عماد الدين أديب
المشكلة لم تعد ماذا سنفعل بالرئيس السابق محمد مرسى، ولا بنظامه الذى استمر معه لمدة عام، ولكن المسألة هى ماذا سنفعل بجماهير شباب الإخوان التى ما زالت لا ترى أن رئيسهم ذهب ولن يعود؟
أزمة إنكار الواقع التى دعت الرئيس السابق يكرر فى كلمته داخل قفص أولى جلسات المحاكمة «أنا الرئيس» أكثر من 11 مرة، هى أزمة نفسية وخلل شعورى واضطراب حاد فى إدراك الواقع بأن الرئيس السابق لم يعد رئيساً وأنه الآن، وفى تلك اللحظة يبدأ أولى جلسات محاكمته بتهمة قتل متظاهرين.
ولا بد للإنسان المنصف أن يحاول أن يفهم الظروف الموضوعية التى تعرض لها الدكتور محمد مرسى منذ يناير 2011 حتى تاريخه.
فى يناير 2011 اُعتقل وبدا الأمر أنه سيقضى فترة طويلة فى اعتقاله ثم وجد نفسه فى ليلة وضحاها خارج أسوار السجن، ثم بعدها بأيام يلتقى باللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية -وقتها- للتحاور على مستقبل البلاد.
وبعد شهرين، أصبح د. مرسى رئيساً لأول حزب علنى وشرعى لجماعة الإخوان، وبعدها أصبح مرشحاً احتياطياً لخيرت الشاطر، وبعدها بأسابيع أصبح المرشح الرسمى للحزب، وفى 30 يونيو 2012 أقسم اليمين الدستورية، كأول رئيس مدنى منتخب فى التاريخ المعاصر لمصر.
وفى عام كامل فقد رئاسته، وخرج أكثر من 30 مليوناً يرفضون حكمه وقضى حتى دخوله القفص طوال مدته محتجزاً فى مكان أمين دون أن يعرف أين هو بالضبط؟!
إن أى إنسان مهما أوتى من تماسك عقلى وتوازن نفسى يصعب عليه أن يواجه مثل هذه التقلبات الحادة للغاية فى مدى زمنى محدود للغاية.
ذات الأزمة لدى جمهور مؤيدى الإخوان وأعضاء الجماعة.
فى نهاية عهد الرئيس الأسبق فقدوا مقاعدهم فى البرلمان، ثم اعتقل بعضهم ثم أفرج عنهم، ثم اعتبروا من ثوار التحرير، ثم أصبحوا شرعيين ودخلوا البرلمان بأغلبية قوية واختير أحدهم لرئاسة البلاد ثم فقدها فى خلال عام.
ووجد الإخوان أنفسهم من حالة أسياد البلاد إلى فئة منبوذة ومرفوضة شعبياً وجماهيرياً من غالبية بسطاء مصر الذين عانوا أخطاء وخطايا حكمهم لمدة عام من الهلاك والدماء والتفريط فى السيادة والاعتداء على الحريات والحقوق العامة والخاصة.
هذه التقلبات التى أثرت على عقل ونفس محمد مرسى، هى ذاتها التى خلقت حالة هستيريا الاحتجاج المصحوب بالعنف والرغبة فى الصدام الدموى لدى أبناء وأنصار الجماعة.
إن مرسى كإنسان بحاجة إنسانية إلى طبيب متخصص كى يدعمه نفسياً، وكذلك أنصار الجماعة بحاجة إلى أساتذة علم نفس اجتماعى لإنقاذهم من حالة إدمان الشعور بالمحنة والمظلومية والاضطهاد.
لا يجب أن نتعامل مع جماعة الإخوان على أنهم طرف مذنب فحسب لكنهم أيضاً ضحايا.
إنها ظاهرة الضحية المذنب.
نقلاً عن "الوطن"