وائل عبد الفتاح
- 1 -
... إنها حرب بين المومياء والوحش. هذا قدرنا وواقعنا السياسي الذي لا يجب التعالي عليه ولا اعتباره نهاية المطاف أو السقوط اللانهائي في الرمال المتحركة. الأحداث التي عشناها في ثلاث سنوات ونصف تشير إلى أن هناك ما يقاوم السقوط، وأن المومياء الباقية في أنظمة الاستبداد القديم تقاوم الوحش الذي يخرج مثل فرانكشتاين من بين أكوام النفايات المتراكمة من سنوات ما بعد الاستمرار. هي حرب «داعش» و«الدولة القديمة...» لمن يعتبرها قدراً ومستقبلاً، هذا هو اليأس؛ ولمن لديه أمل وتفاؤل تاريخي هي نهاية مرحلة كاملة... وإنهاء لكليهما المومياء والوحش، أما التاريخ فله مسار آخر تبدو فيه الحرب جزءاً من صيرورة أو عملية لم تعد تقوى المومياء على النهوض بها... كما أن الوحش سيأكل نفسه أو يأكله صانعوه.
إننا نعيش في الأسطورة/الخرافة... لكنها للأسف واقع كامل الأوصاف.
- 2 -
.. في مصر الحكومة الجديدة ليست إلا طبعة محسّنة من إنتاج «المومياء». وهذه الطبعة إشارة خطر على حكم الجنرال الذي يبدو أنه ينعم لوحده بجوار المومياء التي تدفع قطاعات شابة ولدت مع يناير 2005 إما إلى السجن أو العودة إلى المخابئ الشخصية.
.. وفي العراق لا حلّ أمام المالكي الا استدعاء طائفيته أو الكشف عن حقيقة «المومياء» التي قدّمت نفسها بأقنعة الديموقراطية... لكنها في الحرب مع الوحش فرانكشتاين لا جيش أمامها إلا جنود المومياء، بكل خرافة مستحيلة حتى صدام وعزة الدوري.
المتوحشون الذي يلعبون بالجماجم مباراة كرة القدم... ليس أمامهم إلا مومياء لم تعد قادرة على إخفاء تشوّهها البنيوي، رغم أنها الأمل كل الأمل كي لا يأكلنا الوحش...
- 3 -
حتى لبنان يبحث عن «المومياء» ليواجه بها الوحش أو ليكون مخرجه.. فلم تعد صيغة «اللادولة» قادرة على عبور آمن إلى «مربع الحرية» القديم في المنطقة... فالوحش الذي لا تعرف لحظة ولادته شاركت المومياء نفسها في تلك الولادة لتحمي نفسها من التغيير... الدولة في حربها الخرافية ضد التغيير منحت المخلوق الفرانكشتيني مبررات الوجود، كطرف فعّال، أو كأداة في أطراف دولية وإقليمية تبحث عن أدوات...
إنها قصة أسامة بن لادن والقاعدة تتكرّر مع «داعش»، حيث التمويلات من دول تشعر بالتهديد منهم الآن... وكأن تخليق الكائن المخلوق من النفايات، الذي يكبر ويلتهم صنّاعه، هي أنجح عروض هذه المنطقة....
ليس هناك إسلامي معتدل إذن..
كلهم يشربون من البحيرة المسمومة نفسها... يتخيّلون أنهم أنبياء ومرسلون وصحابة في مهمة «هداية» هذه المجتمعات... والهداية تتم بالإخضاع أو القتل أو تدمير الحياة. إنهم يأكلون حياتنا، يدمّرونها بالخوف منها أو عليها....
كل منهم فرانكشتاين يأكل روحه ثم يستدير ليلتهم كل شيء حي إلا ما يتغذى عليه من نفايات... تراكمت بكل عفنها وانحطاطها ودمويتها لتصبح تلك الكائنات المخيفة... المدمرة... مَن يموّلهم؟
هل يصلون القاهرة أو بيروت؟
عندما كان صدام حسين يقف متباهياً على أطلال بغداد أنه الزعيم والقائد بينما قتل كل شيء حي في العراق، كانت «داعش» مولوداً صغيراً يرعاه الزرقاوي وأيمن الظواهري... كانت البذرة في تلك التفاهات التي حكم بها صدام وتحوّلت إلى أسلحة تفتك بالحياة وتحيل البشر إلى وحوش بلا قلب، لكنها تحمل بنادق وصواريخ حديثة....
الجيوش لا يمكنها التصدي لـ«داعش» أو جيلها من ميليشيات الدمار الشامل... «القاعدة» وصلت أبراج نيويورك رمز أميركا وبهاء طلعتها... لكن أميركا لم تتدمّر ولا هي تنهار...
فالاختراق الأمني يمكن مداواته، لكنّ تدمير المجتمع، كما فعلت كل الانظمة الاستبدادية، هو الأرض التي تدخل عليها «داعش» وأخواتها...
العراق مات قبل أن تصله «داعش».
منذ أن تصوّر المستبد أنه إله يصنع معجزات والبلاد مجرد وحي من إلهامه.. حين تخيّل الحاكم أنه هو البلد والبلد هو... هنا سقط العراق وأصبحت دولته متاحة لتأكلها ميليشيات من جنسيات مختلفة يبحثون عن ذواتهم الضائعة بالقتل والدمار...
وكل بلد لها «داعش» تنتظرها في الظلام، لتأكلها وتمصمص عظامها وروحها المنهكة... كل بلد تستنهض المومياء فيها لتحارب الوحش...
وهذا واقعنا الذي يجب أن نمعن النظر فيه لا أن نسقط أمامه إحباطاً أو يأساً أو هرباً.