توقيت القاهرة المحلي 12:09:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اعترافات ومراجعات (42) العرش والمرض

  مصر اليوم -

اعترافات ومراجعات 42 العرش والمرض

بقلم - مصطفي الفقي

ترسخت فى وجدانى قضية التعادلية فى الحياة، فالدنيا تعطى باليمين وتأخذ بالشمال فى إيقاعٍ حياتى يرتبط بمسار البشر والتأرجح صعودًا وهبوطًا، وعندما كتب المصرى العظيم توفيق الحكيم عن منظور التعادلية استقر فى يقينى أيضًا أن الحياة تعطى أحيانًا خمسين بالمائة صحة وخمسين بالمائة مالًا، وقد يكون توزيع النقاط المائة فى حياة كل فرد محكوًما بمعادلات مختلفة: صحة وسلطة، شهرة وعاطفة، ذرية ومالًا، ألم يقل الله سبحانه وتعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، ويحفل التاريخ بانتكاسات بعد ازدهار وتراجع بعد صعود، والأمثلة لا تنتهى.

هل نسينا نكبة البرامكة فى العصر العباسى، بعد أن قويت شوكتهم حتى قلق منهم الخليفة ذاته، حيث دانت لهم السلطة والثروة والجاه والشهرة؟، فكانت نكبة البرامكة نموذجًا للسقوط من أعلى الهرم فى مجتمعها إلى السفح، بعد أن طارت رؤوس بحد السيف وتساقطت الرقاب استجابة لحقد دفين أو لغيرة مستترة، ولقد قال الداهية معاوية بن أبى سفيان: ما من دار مُلئت حبرة إلا ومُلئت عَبرة، فالتلازم بين السعادة والتعاسة يبدو مصدرًا ثابتًا لقواعد الحياة فى كل العصور، وليس صحيحًا أن الدنيا تعطى كل شىء، فهناك حالات كثيرة لا نرى منها إلا الجانب المشرق، بينما الأمر على الجانب الآخر يفيض تعاسة وألمًا،

ومازلت أكرر عبارة أبى الراحل- وقد كان حكيمًا هادئًا- حين كان يقول لى: «اعرف أنه إذا زهزهت لك الدنيا فإن القادم قد يكون مختلفًا تمامًا»، ولا تزال تلك الأفكار والرؤى تلوح أمامى، فأتوقع مع الخير احتمالات الشر ومع الشر بوادر للخير، فالفرج يأتى بعد ضيق والعسر قد يأتى بعد رخاء، والدنيا ليست على وتيرة واحدة، فهى تعطى بيد وتأخذ بأخرى كما أسلفنا، وها هو الملك المثقف، الذى يُعتبر ملك الملوك بحق، فهو يجلس على أكثر العروش شهرة، وهى الإمبراطورية التى كانت لا تغرب عنها الشمس من اتجاه إلا لتشرق فى جانب آخر من الإمبراطورية العظمى.

بينما أصبح التاج البريطانى حاليًا معبّرًا عن أستراليا وكندا وعدد من دول الكومنولث وبعض المستعمرات النائية، ولقد ظل ولى عهد بريطانيا لما يقرب من سبعين عامًا فى انتظار العرش الموعود وأمه الراحلة تتمسك بمقعدها حتى النفَس الأخير، وأنا أزعم أننى أعرف الملك تشارلز عن قرب فى ثلاث مناسبات الأولى دعوة على العشاء فى منزل السفير البريطانى بالقاهرة فى مطلع هذا القرن مع عدد قليل من الشخصيات المصرية احتفالًا بزيارة الأمير، الذى دخل علينا قاعة القصر وهو يرتدى الزى الاسكتلندى تأكيدًا لوحدة الإمبراطورية رغم انكماش دورها وتراجع تأثيرها.

وأتذكر أن السفير البريطانى ألقى كلمة تحية لولى العهد، الذى لم يرد بكلمة مماثلة، واكتفى بالتصفيق مع الحاضرين عند نهاية كلمة السفير، وقد دفعنى الفضول وسألت مَن يعرفون تفاصيل التقاليد البريطانية، فقيل لى إن أفراد الأسرة الملكية إذا تمت تحيتهم بكلمة مناسبة، فإنه لا يُتوقع منهم الرد وفقًا للتقاليد الملكية وسموها فوق الجميع، وعندما توليت موقعى أول رئيس للجامعة البريطانية فى مصر، وفى يوم الافتتاح عام 2006، رافقت الأمير تشارلز والسيدة قرينته، فى حضور قرينة الرئيس الراحل مبارك، التى كانت ضيف شرف الافتتاح.

ويومها سألت الأمير البريطانى عن سبب اهتمامه الملحوظ بالديانات السماوية وحرصه على إبراز احترامه للإسلام والمسلمين والابتعاد تمامًا عن كل ما يسىء إليهم، فأجابنى الأمير المثقف بأن ذلك كان نتيجة اهتمامه بالعمارة الإسلامية والقِباب والمآذن فى المساجد التاريخية، فبدأ يقرأ عن الإسلام، وألقى محاضرته الشهيرة فى جامعة أكسفورد حول مكانة الإسلام بين الديانات الإبراهيمية، كما ألقى بعد ذلك محاضرة مماثلة فى ذات الموضوع فى جامعة الأزهر الشريف فى مصر، ثم كان اللقاء الثالث والأخير فى عام ٢٠٢١ عندما استقبلته كمدير لمكتبة الإسكندرية.

حيث قضى الأمير وقرينته وقتًا ممتعًا فى تلك المؤسسة الثقافية العلمية، التى تتيه بها مصر وتفتخر دائمًا، وقد تفضل الأمير يومها، وقال لى إنه يترأس- كولى عهد- إحدى الجمعيات الكبرى ذات الطابع الثقافى، ويدعونى إلى إلقاء محاضرة فيها، خصوصًا أننى قلت له إننى فى آخر زيارة للندن منذ عامين ألقيت محاضرة فى مجلس العموم البريطانى بدعوة من الجمعية المصرية البريطانية التى يترأسها أ. سمير تكلا، وذكّرت الأمير حينها أننى أكبره بسنوات أربع بالتمام والكمال، فنحن نتفق فى يوم الميلاد، مع اختلاف السنوات.

لذلك أصابنى فزع كبير وحزن عميق وأنا أشاهد على شاشات التلفزة الملك تشارلز الثالث فى بداية رحلة مرضه التى أرجو له الشفاء منها جزاء ما قدم للثقافة الإنسانية والدارسات الحضارية من جهد ودعم عبر مسيرة عمره، والطريف أن العاهل الأردنى الراحل الحسين بن طلال يشترك معنا فى يوم الميلاد مع سنوات أسبق، وقد عانى من ذات المرض الذى يعانى منه الملك البريطانى، مع اختلاف المراحل ودرجات المرض.

ولا بد أن أُثنى هنا على بعض خصال الملك تشارلز التى لاحظتها، وهى أنه مستمع جيد للغاية، ولا يقاطع أحدًا فى حديث، ويعطى اهتمامًا واضحًا لما يقوله الآخرون، فضلًا عن تواضعه وبساطته رغم القيود البروتوكولية الصارمة لبلاط سان جيمس، بقى أن أتمنى أن يبتعد عنه المرض وأن يستقر له العرش ويحكم تشارلز الثالث بما يستحقه فى ذاكرة التاريخ الذى انتظره طويلًا!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 42 العرش والمرض اعترافات ومراجعات 42 العرش والمرض



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt