توقيت القاهرة المحلي 03:00:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المومياء تظهر للكومبارس

  مصر اليوم -

المومياء تظهر للكومبارس

وائل عبدالفتاح

مبارك.. مومياء سياسية وإنسانية مومياء ترفض الرحيل/ تتعلق بالبقاء الأبدى كما يليق بمحترف تدمير الشعوب.. مبارك وتلويحته إشارة من عالم ميت يريد السيطرة على الحياة المقبلة.. تلويحة المومياء تدل على تهاوى قواه، فهو لم يقدر إلا على الالتصاق بالزجاج.. لم تسعفه طاقته الجسدية على الوقوف صلبًا. كما أن القوى التى تتعلق به لم يشعلها سوى رومانسية مبتذلة ترسم قلوبًا كبيرة وتقف تحت النافذة بأعدادها الهزيلة.. يتعلق مبارك بخرافته الشرسة وتتعلق جماهيره البائسة بإمكانية استمراره فى السيسى. جماهير كانت منبوذة منذ ٢٥ يناير ٢٠١١ وتعمل تحت عنوان «آسفين يا ريس».. لتلعب دور الكومبارس المهووس الذى يختفى خلفه النجوم من أصحاب المصلحة فى استمرار دولة الاستبداد والفساد.. العشرات المهووسة التى تحمل لافتات مرسومًا عليها قلوب خلفها مصالح تريد أن تبعث بعد موتها وشبكة يعاد تشغيلها.. لهذا يبحثون عن تلويحة المومياء التى رعت الانحطاط ٣٠ سنة.. ولهذا كان المشهد مستفزًّا، رغم بؤسه، لأن هناك من يسعى إلى أن يكون القادم امتدادًا للمنزوى فى زنزانة طبية. مشهد بائس للمومياء فى استعراضها المثير للشفقة.. فى تنافسه على مكان فى مستقبل يريدون غرقه فى بحيرة الماضى، حيث يسكن التمساح العجوز فى زنزانة ذكرياته وصبغة شعره ومكياجه المستعاد من زمن استبداده. ديكتاتور يلوح من المستشفى لكومبارس يمدون جسورًا افتراضية خارج الزمن.. يمدونها فى بؤس علنى، بينما يراد لها أن تبقى فى تلك العتمة التى يتقاسمون فيها كعكة التُهمت من قبل. كتبت من قبل عن الرحلات إلى المومياء/ يلتقطون صورًا بجواره/ قطعة حية من زمن يموت/ ومبارك لا يخذلهم يضع الصبغة على شعره ويكمل مكياجه القديم/ ليبدو فى صورة نَضِرَة مع نظرته نصف المنهكة. يتكلم مبارك كثيرًا/ ويحدث مساعديه الذين خرجوا حديثًا من مزرعة طرة.. وقبل أن يختم مكالمته يضحك وهو يقول: «.. أنا عارف إنهم بيسجلوا لنا..» يظهر مبارك كأنه خبير أنتيكات قديمة/ يتخيل أن عالمه لا ينتهى/ أبدى/ وأنه «العالم.. » وليس مجرد زمن مضى/ دفع الآلاف حياتهم ثمن الخروج منه. يبدو مبارك فى رحلاته تمساحًا عجوزًا/ غمز للزمن بعينه اليمنى/ نظرة تحدٍّ تائهة بين شعور بالنصر/ وشعور أقوى منه بالخيبة والهزيمة/ فكيف يكون الإله الذى تتحرك مصر كلها بتوجيهاته هناك فى صندوق زجاجى/ يثير تعاطف جمهوره المشتاق إلى ساحة سياسية تشبه مسلسلات رمضان/ دراما مسيطر عليها تثير المشاعر بدرجات تحقق فى النهاية شعورًا بالرضا وتطهيرًا من الخوف. المناخ الآن يجعل السياسة فيلم عنف/ أكشن/ وهذا ما يثير الحنين إلى بطل المسلسل الأطول فى تاريخ مصر/ الذى يشبه حلقات التليفزيون الطويلة التى تسمى أوبرا الصابون، حيث كانت شركات صناعة الصابون فى أمريكا تدعمها بالإعلانات لتسيطر على جمهور البيوت من آكلى الاسباجيتى ويحتاجون إلى الدخول فى قصص يتخلصون بها من إرهاق الحياة، بل ويستبدلون بها الحياة. جماهير أوبرا الصابون اشتاقت إلى بطلها الذى خرج بحكمته وصبغته ورؤيته التى لم تغيرها أحداث تشبه يوم القيامة.. مبارك ما زال فى موقعه النفسى/ موظف يستّف الورق من أجل أن يستمر ملتصقا فى مكانه/ سواء كان كرسيًّا فى القصر أو سريرًا طبيًّا فى زنزانة. وفى الرحلات إليه يتكلم مبارك كثيرًا ودون أن يلح أحدٌ يروى بطولاته فى الحروب/ وينظر فى عين زواره ليذكرهم بتلك اللحظات التى صنع منها جسره إلى كرسى السلطة.. وزوار مبارك يحكون عن رحلاتهم إليه.. والروايات تحوّل مثل حافظة حكايات/ أو الوعى المخزون لزمن لا يريد أن يغادر مصر.. رغم أن الثورة أحدثت فجوة زمانية.. لكن هناك ما لم تتم روايته.. أو ما خفى من ذاكرة لم يملكها سواه. الرحلات إلى مبارك هى نزهة أجيال.. أو مخزونها المحفور فى ذاكرة لم تعد تحت سيطرة الوعى اليقظ/ لكنها رهن مزاج دفاعى عن النفس. مومياء.. تتكلم.. هذا هو مبارك أو الوعى الرابض فى ليل الأنظمة/ الذاكرة المؤرقة.. يدافع عن نفسه: «.. بيقولوا إنى أنا الحرامى، أنا؟ يدوّروا فى ممتلكات الـ40 بتوع الأمانة.. (ويذكر اسم تكوينات فى هيئات سرية).. ليروا القصور والمزارع والحسابات.. ». ذاكرة منفلتة تبدو أحيانا فاضحة/ وتروى بالتفاصيل أو تخزن فى ذاكرات عابرة تفاصيل حكايات لم يكن ليعرفها سوى الرجل القابض بقبضة موظف.. أى أنه هاوى أضابير وعاشق تستيف أوراق.. ويعرف أين تخبئ الثعالب التى رباها صيدها.. هو خبير بالرجال الذين تركهم فى مقاعدهم عشرين سنة.. وبينهم المشير طنطاوى.. «.. عرضت عليه منصب النائب.. (يقصد فى أيام الثورة الأولى).. لكن رده كان نهنهة.. (يقلده.. ) وطلب (خلينى بالميرى).. وهو بالفعل يدرك أن قوته فى الميرى.. وهو لن يمس ما دام السيسى موجودًا.. فطنطاوى أبوه الروحى، أما السيسى نفسه فالتعليق الذى يردده دائما عنه: (لم يحارب.. )». لا تعرف المسافة بين الحقيقة والخيال فى الروايات المنقولة عن الرحلات إلى مبارك.. لكنها تقال فى جلسات اجتماعية وسياسية.. لتثير شيئًا بين الضحك والرهبة من فتح هذه الصناديق، وإلى أى مدى ستؤرق تلك الذاكرة.. شخصيات يراها مبارك فى غير ما أصبحت عليه الآن، فهذا المرشح الثرثار الذى عمل بجانبه طويلا يراه: «.. صاحب ناب أزرق.. ». عنده حكايات عن كل شخصية قديمة/ وخزينة أسرار يترك محتوياتها وديعة لزواره، وربما لمن هم قريبون منه/ وهذه على ما يبدو نصيب المومياء فى مستقبل قريب.. أو التى تبدو زيارتها والدوران حولها سياحة من نوع جديد وتبقى أسئلة إجرائية.. من سمح لمبارك بالتلويح؟ وهل كل سجين يمكنه أن يلوِّح لجماهيره البائسة؟ .. هل المومياء مبارك فى نزهة أم محاكمة؟ وهل.. وهل؟ "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المومياء تظهر للكومبارس المومياء تظهر للكومبارس



GMT 03:00 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الثالثة غير مستحيلة

GMT 02:56 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

«حماس» 67

GMT 02:50 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

نهاية مقولة «امسك فلول»

GMT 02:30 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الإعلام البديل والحرب الثقافية

GMT 02:26 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

«الدارك ويب» ودارك غيب!

GMT 02:11 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الاستثمار البيئي في الفقراء

GMT 01:49 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

غزة بين انتصارين ممنوعين

GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

أيقونة الجمال كارمن بصيبص تنضم لعائلة "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 16:30 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة
  مصر اليوم - نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 18:29 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

طلعت زكريا يفاجئ جمهوره بخبر انفصاله عن زوجته

GMT 12:07 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

كيفية تحضير كب كيك جوز الهند بالكريمة

GMT 09:10 2018 الأربعاء ,15 آب / أغسطس

"الهضبة" يشارك العالمي مارشميلو في عمل مجنون

GMT 10:56 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

النسخة العربية للعبة كابتن تسوباسا

GMT 14:08 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

أوستراليا تسجل أدنى درجة حرارة خلال 10 سنوات

GMT 01:41 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

تريزيجيه يدعم محمد صلاح بعد الإصابة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon