بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
لم يكن لقاءً عاديًا بأى حال ذلك الذى جمع الإمبراطور الفرنسى نابليون بونابرت والشاعر والروائى الألمانى يوهان جوته عام 1808. كان نابليون وقتها هو سيد أوروبا بلا منازع. وكان جوته أعظم كاتب فى أوروبا. فيا له من لقاء بين قائد سياسى وعسكرى يقل مثله، وشاعر وروائى كان مرموقًا فى زمنه، ومازال فى تاريخ الأدب الأوروبى والعالمى. لقاء حدث فى ظروف غير عادية أيضًا، إذ سبقه احتلال نابليون جزءًا من ألمانيا ضمن الأراضى الأوروبية التى احتلها فى ذلك الوقت، وشملت إيطاليا وأجزاء من بلجيكا والنمسا وألمانيا.
وكان اللقاء فى فايمار الألمانية التى وقعت تحت الاحتلال الفرنسى. ومع ذلك لم تكن السياسة هى الغالبة فى النقاش الذى دار بين الإمبراطور والأديب. فقد فضل نابليون فيما يبدو أن يبتعد عن حديث السياسة، فأجرى نقاشًا أدبيًا مع جوته انطلاقًا من إطرائه رواية «آلام الشاب فيرتر» التى كانت من أكثر أعمال الأديب الألمانى شهرة، إلى جانب مسرحية «فاوست» بطبيعة الحال.
وربما دُهش جوته عندما أخبره نابليون بأنه قرأ هذه الرواية عدة مرات، ودلل على ذلك بعرض رؤيته النقدية لها. و«آلام الشاب فيرتر» رواية رومانسية قصتها بسيطة ولكنها مكتوبة بأسلوب يوصف بأنه بديع ومُبدع ومشوق فى آن معًا. وهى تروى قصة الشاب فيرتر الذى أحب حبًا ملك عليه نفسه فلم يعد يرى فى العالم سوى حبيبته شارلوت التى عشقها حتى الثمالة. وكان فيرتر شابًا رهيف الإحساس سريع الانفعال بخلاف حبيبته التى لم تتجاوب معه لأنها كانت متزوجة ولم ترد ترك زوجها، فسعت لإقناعه بأن حبه لها مستحيل ثم صدته بعنف فى النهاية، فقرر أن ينهى حياته ومات منتحرًا بعد أن ترك لها رسالة تعبر عن مدى العذاب الذى عاناه فى حبها.
ولعل أهم ما فى ذلك اللقاء أن نابليون حاول إقناع جوته بالانتقال إلى باريس لتحقيق نهضة ثقافية تقودها فرنسا. فكان الإمبراطور الفرنسى يريد أن يدعم توسعه العسكرى فى أوروبا بهذه النهضة. ولكن الأديب أحبط سعيه وفضل البقاء فى بلده.