

 لم تنتظر موسكو اختتام مؤتمر سوتشي لتبدأ تنفيذ «تهديد حميميم» بالعودة رسمياً إلى التصعيد العسكري، خلافاً لنظرية «مناطق خفض التوتّر» التي روّجتها عنواناً لإنهاء الصراع في سورية، بضمانتها إلى جانب إيران وتركيا. وجاء إسقاط طائرة «سوخوي 25» ليطيّر صوابها، إذ يدشّن مرحلة جديدة في الحرب، وإذا رُبط بهجمات مطلع السنة لطائرات من دون طيار فوق قاعدتها المركزية فإنه مؤشّر إلى بداية استهداف مباشر للوجود الروسي في سورية. ولعل إعلان «هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» سابقاً) مسؤوليتها عن العملية يزيد الأمر تعقيداً ويضع الروس في مواجهة مع تنظيم «القاعدة»، وقد يعيدهم بصيغة أو بأخرى، إذا تكرّرت الهجمات وتنوّعت أساليبها، الى أيام افغانية جهدوا كي يطردوها من ذاكرتهم. لا تعتقد موسكو بأنها إزاء «كابوس أفغاني» آخر، فالأطراف الإقليمية (إسرائيل، تركيا، إيران...) منخرطة في تعاون وتنسيق معها دفاعاً عن مصالحها، وظروف التدخّل الأميركي مختلفة لا تنافسها ولا تبحث عن مواجهة معها، إلا أنها لا تستطيع استبعاد استراتيجية أميركية لتوريطها في سورية، ولو بالتغاضي عن أسلحة نوعية تصل إلى أيدي إرهابيين تابعين بـ «القاعدة».

مع انتهاء مؤتمر سوتشي، الذي لم يكن «حواراً» بين السوريين بمقدار ما كان مبارزات كواليسية بين المتدخّلين الخارجيين، ولم يكن «سورياً» إلا بمن دُعوا الى حضوره بانتقاءات اعتباطية في معظمها، والأكيد أنه لم يكن محطة فاصلة بين الحرب والسلم بل يبدو على العكس كأنه دفع موسكو أكثر فأكثر إلى اعتماد الخيار العسكري الذي كان ولا يزال الخيار الأسدي- الإيراني الوحيد ولن يعارضه الروس، إلا أنهم أخضعوه لحساباتهم الخاصة سواء في التعاطي مع اللاعب الأميركي الذي لا يمكنهم تجاهله أو مع الأطراف الإقليمية. فمع كل جولة عسكرية بمجازرها وغازاتها السامة ودمارها الشامل كانت روسيا تعطي فرصة لـ «داعمي» المعارضة كي يقنعوها بالذهاب إلى جولة مفاوضات في جنيف لإبداء القبول بالتراجع والاستسلام وخصوصاً بالعودة إلى كنف نظام بشار الأسد، أي الى كنف الاحتلال/ الوصاية الروسي– الإيراني. وعدا أن هذه صيغة لا يمكن أن تقبلها أي معارضة، فإن «الداعمين» لا يرون فيها معادلة متوازنة. وبما أن مفاوضات جنيف تعرّضت لإفشال روسي مبرمج فقد دفعت موسكو بـ «البديل» في سوتشي، لتجد أن لدى شريكيها «الضامنين» التركي والإيراني وحليفها نظام دمشق من التحفّظات ما يفوق اعتراضات الدول الخمس التي أنذرتها بوجوب التزام مسار جنيف وبأنها لا تستطيع وحدها فرض حل سياسي.

لذلك اكتفت روسيا من مؤتمر سوتشي بـ «مكسب» عقده ولو فشلت في تحقيق الهدف الذي رسمته له، ولئلا يكون الفشل كاملاً فإنها أبرزت حضور «مبعوثها» الأممي ستافان دي ميستورا على أنه «رعاية» من الأمم المتحدة و»شرعية دولية» للمؤتمر، كما أظهرت «الاتفاق» على تشكيل «لجنة الاصلاح الدستوري» وكأنها تنازل تمكّنت من انتزاعه. لكن أحداً لا يعرف مَن اتفق مع مَن على هذه اللجنة، وهل المعني بها «اصلاح» دستور الأسد أم إعداد دستور جديد يتضمّن «تنازلات» في صلاحيات الرئيس لاجتذاب الدول الخمس المناوئة. هذه التساؤلات وغيرها تعني أن كل شيء سيتوقّف على كيفية استغلال موسكو هذه اللجنة، فالأرجح أنها ستستخدمها لاختراق مسار جنيف للتحكّم بالدستور واستطراداً بالانتخابات من دون «انتقال سياسي» يُتّفق عليه بالتفاوض وفقاً للقرار 2254، أو لمواصلة عرقلة المفاوضات والدفع عسكرياً وسياسياً إلى توافق جديد مع واشنطن لإطاحة القرار 2254 والتخلّي عن «هيئة الحكم الانتقالي». في الحالَين يبقى هدف روسيا واضحاً، وثابتاً لم يتغيّر: إمّا أن ترضخ المعارضة أو تستمرّ تصفيتها عسكرياً... وهذا ما يفسّر خلو البيان الختامي من أي إشارة إلى وقف إطلاق النار وفكّ الحصارات والإفراج عن المعتقلين وإيصال المساعدات الانسانية.

في ضوء ما تقدّم، ووسط نذر المواجهات التي تلوح في الأفق السوري، لم يعد أحد قادراً غداة مؤتمر سوتشي على توقّع استئناف مسار جنيف أعماله. فالرؤية السياسية تشوّشت، وليس واضحاً كيف سيوفّق دي ميستورا بين استكانته الطويلة للإملاءات الروسية ومتطلّبات مواءمة مهمته مع توجيهات «اللاورقة» التي تبنّتها الدول الخمس (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والسعودية والاردن). كان الصوت الأكثر خفوتاً، قبل محطة سوتشي وبعدها، هو لإيران ونظام الأسد اللذين اكتفيا بالتنسيق السرّي مع الروس، وبمعزل عن تركيا التي حدّدت لها موسكو مهمّة مختلفة تتمثّل خصوصاً بـ «إحضار» المعارضة الى سوتشي، وقد فعلت أنقرة ما تستطيعه فأرسلت وفداً لحضور المؤتمر، لكن بشروطه التي لم يقبلها الروس فبقي في المطار ثم غادر. لكن الضمانات المسبقة التي حصل عليها الأسد والإيرانيون لم تنعكس على المؤتمر بعدما خفّض الروس سقفه، أو في بيانه الختامي الذي تمكن قراءة العديد من نقاطه على أنها نقدٌ لـ «الدولة السابقة» وإدانة ملطّفة لسياسات الأسد وفشلها على أكثر من صعيد. وفي أي حال كان النظام أرسل ألفاً ومئتَين من مواليه و «معارضيه»، آملاً بأن يساهم المؤتمر في تلميعه واعادة تعويمه، لكن البنود المتعلقة بـ «الإصلاحات» المطلوبة خصوصاً في الجيش والأجهزة الأمنية والمؤسسات كافة لم تكن ملائمة لطموحات الأسد.

لا يزال التقاء المصالح والتوافق مع طهران ودمشق على شكل الحل السياسي وتهميش المعارضة أجدى وأعمق من أن تخضعه موسكو للمساومة مع واشنطن طالما أنها لا تعرض أي صفقة، أو مع أنقرة التي تحافظ على أوراق لها عند أميركا وروسيا وتتعايش مع المحدّدات التي تضعانها لتدخّلها في سورية أو تحاول التمرّد عليها. وفيما يتقاطع بيان سوتشي و «اللاورقة» عند ترجيح أولوية الدستور (ثم الانتخابات)، كذلك عند تجاهل «هيئة الحكم الانتقالي» كما تطالب بها المعارضة، فهذا يعني بالنسبة إلى روسيا أن الدول الخمس اقتربت من أطروحتها بتخطّيها عقدة «مصير الأسد» وقبولها ضمنياً ببقائه. لكن الخلاف قائم على تصوّر «المرحلة الانتقالية»: فالروس يراهنون على «إصلاح دستوري» طفيف يحفظ للرئيس (أي الأسد) صلاحياته الجوهرية ويمكّنه من الاشراف على الحكومة وعلى الانتخابات، ما يطمئنهم الى التلاعب الحتمي بنتيجتها وبالتالي إلى أن مصالحهم مضمونة. أما الولايات المتحدة وحلفاؤها فيريدون دستوراً يوزّع جزءاً كبيراً من صلاحيات الرئيس بين رئيس الحكومة والبرلمان، ويفهمون الانتخابات كـ «إطار للانتقال السياسي»، بل يشترطون لإجرائها تهيئة «البيئة الآمنة والمحايدة» بوقف النار واطلاق المعتقلين و»انسحاب الميليشيات الأجنبية».

في أي حال، لم يثر الشعب السوري على استبداد النظام للحصول على نصٍّ دستوري جديد، فالمشكلة ليست في النصّ بل في تطبيقه لمنع الحاكم من مصادرته لتبرير استفراده مع عائلته وطائفته بالسلطة، بل هي في آلة القتل التي أنشأها النظام وحكم سورية بها محتقراً كل دستور أو قوانين. هذه الآلة لا تزال أولى المشكلات وستكون كفيلة بتبديد أي «بيئة آمنة» لإجراء انتخابات حقيقية. والمتعارف عليه أن أي دستور يتفق عليه بالمفاوضات سيكون بالضرورة لمرحلة انتقالية، أما الدستور النهائي والدائم فهو الذي يُصار إلى إعداده بعد الانتخابات. ليس هناك أي أساس جدّي أو هدف جوهري لمسار جنيف، إذا أتيح استئنافه، سوى الشروع في تفاوض مباشر للتوافق على مبدأ الانتقال السياسي وآلياته.

هذا ما تعرفه روسيا وإيران وتخشيان أن يمسّ لاحقاً بمصالحهما، وهذا ما يعرفه النظام مدركاً أن أي تفاوض حقيقي ومباشر سيطلق العدّ العكسي لنهايته. لذلك كان الخيار الأول والوحيد لهذه الأطراف الثلاثة أن تكون جولات جنيف لكسب الوقت والاعتماد على دي ميستورا للعبث بأجندة التفاوض وخلط أوراقها، تارةً بإثارة مشكلة تمثيل المعارضة وكأنها غير معروفة، وطوراً باشتراط أولوية البحث في مكافحة الارهاب وكأن المعارضة- وليس النظام- مسؤولة عن استشراء الإرهاب ومستفيدة من انتشاره، وأخيراً بمحاولة سوتشي لفرضها بديلاً من مسار جنيف، والمؤكّد أن محاولات أخرى ستُبذل، إذ لا يراد لهذه المفاوضات أن تنجح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد سوتشي سقوط «السوخوي» والانتقامات الروسية ما بعد سوتشي سقوط «السوخوي» والانتقامات الروسية



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

أيقونة الجمال كارمن بصيبص تنضم لعائلة "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 16:30 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة
  مصر اليوم - نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 16:02 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
  مصر اليوم - طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 17:12 2022 الثلاثاء ,11 كانون الثاني / يناير

بدلات كلاسيكية مميّزة للرجل لمختلف المناسبات

GMT 14:37 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

مرج الفريقين يتفقان!

GMT 03:18 2017 الخميس ,15 حزيران / يونيو

هند براشد تكشف عن مجموعة تصميماتها لصيف 2017

GMT 14:28 2022 الخميس ,25 آب / أغسطس

صورة البروفايل ودلالاتها

GMT 06:57 2019 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة رانيا يوسف تنعي الفنان هيثم أحمد زكي

GMT 07:13 2018 الأحد ,01 إبريل / نيسان

سيلينا غوميز تخطف الأنظار بإطلالتها المميزة

GMT 11:54 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد في مواجهة قوية أمام الأسيوطي في كأس مصر

GMT 12:13 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ميدو يؤكّد أنّ مدبولي وقّع لدجلة قبل الانتقال إلى الزمالك

GMT 03:31 2021 الأحد ,21 شباط / فبراير

توقعات ماغي فرح لبرج الأفعى الصيني للعام 2021
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon