توقيت القاهرة المحلي 18:05:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اللهُ لا يمارس السياسة

  مصر اليوم -

اللهُ لا يمارس السياسة

وائل عبد الفتاح

الأساطير تتحطم فعلًا… آخرها تلك الفتاوى التى يحملها الفقهاء التابعون للسلطان فى الحكم أو لأمراء الإرهاب فى المعارضة…. فتاوى تلعب كلها على فكرة: الله معنا. كل طرف له فقيه أو فقهاء يخرجون على الناس بخطاب هو نفسه وينتهى بأن الله مع الذى نحن معه وضد من ضدنا، الله يبرر القتل عندما يكون القاتل فى الصف الذى يقف فيه الشيخ أو الفقيه، بينما يصبح القاتل مجرمًا آثمًا… يحل عليه حد الحرابة… هذه الخرافات كبلت حياتنا السياسية أكثر من ٤٠ عامًا أو أكثر من اللحظة التى تصور فيها سيد قطب أنه سيكون نبيًّا جديدًا يكتب خطة السير إلى مملكة الله على الأرض… رحلة لا بد أن تمر ببحيرات الدماء… ومثل كل الواهمين بأنهم الفرقة الناجية التى تقتل باسم إقامة مملكة الله، وقعنا مع الإخوان فى الفخ، وضد فتواهم بأن «الله معهم» تدرب فقهاء المؤسسات الرسمية على ترسيخ فكرة أن «الله مع الحاكم ملكًا أو رئيسًا». وكما كان كل طرف فى حروب الفتنة يرفع اسم الله، أو المصحف فإننا نرى الفقهاء والمشايخ يهرولون بين منصات تمجد فرقتهم أو سلطتهم، بخطاب مطلق يصلح للاستخدام المتعدد، لكنه يهدف فى النهاية إلى تعجيز البشر، أو إخضاعهم لقبول الفعل السياسى على أنه أمر إلهى، أو قضاء وقدر، فيهتف السلفى يوم تنحى مبارك «الله وحده أسقط النظام»، كأن الشعب الذى خرج لم يفعل شيئًا، وهذه ليست تعبدًا أو محبة فى الله، لكن استكمال لفكرة أقدم بأنه لا خروج على الحاكم، لأن حكمه إرادة إلهية. هتاف السلفى ليس إيمانًا، لكن استمرار فى تعطيل إرادة الشعب أو الركوب عليها أو سرقتها كما حدث بعد ذلك… وهنا كيف يمكن تفسير إسقاط الشعب للمرسى، مشروع الرئيس المؤمن؟ سيردون على طريقة الفهلوى الذى نجا من حريق فقال «النار لا تحرق مؤمنًا…»، وعندما أصيب فى الحريق التالى كان رده جاهزًا أيضًا: «المؤمن منصاب..». هذه الفهلوة هى أحد أعمدة تلبيس السلطة، لتكون مثل «القدر الإلهى»، وهذا ما يجعل الشيخ على جمعة يعتبر أن السيسى مؤيدًا من الله ويجب قتل الإخوان، نفس ما قاله فقهاء آخرون عن المرسى، وجعلوا جبريل يزورهم فى رابعة، ووزع عليهم البلتاجى صكوكًا قادمة من لسماء بتأييد ونصر قريب. لا فرق هنا بين فقيه سلطان أو جماعة، عصابة إرهاب أو دولة، فى تصور أنهم يملكون خطابًا مطلقًا أو عباءة سماوية يدفئون بها من يحبون، أو ينافقون فى كرسيه أو فى منصته المحاربة على الكرسى. فى ٢٠١٠ سأل صحفى ألمانى مبارك فى مؤتمر صحفى مع بيرلسكونى عن نيته للترشح للرئاسة. أجاب الرئيس مبارك مبتسمًا: الله وحده الذى يعلم. الصحفى أعاد السؤال بطريقة أخرى: من تفضل لخلافتك؟ والرئيس كانت إجابته مذهلة: «من يعلم.. من يعلم.. الله وحده يعلم من يكون خليفتى». كتبت يومها مقالًا بعنوان: الله لا يختار الرؤساء.. قلت فيه إن مبارك يفكر فى التغيير بمنطق «الاختيار الإلهى»، ورغم أنه من الناحية العلمية، الله لا يختار الرؤساء.. إلا أن ما يقوله الرئيس يعنى واحدة من ثلاث: الأولى: أن الرئيس مؤمن بأن الرئاسة قدر لا يملك أن يغيره إلا الله. الثانية: أنه اقترب من الفكرة التى يؤمن بها المغرمون بالدولة الدينية الذين يرون الحاكم وكيل الله، أو أن الله الذى يختار الحاكم، فمن يغير إرادة الله. الثالثة: أن مبارك وصل بعد ٣٠ سنة من الحكم إلى يقين بأن هناك إرادة عليا تختار الرئيس، وأنه ينتظر الوحى من السماء ليقرر اسم خليفته. المعانى الثلاثة تدور كلها حول حقيقة واحدة: إلغاء السياسة. مبارك بدا فى هذه الكلمات العابرة، أقرب إلى توضيح عقلية النظام كله.. فى نفس السنة قال محمد بديع مرشد الإخوان فى حفل إفطار بطنطا وكنا على أعتاب انتخابات مجلس الشعب… «إننا ننتظر من السماء ماء طهورا..». وسألت فى مقال يومها: لماذا اختصت السماء الأستاذ بديع وصحبته بالماء الطهور؟ وما العناصر المكونة لماء السماء لتكون قادرة على تغيير مصر من حالة «الوسخ» إلى النضافة العمومية على يد المرشد وجماعته. وتساءلت: هل لدى الجماعة خبراء فى تنظيف الدول والمجتمعات بماء السماء.. وقلت: لا يحمل الإخوان ولا غيرهم توكيلًا من السماء للوصول إلى السلطة، وكما قلنا للرئيس مبارك إن الله لا يختار الرؤساء. نقول للإخوان أن ماء السماء ليست من أدوات العمل السياسى، وتصوير الجماعة على أنها جيوش الملائكة التى ستعلم المصريين الفضيلة، وتنهى سنوات الضلال، فكرة مستوردة من أيام سلطة الكنيسة، وربما تنطلى على شرائح مسكينة من شعب محروم سياسيًّا، لكنها فكرة مفضوحة. لا أحد يحمل تفويضًا من السماء، ولا صكوك غفران، ولا توكيلات من الله بإدارة بلد أو مجتمع والأزمات فى مصر ليست نتيجة فساد أخلاقى، لكن نتيجة فساد سياسى وبناء سلطوى للنظام، يضعف النفوس والإصلاح ليس فى غسل الأوساخ بماء السماء، لكن بتداول السلطة، ووضع بنية ديمقراطية للعلاقة بين السلطة والمجتمع، وهذه أفعال يقوم بها سياسيون وليس مبعوثى عناية إلهية. والثورة ضمن ما كشفت فى أقل من ٣ سنوات، وبالتجربة إن الله لا يمارس السياسة، وإن كل من يستخدمه كاذب ومضلل وليس أقل من نصاب محترف. وهذه أسطورة لا يمكن ترميمها. نقلاً عن "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللهُ لا يمارس السياسة اللهُ لا يمارس السياسة



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

أيقونة الجمال كارمن بصيبص تنضم لعائلة "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 16:30 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة
  مصر اليوم - نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 17:12 2022 الثلاثاء ,11 كانون الثاني / يناير

بدلات كلاسيكية مميّزة للرجل لمختلف المناسبات

GMT 14:37 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

مرج الفريقين يتفقان!

GMT 03:18 2017 الخميس ,15 حزيران / يونيو

هند براشد تكشف عن مجموعة تصميماتها لصيف 2017

GMT 14:28 2022 الخميس ,25 آب / أغسطس

صورة البروفايل ودلالاتها

GMT 06:57 2019 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة رانيا يوسف تنعي الفنان هيثم أحمد زكي

GMT 07:13 2018 الأحد ,01 إبريل / نيسان

سيلينا غوميز تخطف الأنظار بإطلالتها المميزة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon