عماد الدين أديب
هناك بعض العبارات المأثورة التى تستخدمها النخبة فى مصر يصعب على عقلى المحدود أن يستوعبها أو يفهم عمق معانيها!
من هذه العبارات الخالدة عبارة «إننا جميعاً فى هذه المسألة نقف على قلب رجل واحد»!
وأحياناً يتشدق البعض بقوله «إن ملايين المصريين يقفون على قلب رجل واحد».
السؤال كيف يقف الملايين من ذوى العقول المختلفة، والثقافات المتباينة، والطبقات الاجتماعية المتعددة، والرؤى السياسية المتضاربة على قلب رجل واحد؟
هل هذا الأمر من الممكن عملياً أن يحدث؟ هل يمكن للجميع أن يلغوا عقولهم وثقافاتهم ومصالحهم ويسيروا كالعميان خلف فكرة واحدة أو أمر صادر من مجهول؟!
عبارة «قلب رجل واحد» هى عبارة استبدادية يتم بها إلغاء أهم ما ميز به الله البشر وهو القدرة على المفاضلة بين البدائل.
لم يخلق الخالق البشر على هيئة واحدة ولو أراد ذلك -وهو ليس عليه بمستحيل- لكانوا على عقل واحد، وإرادة واحدة، وقلب رجل واحد!
إن حكمة الله فى خلقه هى منطق الاختلاف وحكمة التباين، وعظمة صراع الفكرة مع الأخرى حتى يؤدى ذلك إلى فكرة ثالثة أكثر نضوجاً!
ومن العبارات الأخرى الاستبدادية حينما يبدأ أحدهم الحوار معك بقوله «ومما لا شك فيه».
السؤال ما القضية التى اتفقت عليها البشرية جمعاء دون شك فيها؟!
فلسفة الشك هى أساس منهج التفكير العلمى والفلسفى، ودون الشك لم يصل أى إنسان إلى اليقين الراسخ أو الإيمان العميق.
إلغاء الشك هو إلغاء العقل وتجميد المنهج العلمى!
إن أزمة العقل السياسى المصرى أنه أصبح يتحرك من خلال مجموعة من المسلمات سابقة التجهيز!
إنها مقدمات خاطئة تؤدى بالضرورة إلى نتائج خاطئة!
بالطبع تصبح كارثة الكوارث إذا ابتلانا الله بسياسى مصرى يبدأ معك حواره بـ«كوكتيل من الكوارث الفكرية» حينما يقول لك: «ومما لا شك فيه أن ملايين المصريين يقفون فى هذه القضية على قلب رجل واحد»!
يا ساتر.. استر!
نقلاً عن"جريدة الوطن"