توقيت القاهرة المحلي 07:15:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قضايانا بين نظامين: الإقليمي فاشل والدولي مشروخ

  مصر اليوم -

قضايانا بين نظامين الإقليمي فاشل والدولي مشروخ

بقلم:جميل مطر

اجتمع مجلس الجامعة العربية ليقرر فى شأن أمر من أمور الأمن القومى العربى وبالتحديد فى شأن إعلان تركيا عزمها التدخل العسكرى فى ليبيا بناء على طلب إحدى السلطتين اللتين تزعمان، كل على حدة، حيازة الحق فى الانفراد بحكم البلاد الليبية. لم أنتظر أن أسمع خيرا نتيجة مداولات مندوبى الدول العربية. تشبثت بالبحث حتى عرفت أن شابا كان يشارك ضمن وفد بلاده فى مؤتمرات انعقدت قبل عقود فى هذه القاعة ذاتها موجود داخلها ولكنه هذه المرة بصفته خبيرا مرافقا ومستشارا لرئيس الوفد. استجاب لدعوتى والتقينا فى المساء وبعد أن تبادلنا الإطراء على مظاهر الصحة سكت طويلا قبل أن ينطلق منفعلا بخطاب غاضب. راح فى البداية يذكرنى، كما لو كنت قد نسيت، بسجالات وندوات وسهرات شهدت دفاعاتنا عن حلم عربى، وبمواقف سجلنا بها العزم على حماية مبادئنا وحقوقنا ونيتنا ألا نتوقف أو نضعف قبل أن نحطم أسوار التخلف ونقبض على مفاتيح التقدم.
***
يقولون فى العادة سعدت باللقاء بعد افتراق طويل. لا لم أسعد باللقاء. فاجأنى بخطابه الغاضب كما لو كنت وكل نساء ورجال جيلى تخلينا عن التزامنا أو خُنا عهودنا أو خدعنا شعوبنا وأهالينا. لم يزل لسانه أو يتجاوز الحدود ولم أتوقع أن يحدث هذا فتاريخه فى دبلوماسية بلاده والمؤسسات الدولية وسجل علاقاته الشخصية والعامة تستبعد أن يخطئ فى خطاب حتى وإن اكتسى بالمرارة والغضب. على كل حال ورغم اطمئنانه إلى قدرته على التحكم فى انفعالاته اعتذر مسبقا عما يمكن أن يقوله واعتبره تجاوزا فى حدة الرأى أو تماديا فى الاستنكار. مرت لحظات هدوء تعمدت أن تطول عاد بعدها الصديق من البلد العربى الشقيق ليبدأ فى نقل تفاصيل الجلسة التى شارك فيها وهى لمجلس جامعة الدول العربية المدعو لمناقشة عزم دولة ليست عضوا فى الجامعة، هى تركيا، إرسال قوات مسلحة إلى دولة عضو فى الجامعة، هى ليبيا. استمعت إلى التفاصيل عبر مقاطعات متعددة بغية الحصول على صور شفهية للمتحدثين عَلّها تكشف عما فى نفوسهم وخلفياتهم وإمكاناتهم التفاوضية. هكذا كنت أفعل وأنا فى موقعى خلال جلسات مماثلة كنت أحضرها لمهمة صياغة القرارات مع «ناصيف حتى» الخبير اللبنانى والزميل القدير فى الجامعة العربية. تعلمنا وقتها أهمية الربط بين الكلمة وملامح المتكلم لحظة النطق بها. أذكر أننا كنا نراهن على متحدث يلقى بيانا لم يقرأه قبل أن يدخل إلى القاعة أو على مناقش غير مؤهل دبلوماسيا ولم يستعد لمناقشة القضية المطروحة رغم أهميتها. كنا أيضا نهنئ ونسهر الليالى مع من تثبت لنا براعته فى عرض قضية بلاده، وكانوا غير قليلى العدد.
***
قضيت ساعة أو أطول قليلا أستمع إلى سرد وصفى للجلسة من صديقنا الدبلوماسى العربى المخضرم حتى وصل إلى نقطة علا عندها صوته استعدادا فيما يبدو ليختم حديثه فإذا به يقول بوجه متجهم وعيون جاحظة «أيها الصديق العزيز، ما رأيت فى جلسة اليوم وسمعت لا علاقة له بما تعلمناه وتدربنا عليه ونشأنا نحلم به. اليوم عشت أتابع تفاصيل كارثة وليس جلسة يفترض أن تجمع بعض خيرة الدبلوماسيين العرب. اليوم سمعت رؤساء وفود جاءوا إلى جلسة معلن عن موعدها قبل انعقادها بوقت كاف وقد تدهش أيها الصديق والمعلم إن قلت لك إن أكثرهم لم يتلق من المستويات الرسمية الأعلى فى بلاده تعليمات أو إرشادات مناسبة. لذلك حفلت الجلسة وتداعياتها بالمراوغة والأنباء المزيفة والكذب الصريح واللامبالاة القومية والاستهتار بأولويات العمل العربى المشترك وبخاصة فى قضية هى من صلب أسس ونشأة هذه المؤسسة الإقليمية، أو القومية إن شئت، قضية تمس فى الصميم أمن ومصير كل دولة كبيرة وصغيرة فى هذا التجمع الذى كان عند النشأة عربيا خالصا ليصير مصيره بعد سبعين عاما محل شك كبير. اجتماع اليوم شهادة على حال عربى يزداد قبحا». كانت المرة الأولى فى مسيراتى الأكاديمية والسياسية التى أسمع فيها من يصف حال الأمة العربية بأنها قبيحة. هالنى الوصف.
***
عندما بلغنى أن مبعوث الأمم المتحدة المكلف بالأزمة الليبية اجتمع فى نيويورك بمجلس الأمن أرسلت فى طلب تسجيل كامل لمؤتمر صحفى عقده فور انتهاء الاجتماع. أعرف الرجل وأعرف عنه الكثير. من هذا الكثير أنه يبقى ملازما لهدفه حتى لا يغيب عن بصره. قال فى المؤتمر الصحفى إنه قضى ثمانية أشهر يحاول إقناع مجلس الأمن الدولى بإصدار قرار جديد بوقف لإطلاق النار. حضر خمسة عشر اجتماعا خلال هذه الشهور ولم يحصل من أعلى مؤسسة مكلفة بحفظ الأمن الدولى على ما يضمن حق الليبيين فى عيش آمن ليعقبه عيش كريم. لا بد أن هذا المبعوث شعر بما شعر به الدبلوماسى العربى خلال حضوره جلسة أعلى مجلس عربى مكلف بحفظ أمن وكرامة شعوب الأمة العربية. كلاهما لا بد شعرا بأن أكثرية الحاضرين، منهم الذين اجتمعوا فى القاهرة ومنهم الذين اجتمعوا فى نيويورك، لم تكن لديهم تعليمات من حكوماتهم. بدا مجلس الجامعة للمراقبين وربما للوفود نفسها مؤسسة إقليمية منزوعة الوظيفة. هكذا أظن كيف بدا مجلس الأمن لمراقبيه وربما لسفراء ووزراء خارجية يمثلون خمس عشرة دولة، منها خمس عظام بمقاعد دائمة، بدا هو الآخر، فى تلك اللحظة وعبر لحظات كثيرة خلال شهور وبالأحرى سنوات، مؤسسة دولية منزوعة الوظيفة. غمرنى الأسى، كالذى بلا شك غمر المبعوث الأممى فجعله يلقى باللوم على نظام دولى وصف حاله «بالانكسار».
***
نعيش فى نظام إقليمى عربى غير فاعل ومنفرط الأجزاء، مؤسساته منزوعة الوظيفة وممارساته «قبيحة» وحدوده انفتحت على جوار كان دائما فى الانتظار. ونعيش فى نظام دولى فى حال انكسار، حسب رأى المبعوث الأممى. بعض أهم مؤسساته فقدت أسباب وجودها ومؤسسات أخرى تحت الحصار وكثير من ممارساته خارجة عن الشرعية فهى لا تحترم خطوطا حمراء أو سيادات قانونية أو قواعد دولية أو أخلاقية. كلنا، وأؤكد كلنا، نعيش لحظة تحذير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قضايانا بين نظامين الإقليمي فاشل والدولي مشروخ قضايانا بين نظامين الإقليمي فاشل والدولي مشروخ



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,21 إبريل / نيسان

خسائر خام برنت تتفاقم إلى 24% في هذه اللحظات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon