توقيت القاهرة المحلي 23:43:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ألف كلمة وحرف

  مصر اليوم -

ألف كلمة وحرف

بقلم: خولة مطر

التاريخ العربى هو تاريخ الكلمة واللغة والقصيدة والشعر، هو تسجيل للحظات. كان للكلمة حد السيف وتغيير حرف بالكلمة وقع العاصفة. كثيرنا فقد ذاك الأمر الخاص جدا ورحل عن لغة غاية فى البلاغة والجمال إلى لغات أخرى ليس كثيرها على تلك الدرجة من العمق والفتنة، أى فتنة الكلمة ورهبتها أيضا.. الكلمة فى التاريخ كانت أداة حرب عبر القصيدة وأداة مدح وتمجيد للبطولات، وكذلك كانت وسيلة للنفاق المبطن وليس النفاق الفج والمباشر والمبتذل الذى تحول له إعلامنا ومجموعات واسعة من البشر فى هذه الدول التى تسمى أوطان.. فالكل يعرف أن النفاق أصبح سلاحا أيضا فى السلم للتسلق على أكتاف الآخرين والوصول إلى الكراسى اللاصقة ففى كل بقاع الكون تبقى الكراسى متعبة لطول الجلوس عليها إلا هنا فى هذه البقعة الممتدة من المحيط إلى الخليج.. هنا الكراسى لاصقة حتى ينتقل المسئول إلى العالم الآخر!!!
***
لا يمكن أن تهمل لغة كما العربية وأن تدمر كما يحدث يوميا على شاشات التلفزة وأن تلوث بالسواد كما بقع النفط على صفحات مياه الخليج.. لم يعد بها مساحة للإبداع أو حتى لو تواجدت فهى الآخر تقلص القائمون عليها والمتابعون لها حتى أصبحوا لا يعدون على أصابع اليد وأغلقت المكتبات أبوابها لصالح مقاهى ستاربكس المنتشرة.. ولم تبتذل الكلمة فقط بل والكتب أيضا، فكل من لا مهنة له امتهن الكتابة فى أشكالها المختلفة من الرواية إلى الشعر إلى المذكرات المغلوطة وغير المدونة بشكل دقيق حتى أصبح الأمر مدعاة للتهكم عندما يوصف حدث فى لحظة تاريخية معينة ويكون كل أبطال الحدث قد توفوا منذ سنين.. إلى هذه الدرجة يستهان بالكلمة والقارئ أى المتلقى معا.
***
هام الآخرون واستهووا ما يُكرر من كلمات عربية بطريقة غير مفهومة أو أن معناها يتحول بمجرد إسقاطها على واقعنا، فما تعنى الشفافية التى ينادى بها أكثرهم بعدا عنها، وماذا عن المشاركة حين تقطع ألسن كل الأصوات المختلفة، وماذا يعنى المديح الذى تحول إلى نفاق فج حتى يصاب المرء بالغثيان وحالة من الخرف من كثرة المنافقين على أرض صح لها أن تسمى أرض النفاق بجدارة.. ابتذلت الكلمات وشوهت اللغة التى كانت رمزا لوحدة نادرة على وجه هذه الأرض.. قال ذاك القادم من الاتحاد الأوروبى يوما أنه لا توجد ظاهرة مثلكم أى 22 بلدا بلغة واحدة وإن تنوعت لهجاتها.
***
دِيس على اللغة بالأقدام وتحول العدد الأكبر من خريجى المدارس والجامعات إلى أميى لغة وجاهلى الحروف.. ولزيادة المذبحة ــ أى مذبحة اللغة ــ تصور كثيرون بأن هذه اللغة قد اندثرت وعلينا الآن تحويلها إلى لغة «عصرية» تتماشى مع الكلمات المستوردة، كما هى البضائع المستوردة والقهوة بنكهة القرفة والكرميل.
***
صار مشهد الكتب المتربة على الأرصفة وقربها الأحذية فى فترينات زجاجية متألقة، مألوف جدا حتى أنه لم يعد يلفت نظر أحد لكونه تناقضا شديدا بين الكتاب الذى هو حامل وحاضن للكلمة والحذاء الذى يدوس الأرض ويمشى على الأوساخ!!! ولا يتهم من ساووا الكتاب بالحذاء، بل إنهم فضلوا الأخير عليه، فيما كان الشعر يعلق على الكعبة بأحرف سكنت الذاكرة حتى تربى الجيل الأول عليها وعشقها ورددها فى مناسباته المبهجة وتفاخر بها فى المحافل الدولية.. كان السياسيون فى الكثير من الأحيان شعراء أو هواة شعر ونثر ورجال الحكم وحتى كثير من العسكر!!.
***
لغة تموت يعنى أمة تتلاشى وينتشر بينها الجهل كالمرض المعدى.. ما يزيد من ابتعاد الشباب والشابات عن اللغة ربما لسوء التعليم والتدريس الذى تحول إلى تلقين، وربما كثرة كلمات النفاق عبر الأجهزة الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعى والمجالس الواسعة التى هى الأخرى تغير مفهومها وهدفها من كونها وسيلة لأن يلتقى الحاكم بالمحكوم إلى مساحة للتبارى فى فن النفاق، وعند الخروج ينال كل منافق ما تيسر من الأراضى والغنائم الأخرى، كل حسب درجة مديحه وتملقه وابتذاله.
***
عندما لا يعرف أبناؤنا من اللغة العربية الثرية والمليئة بالصور والمعانى الجميلة، سوى بضع كلمات يتصورون أنها الأهم من كل شهاداتهم وخبراتهم، فهنا يعم السفه ويبدأ الهبوط التدريجى على الأرض الرخوة والرمال المتحركة، وضياع للهوية ولجمال الحرف العربى فى الشكل والنطق والمضمون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ألف كلمة وحرف ألف كلمة وحرف



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,21 إبريل / نيسان

خسائر خام برنت تتفاقم إلى 24% في هذه اللحظات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon