توقيت القاهرة المحلي 12:18:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماذا بين الإمارات وسوريا؟!

  مصر اليوم -

ماذا بين الإمارات وسوريا

بقلم: عماد الدين أديب

كيف يمكن أن نفهم الاتصال الهاتفى الذى أجراه الشيخ محمد بن زايد مع الرئيس بشار الأسد؟

وقبل أن نسمع ونقرأ ونشاهد مليون نظرية حول أول اتصال بين ولى عهد أبوظبى ورئيس سوريا منذ العام 2011 يمكن شرح مداخل أساسية فى هذه المسألة يمكن تحديدها على النحو التالى، وكلها مبنية على معلوماتى الشخصية وتحليلى الذاتى الذى أتحمل - وحدى - مسئوليته:

أولاً: العنصر الإنسانى

المحرك الأول للإقدام على كسر هذا الحاجز النفسى مع دمشق عقب الحرب الأهلية السورية وكل ما نتج عنها هو أن هناك مليون مواطن ومواطنة فى سوريا يعانون من نقص الاحتياجات الأساسية منذ أكثر من عام كامل، أى بعد تضرر إيران من المقاطعة الأمريكية وانخفاض دعمها لسوريا.

والراصد والمتابع للملف المحلى السورى سوف يلاحظ تدهور الوضع المعيشى فى الداخل السورى، خاصة عقب المقاطعة الدولية لإيران، التى كانت بمثابة الداعم الأكبر للحكم فى دمشق، وفى العام الأخير هناك تزاحم شديد على محطات البنزين، ونقص فى المحروقات، وارتفاع قيمة الدولار أمام الليرة، وزيادة معدل التضخم، ونقص فى الأدوية، وانخفاض فى مستوى الخدمات الأساسية، ويحدث ذلك فى ظل وجود 3 مشكلات إنسانية كبرى: مشكلة لاجئين، ومشكلة نازحين، ومناطق منعزلة محاصرة مدمرة.

هذا المناخ الضاغط إنسانياً، والخانق اقتصادياً، بصرف النظر عن نوعية الحكم أو الحكام، يدفع ثمنه باهظاً الشعب السورى الصبور الذى يعانى فى ألم وعزة نفس، وفى ظل هذا المناخ يمكن لفيروس قاتل مثل كورونا أن يفتك بدولة مأزومة هشة قابلة للانهيار، ويجعل مقاومتها وحصانتها ضد «كورونا» مليون ضعف فى الخسائر البشرية.

وهنا نقول: إذا كانت لندن وباريس وبرلين ونيويورك وطوكيو وغيرها من أكبر عواصم العالم المتقدم على حافة الانهيار أمام مخاطر الفيروس فما بالنا بالصبورة «دمشق»؟

ثانياً: الجانب العملى الواقعى

بصرف النظر عن طبيعة الحكم أو الحاكم فى أى زمان ومكان، هناك عناصر ثابتة غير متغيرة فى التاريخ والجغرافيا.

الحاكم، والحكومات، والأنظمة، يذهبون ويجيئون، أما التاريخ والجغرافيا فهما حقائق ومصالح استراتيجية، وكانت سوريا، وستظل، تحتل موقعاً حاكماً فى غرب آسيا، يحدها من الشمال تركيا، ومن الشرق العراق، ومن الجنوب الأردن، ومن الغرب لبنان وفلسطين والبحر الأبيض المتوسط.

سكان سوريا يمثلون 7٪ من تعداد سكان العالم العربى، أى حوالى 20 مليون نسمة، وتؤكد الحفريات القديمة أن أول آثار بشرية كانت فى دمشق التى تُعتبر أقدم عاصمة فى التاريخ، والتأثير الواضح للوضع الداخلى السورى له تداعياته المباشرة على: فلسطين ولبنان وإسرائيل والأردن وتركيا والعراق والسعودية، وهناك حقيقة ثابتة أكدها الكولونيل سيف الذى لُقب باسم شريف باشا الفرنساوى أن من يتحكم فى دمشق فقد تحكم فى المشرق وبلاد الشام، وأصبح لديه تأثير استراتيجى فى سلسلة جبال «طوروس» الحاكمة فى آسيا.

ثالثاً: عنصر ملفات أزمات المنطقة، وفى سوريا هناك جيوش روسيا وإيران وميليشيات الحشد الشعبى وحزب الله وداعش وجبهة النصرة و88 فصيلاً ميليشياوياً.

ذلك كله يتم بأموال إيرانية، وتركية، وقطرية تعبث فى خارطة الصراع وساحات القتال فى ظل غياب عربى واضح منذ أكثر من خمس سنوات.

وسوريا هى مسرح عمليات لطيران التحالف الأمريكى، والضربات النوعية الإسرائيلية، والغزو والاحتلال التركى، وتداعيات مشروع الدولة الكردية.

والإمارات التى تجد نفسها منذ خمس سنوات فى خندق مضاد للتهديدات الإيرانية، والتى تحارب الحوثيين المدعومين من طهران فى اليمن، والتى تقف فى ليبيا مع الجيش الوطنى مقابل جبهة الوفاق المدعومة تركياً، تدرك أن دوراً نشطاً فى سوريا سيمكّنها من التأثير على هذه الملفات.

تركيا التى نقلت الميليشيات المعادية للأسد من سوريا إلى ليبيا لنقل الصراع ضد الإمارات إلى ساحة طرابلس وتهديد الحدود المصرية الليبية سوف تكشف الآن أن الدور الإماراتى النشط فى سوريا هو هجوم مضاد قوى وذكى ضد المشروع التركى القطرى فى ليبيا والمنطقة.

العنصر الشخصى فى هذه المسألة يتلخص فى طبيعة صنّاع القرار فى أبوظبى الذين يجمعون بين مزيج نادر من «شهامة الإنسانية وواقعية المصالح الاستراتيجية»، ومنذ عهد الوالد الرئيس الشيخ زايد - رحمه الله - لم تتخل هذه الدولة عن دعم الأشقاء.

الإنسانية، التاريخ، الجغرافيا، المصالح الاستراتيجية، السياسة البراجماتية، كلها تفسر الخطوة التى أقدم عليها ولى عهد أبوظبى بشجاعة.

ولا يخفى على المتابع أن الإمارات كانت قد أعادت نشاط سفارتها فى دمشق عام 2018 وتمت دعوة كبريات الشركات السورية فى معرض دبى التجارى خلال الشهر الماضى، والخط المتفق عليه فى بيان وكالة الأنباء السورية، الصادر فى الإمارات، وتغريدات كل من الشيخ محمد بن زايد، والدكتور أنور جرجاش وزير الدولة للشئون الخارجية هو أن الاتصال أكد دعم الإمارات «للشعب» السورى الشقيق فى مواجهة فيروس كورونا على أساس أن التضامن الإنسانى يعلو كل اعتبار، والمحادثة الهاتفية مقدمة لتغيير الكثير من التوازنات فى المنطقة، وللتأثير داخل سوريا.

ولعل أحد أهم دروس التجارب السياسية أنك لا يمكن أن تطفئ النار داخل منزل وأنت بعيد عنه، ولا يمكن التأثير بفاعلية فى ملف وأنت بلا خطوط اتصال.

والأيام المقبلة حبلى بتطورات حقيقية لاستعادة «الدور السورى» عربياً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا بين الإمارات وسوريا ماذا بين الإمارات وسوريا



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon