وائل عبد الفتاح
على عكس كل التفسيرات كان صلاح عبد المقصود مهزوما وهو يوجه الفلتة الجنسية للصحفية.
الصحفية أحرجته.. واجهته بما لا يستطيع الإجابة عنه.. هو مبعوث التوجيه المعنوى من مكتب الإرشاد، فشل فى التوجيه ولم يملأ فراغ «وزير الدعاية» للديكتاتور.. فهو وديكتاتوره أشد بؤسا من مواجهة جمهور عادى، فما بالك بصحفيين لهم روح شابة ولم تعد السلطة تملأ عيونهم المفتوحة على ما لم يتربّ عليه الوزير.
الصحفية صغيرة السن، أربكت الوزير الخارج لتوه من سراديب جماعته، محميا بمناصبه فى صحافة لا يقررها أحد إلا بالأوامر.. هو لم يختبر ولم تظهر له موهبة إلا فى نيل رضا من يحملون مفاتيح المناصب، وهم أنفسهم من اختاروه مبعوثا فى مهمة لم يبق منها إلا دفاعه المتهافت عن نفسه، فى زلات تخضع لتفسير عالم النفس الشهير فرويد.
المبعوث لم يجد ما يواجه به هزيمته أمام الصحفية إلا محاولة إهانتها جنسيا، مستخدما أسلوب «الاعتداء اللفظى» على كيان إنسانى باختصاره فى فكرة الصيد الجنسى.
زلة اللسان ليست تعبيرا عن اشتهاء، وإن كانت كبتا جنسيا، وإحساسا بالضعف والعجز يعوضه صاحبه فى استعراض يهين به من انتصرت عليه.. إهانة فى خيال مريض.
والمدهش أن هذه الإهانة -ووفق لغة الشوارع حتى- لا توجه إلا من ذكر إلى ذكر يوضع هنا فى وضع الفريسة الجنسية.. أو يشار إليها لحظات المواجهة مع أنثى يشعر الذكر بقوتها.. فيحاول تعويض شعور النقص بهذا الاستعراض الجنسى.
المبعوث هنا كان يشبه الجندى الذى قفز لأعلى ووجه ركلة إلى «ست البنات».. ولم يسيطر على نظرات الاشتهاء.
ويشبه أيضا الشيخ الذى كان يصرخ فى الكليب ليثير الرعب فى امرأة يوجه لها التحذير الكبير «لست حرة».
يبدو الشيخ مذعورا وهو يثير الذعر.
كما أن الجندى كان مهزوما أمام جسد امرأة يقمعها علنا.
تبدو العلاقة بين من يحاول الوصول إلى السلطة والجنس، مركبة، وكاشفة عن حالة هوس مكبوت بالجنس.
وهذا ما يجعل الجنس حاضرا فى العقل المريض للمبعوث من مكتب الإرشاد ليوجه الشعب كله عبر قلعة التضليل ماسبيرو حاضرا بهذه العقلية التى تشبه نفسها بالرسول وصحابته.. ويتصورون أنهم يعلمون المجتمع أسس الأخلاق الرشيدة.
الجنس حاضر عند المبعوث كما كان حاضرا عند طلعت زكريا المشهور بالإفيهات الجنسية وهو يبكى على عصر مبارك، مؤكدا أنه رأى فى التحرير علاقات جنسية كاملة.
الهوس هنا بالجنس كمعادل للخيانة السياسية، هل الثوار نزلوا ميدان التحرير للحصول على مكان للجنس العلنى مثلا؟ ولماذا يسمون ذلك ثورة تريد إسقاط النظام؟
الممثل يدرك بالحس التجارى أن إثارة الهوس بالجنس أقصر الطرق إلى التأثير فى رأى عام ينتظر «فضيحة» ليتسلى بمتابعة تفاصيلها ويحمد الظروف أنه لم يكن طرفا فيها، وأخيرا يعلن عن طهارته بإطلاق اللعنة على الزمن الذى تغيرت فيه الأخلاق.
ضباط الأمن مهووسون بالإهانات الجنسية، ونجوم التطرف فى الدعاة مهووسون بالكلام عن الجنس والانشغال الحاد بجسد المرأة، حتى يكاد يتصور المشاهد العادى أن النساء يسرن فى الشوارع بالبكينى، وأنه لا بد من حرب أخلاقية.. أو أن أصل الفساد والاستبداد خروج المرأة من البيت والحل حبسهن جميعا فى مستعمرات عقاب.
إنه الجنس محرك الأفكار والعقول فى المجتمعات المحافظة، ومجازاته هى الأكثر انتشارا فى السياسة من ركوب السلطة إلى وصف فعل سياسى فاسد بالعهر.. إلى آخر تشبيهات الاستبداد بالفعل الجنسى.
الجنس هو أول الطريق للقهر السياسى.. وهذا ما حاول المبعوث بكل تربيته المعقدة فى حضانات الجماعة أن يفعله مع الصحفية التى انتصرت عليه.. وواجهته بما يعجز عن الرد عليه.
وها هو ذا قد فعلها مثل رئيسه.
نقلاً عن جريدة " التحرير "