بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
صادفتُ قبل أيام خبرًا عن احتفال مثقفين وإعلاميين فرنسيين ببلوغ المثقف الكبير ريجيس ديبريه عامه الخامس والثمانين. لم ينل ديبريه حقه فى الشهرة العالمية رغم أهمية إسهاماته الثقافية والفكرية ودوره الثورى فى فترة مبكرة من حياته. ولهذا الدور قصة تستحق أن تُروى.
شارك ديبريه، فى النصف الثانى من ستينيات القرن الماضى، فى حلم تحرير أمريكا اللاتينية من الاستعمار الاقتصادى الأمريكى والسلطات المحلية المتواطئة معه فى عدد من بلدان هذه المنطقة. وصحب المناضل العالمى شى جيفارا إلى بوليفيا التى كانت آخر وجهاته الثورية بعد أن غادر كوبا إثر ازدياد خلافاته مع رفيق كفاحه الزعيم فيديل كاسترو. وشارك ديبريه فى الفصل الأخير من نضال جيفارا الذى اعتُقل فى أكتوبر 1967, وأحزن إعدامه كُثُرًا فى أنحاء العالم. وأذكر أن الفنان الكبير الشيخ إمام عيسى غنى وقتها إحدى أكثر أغانيه تأثيرًا. كتب الشاعر الفنان أحمد فؤاد نجم فى مطلع تلك الأغنية: «جيفارا مات آخر خبر فى الراديوهات .. مات المناضل المثالى ياميت خسارة ع الرجال .. مات الجدع فوق مدفعه جوة الغابات .. جسد نضاله بمصرعه ومن سُكات.. لا طبالين يفرقعوا ولا اعلانات...».
كان ديبريه قد اعتُقل فى أبريل 1967 قبل شهور من أسر جيفارا، وتعرض لتعذيب شديد لكى يفصح عن مكان وجود رفيقه، ولكنه صمد حتى دخل ديبريه فى غيبوبة لفترة غير معروفة، ولكنه أفاق وهو معتقل ومحكوم عليه بالسجن لمدة ثلاثين عامًا.
لم يفقد ديبريه ثوريته بعد الإفراج عنه وعودته إلى فرنسا، ولكن وهجها انطفأ مع اقترابه من الرئيس الفرنسى الأسبق فرانسوا ميتران، وارتباطه بالحزب الاشتراكى دون أن ينخرط فى عضويته. فقد غلبت اهتماماته الثقافية والفكرية دوره السياسى، إذ قدم إسهامات مازال بعضها يثير جدلاً، خاصةً ما كتبه عن انحسار دور المثقف العضوى لعوامل من أهمها إغراء الظهور الإعلامى.
وما برح لكتابيه «السلطة الثقافية فى فرنسا» و«الميديالوجيا» أهميتهما رغم أن زمن «السوشيال ميديا» تجاوز بعض أطروحاته فيهما.