توقيت القاهرة المحلي 12:23:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يفكرون ثم يفكرون ونحن نجوجل

  مصر اليوم -

يفكرون ثم يفكرون ونحن نجوجل

بقلم - جميل مطر

قبل سبع سنين سألتنى عن الماضى. أرادت تتعرف على هويتها وأصولها. لم أبخل فى الإجابة ولم أقصر. سألتنى عن تجاربى فى الحياة وعما أخفيته عن الناس وأخفيه عنها. أجبت بالمختصر والمفيد، وباللائق طبعا. بكل الثقة فى النفس وبكل الاحترام لذاتى الكبيرة أعلنت أنها معترضة على فقر التفاصيل التى جاءت فى إجابتى وبخاصة ما يتعلق بماضى الشخصى وانتقلت تسأل عن المستقبل.
• • •
كنت واثقا أن الحديث عن الماضى معها كما مع من فى عمرها أمر ضرورى لمصلحتها ومصلحتنا، ففى عمرها تتكون الهوية الأولى. تعلمت من اختلاط طويل بأصحاب هذا العمر من الجنسين أن لا هوية أولى إلا وفى جوهرها كثير من الماضى، ولا هوية ثانية أو بديلة بقيم منافسة إلا وفى جوهرها كثير عن المستقبل. لم أخف عنها، كما عن غيرها من شباب هذه الأيام، أنها ستتعرض قريبا للدخول فى منافسة شرسة ليس لأنها اختارت، أو اخترنا لها، أن تمارس نوعا من الهجرة التعليمية حتى وهى فى مصر، ولكن لأن أدوات العلم، والمعرفة عموما، فى دول المهجر تغيرت ثم استمرت تتغير.
• • •
قلت لها إن المستقبل، فى كل الأحوال، عندها وليس عندى. الشباب يصنعونه، أو يخضعون له، أو يتمردون عليه. أما نحن كبار السن والتجربة فسنكون دائما إن استطعنا، نراقب. نؤيد بالصمت أو نعترض بتردد وبالهمس إن دعت الضرورة. لا أظن أن لدينا ونحن فى هذا العمر المتقدم الكثير لنقدم بعضه إسهاما منا فى صنع المستقبل أو فى تطويره. لا تتعجلى فتتهمينى بخيانة فصيل من البشر أنتمى إليه بحكم العمر والخبرات المتنوعة. أنا لا أقلل هنا من قيمة ما نقدم ونحن فى هذا العمر المتقدم ولكنى ربما أبالغ وأعظم من قوة وقدر ما تقدمون أو تحلمون بتقديمه.
• • •
قلت لها «تعالى نناقش جزئية بسيطة جدا من مستقبل لم يستأذن قبل، أو عند، الدخول إلى حياتنا المعاصرة، وعلى كل حال لم نكن لنأذن له لو استأذن. تقدم وهو لا يخفى أنه لا يراعى حرمة ماضينا أو يحترم إبداعات عبقرياتنا فى فنون الأيديولوجيا ودقائق الفلسفة وغير مهتم بتنوع طرائقنا ومذاهبنا. مستقبل لا صبر لديه ولا حكمة حتى ينتظر وصولنا إليه. مستقبل لم يكلف نفسه جهد السعى إلينا، وفى نفسى ظن كبير بأنه ربما لا يرتاح لوجودنا».
• • •
سألتها، «يا فتاتى، من أين أتتك هذه المعرفة الأكيدة بنوع ولون وتفاصيل هذا المستقبل الذى تتحدثين عنه بثقة كبيرة وانحياز واضح. لعلمك، أنا لم أتقابل فى حياتى المتعرجة ولكن الطويلة والمكثفة بجيل فى مثل جيلكم. جيل ثابت الخطى تكاد رؤاه تتوحد وغير قابل لأن تقسمه عقائد أو طوائف. جيل لن تعنيه كثيرا رؤانا وتجاربنا ونوايانا، حتى الحواديت التى ورثناها على امتداد القرون لا تشدكم إلينا. اعذرينى يا صغيرتى إن قلت لك إننى أرى فى عيونكم شكوكا تتزايد فى معظم ما نقول أمامكم أو لكم. أكاد أقرأ فيها وأنا أتلو عليك ما حفظناه عن جدودنا وأمهاتنا من نصائح وحكم، أقرأ فيها ما معناه (نصايحك يا جدى على عينى وراسى، بس...). كلنا ونحن فى مثل عمركم تمردنا، أو بالغنا فى تضخيم ذواتنا الغضة، ولكن ما أقرأه فى عيون أبناء وبنات هذا الجيل وأحيانا تنطق بها شفاهكم، ليس تمردا ولا مبالغة، أقرأ شيئا آخرا أتردد فى وصفه».
• • •
أجابت، أو علقت، بقولها، «يا جدى، دعنى أصارحك فأنت ربما كنت الوحيد بين الكبار من حولى فى المدرسة وفى المجتمع فى بلدى أو فى بلد العلم والمعارف وفى العائلة الممتدة طولا وعرضا، كنت الوحيد الذى لم يحاول بكل النوايا الطيبة أو بغيرها فرض نوع أو آخر من الوصاية على عقلى.أصارحك القول بأن المسافة بين جيلى وأجيالكم كافة ليست قابلة للقياس بأى من المعايير التى تعودتم عليها. سألتنى، بين ما سألت وهو كثير، عن حدود فهمى للتعبير المتردد بشدة عند التعريف بالجيل الراهن من الشباب، أقصد (Generation Z). التعبير فى حد ذاته فضفاض وأخشى أن يساء فهمه واستخدامه. كثيرون يتصورون أن هذا الجيل يحظى باهتمام سبق أن حظى بمثله جيل الشباب فى كل زمان وكل مكان».
• • •
تابعت بالقول وبهدوء لا تعكسه طبيعتها «يا جدى، لا وجه شبه بين جيلى وأى جيل آخر، شباب أو غير شباب، ولعلك سمعت من شباب يعملون معك ما يؤكد ما أقول. رئيسى فى العمل، وفارق العمر بيننا لا يزيد عن عشر سنوات، كلفنى بإعداد ملف عن قضية متشعبة تقرر أن نشتغل عليها ونعد تقريرا عنها فى مدة لا تتجاوز الشهرين. انتهيت من إعداد الملف والتقرير عن القضية خلال أيام وسلمته له قبل نهاية الأسبوع. بدا لى غير مصدق وهو يراجع التقرير ويتصفح فى صفحات الملف. سألنى عن عدد الزملاء الذين اشتركوا معى فى هذا العمل أجبت بأننى قمت به وحدى، وأضفت قائلة، وأى زميل لى من الشباب المعينين حديثا كان يستطيع أن يقوم بنفس العمل وفى حدود أيام قليلة».
• • •
تابعت «يا سيدى أنتم من جيل يقضى معظم وقت العمل يفكر، يفكر بحثا عن منهج أنسب لتنفيذ المهمة ويفكر سعيا للتعرف بسرعة على خلفية الموضوع وجريا وراء معلومات ودراسات وتقارير وأسماء الخبراء والمتخصصين فيه، يقدح ذهنه ويفكر فى حل ببدائل متعددة وفى الصيغ المناسبة عند إعداد التوصيات والاقتراحات، يفكر فى نفسه ومستقبله. يفكر فى تشكيل مجموعة تساعده وتراجع معه ما عمل وما أنجز وما اقترح وما لم يقترح. سيدى، أنتم تقضون معظم الوقت المتاح لكم تفكرون. شركتنا تدفع لنا لننتج وننجز لا لنفكر. أنتم تفكرون أكثر مما يجب وخارج عما يجب، جيلكم نشأ ونضج وهو يفكر وتقدم به العمر وما يزال يفكر».
• • •
أضافت «سيدى.. أنتم من جيل تفكرون وتفكرون ثم تفكرون فتنجزون بعد حين، ونحن من جيل نجوجل وندردش ونوظف أدوات جديدة من الذكاء لننجز فى التو واللحظة ولنوفر لكم ولنا وقتا ومالا، ولكن هذا موضوع يستحق أن نناقشه مرة أخرى خلال زيارتى القادمة لمصرنا الحبيبة. أستأذن منك لأنصرف فقد أزف موعد سفرى.أشوف وشك بخير يا جدى Auf wiedersehen».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يفكرون ثم يفكرون ونحن نجوجل يفكرون ثم يفكرون ونحن نجوجل



GMT 10:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل سوريا بين إسرائيل… وأميركا وتركيا

GMT 10:22 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيز إسرائيل على طبطبائي… لم يكن صدفة

GMT 10:20 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

خطورة ترامب على أوروبا

GMT 10:15 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

المفاوض الصلب

GMT 10:12 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مشكلتنا مع «الإخوان» أكبر من مشكلات الغربيين!

GMT 10:07 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

إعلان الصُّخير... مِن «دار سَمْحين الوِجِيه الكِرامِ»

GMT 10:04 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

اصنعوا المال لا الحرب

GMT 09:57 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

توسعة الميكانيزم... هل تجنّب لبنان التصعيد؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt