توقيت القاهرة المحلي 13:32:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الشرع ــ السوداني ومسار التطبيع المؤسساتي والشخصي

  مصر اليوم -

الشرع ــ السوداني ومسار التطبيع المؤسساتي والشخصي

بقلم:مصطفى فحص

تدرك العاصمتان السورية والعراقية أن عصر تصدير المقاتلين والسلاح بين جانبَي الحدود قد انتهى، وأن النفوذ الجيوسياسي العابر للحدود، أي القادم من خلف حدودهما الوطنية، قد أُغلق، وأن الأبواب الآن مشرعة لعلاقة طبيعية بين البلدين، تبدأ من إعادة بناء الثقة على المستوى الرسمي، التي ستهيئ الظروف والمناخات الاقتصادية والاجتماعية لنقلها إلى مستويات أخرى. هذا المسار الحذر بينهما يحتاج إلى جهود كبيرة وصبر وإصرار، كونه سيواجه جملةً من العثرات السياسية والمواقف الآيديولوجية، وتاريخاً محتقناً وتراكمات دموية منذ أن سيطر حزب البعث عليهما حتى سقوطه.

من الإرث الدموي لنظامي البعث، الذي مزّق مشتركاتهما الثقافية والدينية والاجتماعية وعطّل نظام مصالحهما الاقتصادية المشتركة، إلى مرحلة سقوط جناحه العراقي عام 2003، مروراً بثورة الشعب السوري 2011، وصولاً إلى سقوط الجناح السوري 2024، وما بينهما من صعود لـ«السلفية الجهادية» السُّنية والأصولية «الجهادية الشيعية» اللتين استهدفتا مشتركاتهما الروحية والدينية بين مجتمعيهما وداخلهما، يفتح الرئيس السوري أحمد الشرع، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، مساراً جديداً من العلاقة بين بلديهما، يتجه تدريجياً نحو شراكة حكومية مباشرة وتعاون في مجالات عديدة، في أولوياتها اقتصادية.

إذ من الاتصال الهاتفي الأول الذي جرى في الأول من أبريل (نيسان) الماضي، الذي هنَّأ فيه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، نظيره السوري أحمد الشرع على توليه منصبه، كانت أولى خطوات السوداني الجريئة في ترميم العلاقة بين بغداد ودمشق، وما تلاها من لقاء في العاصمة القطرية الدوحة، ومشاركة دمشق في القمة العربية في بغداد، إضافةً إلى الزيارات المتكررة للمبعوثين والوسطاء، وصولاً إلى حديث الرئيس الشرع الأخير أمام مجموعة من الصحافيين العرب عن العراق والرئيس السوداني... كلها خطوات دبلوماسية مدروسة تعيد بناء الثقة بين القيادتين، وتمهّد الطريق لاستقرار دائم وتعاون عميق سيساعد تدريجياً على إزالة تراكمات المراحل السابقة.

يبدو الرئيس الشرع دقيقاً في حساباته العراقية، فيما الرئيس السوداني يُظهر مزيداً من جرأته بخطوات محسوبة. يُمسك الأول بقراره السيادي، أما الآخر فيعزز سيادة الدولة على قراراتها الاستراتيجية. والاثنان معاً يدركان أن استقرار العراق محكوم باستقرار سوريا، وأن سقوط نظام الأسد هو المكمّل لسقوط نظام صدام حسين، وأن استقرار العراق كان مستحيلاً قبل سقوط الأسد، الذي يعني رحيله للعراقيين والسوريين وقف مرور «الجهاديين» إلى العراق، ومنع تصدير الميليشيات إلى سوريا، وبأن الفرصة الآن حاضرة من أجل الانتقال إلى مرحلة مختلفة بينهما.

عبّر الرئيس الشرع عن المشتركات الاستراتيجية بين البلدين والشخصية مع الرئيس السوداني، ووصفه بالرئيس المؤسساتي القادر على اتخاذ القرار وتنفيذه، وهنا يمنح الشرع داخل سوريا شرعيةً سياسيةً وغطاءً وطنياً في علاقته مع بغداد، إذ يتعامل مع رجل دولة، وهو بذلك يريد أن يعكس صورة سوريا الجديدة أمام العراقيين والعرب.

بالنسبة إلى السوداني، فإن القيادة السورية الجديدة تعترف بالحكومة العراقية شريكاً إقليمياً، وتمنح العراق دوراً محورياً في محيطه العربي والإقليمي، ورسمت صورةً شخصيةً للسوداني بأنه شريك استراتيجي لسوريا الجديدة. فهذا المستجد عراقياً في العلاقة بين بغداد ودمشق، وبين السوداني والشرع، يصفه متابع عراقي للملف من زاوية عراقية بأن حديث الشرع عن السوداني يمثل حالة قوة للأخير تؤكد قوة موقعه في تركيبة السلطة. الأمر الذي ظهر في الاستجابة الإيجابية الشعبية والنخبوية العراقية لموقف الشرع، وبأن السوداني بات يشكّل حلاً لمعضلات ومشكلات كبيرة. ويضيف أن الملاحظة الأبرز هي خفوت الأصوات المعارضة للسوداني والمعادية للشرع، التي تتراجع سرديتها الآيديولوجية والسياسية لصالح الدولة ومصالحها الاستراتيجية.

وعليه، افتتح الرئيسان بوابة عبور دمشق نحو عمقها العربي الخليجي، ووصول بغداد إلى شواطئ شرق المتوسط من خلال مسار تطبيع يتجاوز الماضي بكل آلامه ونكباته.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشرع ــ السوداني ومسار التطبيع المؤسساتي والشخصي الشرع ــ السوداني ومسار التطبيع المؤسساتي والشخصي



GMT 13:32 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

على هامش «الدهشة»!

GMT 13:26 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح.. عندما تصبح الأزمة امتحانًا للوفاء

GMT 13:23 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

أصول المسألة الفكرية

GMT 13:20 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

نعم..التعليم.. التعليم !

GMT 13:18 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

كينز .. وفريدمان

GMT 13:14 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

النحاس باشا فى قسم الشرطة

GMT 01:59 2025 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

بريشته وتوقيعه

GMT 01:56 2025 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

قرارات بشار الغريبة

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 14:44 2025 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

بريجيت ماكرون تلتقي الباندا "يوان منغ" من جديد في الصين
  مصر اليوم - بريجيت ماكرون تلتقي الباندا يوان منغ من جديد في الصين

GMT 11:06 2025 السبت ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي السبت 04 أكتوبر / تشرين الأول 2025

GMT 16:54 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تلامذة غزة يستأنفون الدراسة تحت الخيام وسط الدمار

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

القمر في منزلك الثاني ومن المهم أن تضاعف تركيزك

GMT 10:48 2025 السبت ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء السبت 04 أكتوبر / تشرين الأول 2025

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:39 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحوت الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 03:34 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

استقرار سعر الذهب في الأسواق المصرية الثلاثاء

GMT 05:48 2013 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

كيلي بروك ترتدي ملابس ماري أنطوانيت

GMT 04:24 2021 الثلاثاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أخبار البورصة المصرية اليوم الإثنين 4 أكتوبر 2021

GMT 15:13 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال يضرب سواحل إندونيسيا وتحذيرات من وقوع تسونامي

GMT 19:42 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

أربع محطات فنية في حياة مخرج الروائع علي بدرخان

GMT 13:07 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

فضل الله والماشطة يوضحان موقف عبدالله السعيد

GMT 06:20 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

مؤسس "غوغل" يكشف عن سيارة طائرة بنظام "أوبر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt