توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مأزق بوتين: إقصاء إيران يُقصي الأسد وبقاؤهما معاً غير متاح

  مصر اليوم -

مأزق بوتين إقصاء إيران يُقصي الأسد وبقاؤهما معاً غير متاح

بقلم : عبدالوهاب بدرخان

 بين التمنيّات التي شاعت سوريّاً وعربياً ودولياً، والأهداف التي حدّدتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لضرباتها، كانت هناك هوّة واسعة وعميقة هي التي لا تنفكّ روسيا وإيران ونظام بشار الأسد تدفع إليها بسورية والشعب السوري. لم يكن أصحاب التمنيّات واقعيين لأن الغربيين مخططي الضربات كانوا واضحين في أنهم لا يسعون إلى تقويض النظام وهزمه في الصراع المسلّح، ولا يريدون مواجهة أو حرباً مفتوحة مع روسيا أو إيران. أي إبقاء اللعبة الدولية- الإقليمية في معادلتها الراهنة التي تجيز القتل والتدمير بكل أنواع الأسلحة، من دون تجاوز «الخطوط الحمر».

تصرّفت واشنطن بعد استخدام السلاح الكيماوي على أنها مُستَفزّة، وعندما تأهّبت للردّ بدت موسكو مُستَفزّة أيضاً. استنفر الأميركيون بريطانيا وفرنسا فضاعف الروس استنكاراتهم، ولن يُخفِ الفرنسيون والبريطانيون حذراً بات اعتيادياً وضروريّاَ حيال خيارات دونالد ترامب، ما استوجب اتصالات أميركية- روسية لتبادل التوضيحات (منذ اتفاق لافروف- كيري عام 2013 الذي وثّق بالقرار 2118 تُعتبر روسيا ضامنة لانضباط النظام «كيماويّاً» ومنذ التدخّل المباشر باتت مسؤولة عن ممارساته)، كذلك لتبادل التحذيرات (إذا قُتل جندي روسي أو قُوّض النظام لا تستطيع روسيا الامتناع عن الردّ)، وهكذا جرى تقليص الأهداف، موقتاً، وهو ما دفعت إليه باريس وأيّدته لندن ومعهما وزير الدفاع جيمس ماتيس، كما أنه ينسجم مع التوجّهات الفعلية لترامب بمعزل عن تغريداته النارية.

هذا التقليص «الموقّت» للأهداف أتاح لروسيا فتح المجال الجوي السوري للضربات الثلاثية، لكنه لم يمنع مواصلة حشد القطع الحربية في المتوسّط، أولاً لأن التفاهمات بين الأميركيين والروس لا تُبنى على الثقة، وثانياً لأن الدول الثلاث تتحسّب لردود إيرانية- أسدية (بموافقة روسية ضمنية) قد تعاود استخدام السلاح الكيماوي، في إدلب مثلاً، أو تستهدف مباشرة قوات التحالف الدولي في شمال سورية. وطالما أن الدول الثلاث لم تصمم ضرباتها للتدخل في مجريات الصراع الداخلي أو لإزاحة الأسد، يمكن عزو تقليص الأهداف إلى أسباب عدة، منها عدم اتفاق الدول الثلاث على استراتيجية واضحة، واستمرارها في التزام «خطة فيينا» (2015) التي صيغت في القرار 2254 واعترفت ضمناً بدور روسي أساسي وحيوي، لكن روسيا أخلّت به وتواصل تغيير قواعد اللعبة، إما للانفراد بإدارة الأزمة وحلّها أو لابتزاز الولايات المتحدة وحلفائها وجلبهم إلى تسوية تشمل سورية وغيرها من الملفات.

إذا كانت الضربات انطوت على «رسائل» سياسية وحتى عسكرية فهي تتعلّق طبعاً بإيران ونظام الأسد، وكلّها موجّه أولاً وأخيراً إلى روسيا. لعل أهمّ «الرسائل» أن على موسكو أن تحدّد خياراتها، وأن الدول الثلاث مستعدّة للتعاون معها لإنهاء الحرب في سورية، في سورية فحسب، في الأطر المتفق عليها، وبالتالي فلا داعي لافتعال هجمات كيماوية لاستدراجها إلى مساومات أخرى. أما الخيارات التي يجب توضيحها وحسمها فتراوح بين الممكن والصعب، وهي مترابطة في أي حال، كما أنها رهن الإرادة السياسية لفلاديمير بوتين. فالخيارات الممكنة روسياً بادرت باريس إلى بلورتها في نقطتين: 1) وقف إطلاق النار في عموم سورية، و2) خطة خروج من الأزمة بإيجاد حلٍّ سياسي مستدام. في الأولى تركت روسيا النظام وإيران وتركيا يتلاعبون بـ «ما بعد داعش» جاعلين «مناطق خفض التصعيد» مرحلة جديدة في الصراع. وفي الثانية أعطت موسكو إشارات عدة إلى أنها تسعى إلى تغليب «مسار سوتشي» على «مسار جنيف» ولا تزال تعمل على تقزيم الحل السياسي بتجريده من أي أفق انتقالي.

أخطر الخيارات الصعبة المطلوب من روسيا حسمها هو الوجود الإيراني في سورية. وفي الآونة الأخيرة لم تعد موسكو تسمع في مختلف المحافل العلنية والمغلقة سوى هذا العنوان، إيران، وسط زحمة استحقاقات تقود جميعاً إلى تعقيد موقفها. فالاتصالات التي سبقت الضربات الثلاثية، وإجماع القمة العربية في الظهران على إدانة التدخلات الإيرانية، واعتزام الرئيس الأميركي الانسحاب من الاتفاق النووي، وحرب اليمن مرفقة بإطلاق الحوثيين صواريخ على السعودية، ومساعي تطوير العلاقات مع دول الخليج، فضلاً عن متطلّبات إنهاء الحرب في سورية... كل ذلك وضع روسيا، شاءت أم أبت، في خانة الانحياز إلى إيران ومشروعها التوسّعي. وبطبيعة الحال فهي تلقّى بوتين رسالة الضربات التي تخيّره بين أن تبادر روسيا إلى معالجة هذا الوجود الإيراني، أو تتيح لإسرائيل التعامل معه بدعم من الدول الثلاث وربما بمشاركتها، باعتبار أن كل العواصم التي تواصلت مع إيران أبلغتها أنه كان عليها ضبط برنامجها الصاروخي وسياستها الإقليمية منذ وقّعت على الاتفاق النووي لئلا يتسببان في التأزيم المرتقب على خلفية المآخذ الأميركية على ذلك الاتفاق.

مشكلة بوتين مع حربه في سورية أن لديه حلفاء يريدون استمرارها ويواصلون منحه أوراقاً تعزّز نفوذه وتشجّعه على انتظار مساومة مع الولايات المتحدة. ومع افتراض أن الخصوم الغربيين يسعون فعلاً إلى إنهاء الحرب إلا أنهم لا يسهّلون الأمر عليه، بل يطرحون شروطاً ولا يلوّحون له بثمن مقابل قد يغريه بالتخلّي عن «أوراق» حلفائه. هذا لا يعني أن بوتين أدار جيداً الوجود/ الاحتلال الروسي في سورية، فهو دافع عن بقاء الأسد في السلطة وطالب الجميع بقبوله مع أن أعوانه قالوا مراراً أن الأسد لا يعني شيئاً بالنسبة إلى روسيا، وبعدما غيّرت العواصم المعنيّة موقفها تسهيلاً لحلٍّ سياسيٍ ما وجدت أن بوتين يدعوها إلى التكيّف مع صيغة «إيران + الأسد»، ثم أن النظام طالب دولاً أوروبية اتصلت به بالتعامل معه بشروطه، خصوصاً تجديد الاعتراف بـ «شرعيته» وإعادة فتح سفاراتها، مقابل التعاون في شأن الإرهاب وحصصٍ في مشاريع إعادة الإعمار. وبعدما سُحب بقاء الأسد أو عدمه من التداول، أطلق بوتين مساومة على مضمون الحل السياسي وطبيعة الحكم المقبل واستطاع في سوتشي فرض «الدستور + الانتخابات» كأجندة تفاوضية جديدة.

في كل الظروف والمراحل ظلّت قضية الوجود الإيراني دائماً على الطاولة ولم تكن لدى بوتين أي اقتراحات للتعامل معها، بل حاجج بأن إيران تدخّلت بدعوة من النظام. وعلى رغم أن ثمة تفاهمات مع الأميركيين، كما هو شائع، على أن لا تكون المعابر الحدودية مع العراق في أيدي الإيرانيين إلا أن بوتين لم يطبقها بحزم بل ترك حليفيه يتصرّفان كالعادة، فيكون وجود قوات النظام رمزياً والقوات التابعة لإيران أكبر عدداً وأكثر قدرةً على التحكّم بالمواقع. كما أن اتفاق «خفض التصعيد» في الجنوب الشرقي وقّع مع موافقة روسية على اشتراط إسرائيل منطقة عازلة وخالية من الإيرانيين بعمق حدّدته المعلومات الأولية بـ40 كلم ولم يستطع الروس تطبيقه بسبب الرفض الإيراني. ومع أن بوتين اهتمّ شخصياً بمجريات معركة الغوطة الشرقية إلا أنه لم يمانع عملياً مشاركة الإيرانيين، ولم يتمكّن مفاوضوه الروس من إنجاز اتفاقات تضمن بقاء السكان. ثم حصل أخيراً القصف بالغازات السامة في دُوما، وقد يكون النظام والإيرانيون دفعوا بهذا الهجوم للتعجيل باستسلام «جيش الإسلام»، لكنهم ما كانوا ليتصرّفوا بهذا السلاح من دون موافقة بوتين.

وسط المعادلات المتشابكة وضعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الكرة في ملعب الرئيس الروسي، إذ آن الأوان للبحث في مستقبل مغامرته السورية واستُنفد الجدل على مصيرَي حكم آل الأسد والوجود الإيراني المتلازمَين. لم يعد متاحاً له الحفاظ على الأسد وإيران معاً إذا كان يرغب في تعاون الأميركيين والأوروبيين معه. وعدا أنه غير قادر على التحكّم بحركة الإيرانيين، فإن بقاءهم مع الأسد يحبط أي نهاية للحرب وأي حلٍّ سياسي، حتى بالشروط الروسية المجحفة للشعب السوري. أما إقصاء أحدهما فيقصي الآخر، وهذا يقتضي تورّطاً روسياً واسعاً لا يريده. صحيح أن أجندات الولايات المتحدة وحلفائها وخياراتهم المحدودة لا تقلق بوتين، ومع إدراكه حاجته إليهم فإنه يرفض التعامل مع شروطهم. وإذا كان لوّح مراراً بخيار إخراجهم من سورية فهذا يستدعي أيضاً مزيداً من التورّط الروسي.

نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مأزق بوتين إقصاء إيران يُقصي الأسد وبقاؤهما معاً غير متاح مأزق بوتين إقصاء إيران يُقصي الأسد وبقاؤهما معاً غير متاح



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt