توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بلاغة الخطاب السياسى

  مصر اليوم -

بلاغة الخطاب السياسى

عمار علي حسن

 وعبر اللغة يمكن منح الواقعة السياسية الواحدة معانى مختلفة، فعلى سبيل المثال، فإن غزو دولة لدولة أخرى، قد يعتبره خطاب سياسى معين «انتهاك سيادة دولة مستقلة»، بينما ينظر إليه خطاب آخر، خاصة الذى تصدره الدولة الغازية، على أنه «تحرير شعب من سلطة مستبدة»، وهذا ينطبق على الحالة العراقية الراهنة. وحين يتحدث المسئولون عن النفقات الحكومية على أنها استثمارات عامة، فإن لغتهم تبدو مفعمة بالألفاظ التى تنم عن الفخر، وعلى العكس يتم تغليف هذه اللغة بالتواضع إذا تم النظر إلى هذه النفقات على أنها ضرائب تدفعها الجماهير.

فليست السياسة سلعة مادية مثل الدراجة أو السيارة، وليست وجبة نتناولها، بل هى خطاب. والكلام أمر مهم فى الحياة اليومية للساسة، فنحن نتعرف على الأحداث السياسية من خلال الكلمات، التى نتلقاها من التحدث مع الساسة، أو قراءة الصحف، أو مشاهدة الأخبار المتلفزة. وإذا كانت الأنظمة السياسية تحاول بكل ما وسعها من جهد أن تكتسب الشرعية، فإن الشرعية تأتى، فى النهاية، من الخطاب، أى من اللغة.

واللغة تشكل نقطة تماس بين السياسى والأدبى. فالأدب استخدام خاص للغة، والنص الأدبى مجموعة من التراكيب اللغوية التى تعلق بعضها ببعض على نحو مخصوص، واللغة تتشكل أحياناً من أجل تحديد رسالة سياسية معينة. فالزخم الجمالى والموسيقى واللغوى الكامن فى أى نص هو نفسه أيديولوجيا، إذ إن الجانب الجمالى فى النهاية هو تعبير عن موقف فكرى معين، كما أن التصورات الأيديولوجية موجودة فى مجال التعبير اللغوى ومحكومة بمنطقه. فاللغة أداة للتحكم بقدر ما هى أداة للإبلاغ، وعليه فإن الصيغ اللغوية تسمح بنقل المعنى، وفى الوقت ذاته، تسمح بتشويهه. وبهذه الطريقة يمكن التأثير السيئ فى المستمعين وإعلامهم بالشىء ونقيضه، على السواء، أو لنقل إنه يمكن تضليلهم، فى الوقت الذى يعتقدون فيه أنهم يتلقون المعلومات الصائبة. ومن هنا تعد اللغة ذات طبيعة أيديولوجية. ومن ثم نظر بعض المفكرين العرب للأدب على أنه وسيلة مهمة؛ لبعث الروح القومية، والحفاظ عليها. لذا نجد أن مفكراً قومياً كبيراً، مثل ساطع الحصرى، يطالب الأدباء بأن يتحملوا مسئوليتهم تجاه المجتمع، ويؤمنوا بوحدة الأمة ولا يستسلموا لنوازع الإقليمية أو يندفعوا وراء فكرة العالمية، ويجندوا إنتاجهم الأدبى فى خدمة القومية العربية. وشبه «الحصرى» المنتوجات الأدبية من حيث تأثيرها الاجتماعى ببعض المصنوعات المادية، ورأى أن من الأدب ما يعمل عمل أسلحة الحرب والنضال، ومنه ما يعمل عمل آلات الحرث، ومنه ما يعمل عمل أدوات الزينة، مثل القلائد والأساور، ودعا الأدباء العرب لأن تكون كتاباتهم أسلحة فى مواجهة أعداء الأمة، ومحاريث تساهم فى زيادة إنتاجها وتقدمها.

ويقلب الخطاب السياسى الرسمى العربى فى أغلبه تلك النصيحة، التى «تسيس الأدب» متكئة على اعتقاد جازم فى التزام الأدب والأديب اجتماعياً وأيديولوجياً، ليرسم معالم مختلفة فى «تأدب السياسة» متكئاً على تصور مفاده أن الكلمات ذات الجرس القوى، القادمة من قلب البلاغة العربية القديمة، يمكن أن تكون قذائف توجه إلى صدر الأعداء، فى ممارستها للون من «الدعاية»، وبدرجة أكبر ستكون «معزوفة كلامية» تدغدغ مشاعر الجماهير، وتنفخ فى أوصالهم، ليتحمسوا فى صد العدو، وقت الحرب، أو لفت انتباه الجماهير الغفيرة بعيداً عن القضايا الواقعية الحقيقية، وقت السلم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بلاغة الخطاب السياسى بلاغة الخطاب السياسى



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt