توقيت القاهرة المحلي 20:34:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الشغالة

  مصر اليوم -

الشغالة

بقلم : كريمة كمال

 دائما ما تخطر على بالى كلما كان الحديث عن المرأة، هى بالنسبة لى نموذج للمرأة المصرية بحق لا تمتلك اسما شهيرا ولا سمعة كبيرة لكنها تمتلك واقعا قويا يثبت نفسه فى كل لحظة.. مرت سنوات طويلة منذ جاءت لى لأول مرة وعبر هذه السنوات لم أتوقف عن الإعجاب بمثابرتها وقدرتها على مواجهة الحياة.. هى طبقا للتعبير المصرى الدارج «الشغالة» وهو تعبير ينطبق عليها بحق فهى لا تتوقف عن الشغل، هى لا تكتفى بالذهاب لمنزل واحد فى اليوم لتؤدى مهمتها الشاقة، فهى تخصص نفس النهار الأول لمنزل ونصفه الثانى لمنزل آخر.. هى تبحث بأى وسيلة عن زيادة «الرزق» وهى من أجل هذا لا تكتفى بالتنظيف بل تعرض أن تأتى لك بالخضار من السوق وهى قادمة من أجل بضعة جنيهات زائدة، وهى تعرض أن تقوم لك بالطبخ إذا ما أردت.. بل هى تجمع أوراق الجرائد يوما بعد يوم من بيوت الزبائن لتبيعها لقاء جنيهات قليلة، وهى أيضا تجمع كل ما هو فارغ من زجاجات بلاستيك لتقوم ببيعه من أجل بضعة جنيهات زائدة.. هى تسعى فى كل السبل ولا تتوقف عن الشغل طوال الوقت.. مرت السنوات وهى تتحسب لقدوم زمن لا تقوى فيه على فعل كل هذا فتضع القرش على القرش وتبنى بيتا صغيرا تؤجر شققه لتساعدها على الحياة متى أعجزها الجسد عن الاستمرار فى الشغل.. هى لا تحمل على كاهلها عبء تدبير حياتها فقط، فقد خرجت من زواج فاشل بطفل صغير تخلى عنه والده تماما وصار كل حياتها تريد أن تأتى له بكل ما يريد.. ومرت السنوات وصار الطفل شابا يفوقها طولا لكن أعباء الحياة لم تخف فمازالت تعيل نفسها وتعيل طفلها رغم أنه بات شابا يسعى للرزق هو الآخر لكنها مع مرور السنوات ووهن عظام الساق لم تستطع أن تتوقف عن «الشغل» ومازالت من بيت لبيت، ومازالت تسعى وراء القرش، فالحياة باتت أصعب والغلاء بات غولا يأكل الجنيهات مهما كثرت، وهكذا باتت تتحرك بصعوبة وتحتال على نفسها لتصعد السلالم وتقسو على جسدها لتقوم بكل ما يطلبه «الشغل».. الأجمل أنها لا تشكو بل هى اعتادت على الضحك والسخرية رغم مشقة الشغل على الجسد الذى وهن، وعندما صار طبيعيا أن تسكن للراحة ليعولها ابنها أفاقت على صدمة تورط ابنها فى قضية جنائية وحبسه، فبدأت رحلة تدبير اللازم لأتعاب المحامين وللزيارات المتكررة التى تستلزم الكثير من النقود.. كانت الصدمة قاسية فالضربة أصابت كنز عمرها ابنها من لا تمتلك غيره من «شقيت» لتراه رجلا، لكنها كالعادة صلبت عودها وبدأت تسعى لتدبير النقود، بل بدأت تتقبل التجربة وتبحث عن كل السبل لمواجهتها على أمل أن يخرج لها يوما وعادت تضحك وتبتسم مرة أخرى رغم أنها تغالب دموعها وتستقوى على جسدها لتشتغل أكثر رغم أنها باتت تحرم جسدها من اللقمة التى يشتهيها ابنها فحرمتها على نفسها.

«الشغالة» تعبير شديد الدلالة عن امرأة تعيش لتعمل، وهذه المرأة هى فى نظرى نموذج للمرأة المصرية لأننى أعرف أن هناك مثيلات لها فى العديد من بيوتنا يحملن العبء ولا يتوقفن عن الشغل وكثيرات منهن لا يعلن أنفسهن فقط بل يعُلن أسرا بأكملها من أبناء بل أزواج قد يكونون عاطلين عن العمل أو عاجزين عن العمل، وتبقى «الشغالة» هى مصدر الرزق الوحيد للأسرة، تظل تدخل بيتا وتخرج من بيت وتمر السنوات ويهون الجسد من عبء الشغل والعمر، لكنها تبقى «الشغالة» التى لا تستطيع أن تتوقف عن الشغل، فالحياة لا ترحم والغلاء لا يرحم والعبء ثقيل.. وهى النموذج الحقيقى للمرأة المصرية.

نقلًا عن المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشغالة الشغالة



GMT 02:53 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

ما حققته احتجاجات الجامعات الأمريكية

GMT 02:52 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

عودة الاحتلال الكامل

GMT 02:50 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

رفح آخر أوراق «حماس»

GMT 02:47 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

... عن «الاستعمار» بوصفه «خطيئة أصليّة»

GMT 02:45 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

الهدنة الحائرة

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:11 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

ماجد المهندس يعلن عن مشروع فنى جديد
  مصر اليوم - ماجد المهندس يعلن عن مشروع فنى جديد

GMT 00:46 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

خلطات طبيعية للشعر بمفعول الكيراتين

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

الإفتاء المصرية تؤكد أن إنفاق المرأة فضل منها

GMT 14:21 2012 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فلنتعلم من الطبيعة

GMT 22:24 2021 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

تقارير تكشف حسم ريال مدريد صفقة ديفيد ألابا مجانًا

GMT 05:05 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

بدء طرح كراسات شروط الإسكان الاجتماعي في مصر الأحد

GMT 18:08 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

رسميًا واتفورد يقيل فلوريس سانشيز من تدريب الفريق

GMT 15:07 2019 الأحد ,23 حزيران / يونيو

أحدث موديلات فساتين السهرة للمحجبات في 2019
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon