توقيت القاهرة المحلي 20:21:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كل تلك الجدية.. لماذا؟

  مصر اليوم -

كل تلك الجدية لماذا

وائل عبد الفتاح

انظر إلى كل متصدرى واجهات السلطة.. والحكومة.. والمسؤولية السياسية.. تأملهم جيدا.. تمعن فى ملامحهم.. إنهم جادون.. جديتهم تطغى على كل ملامحهم.. إنها تلك الجدية التى تنتاب مدرس لغة إنجليزية لتحويل اللغة إلى قائمة محفوظات.. متخيلا أن اللغة ليست إلا ما يعرفه.. ويتصور أنه حدود المعرفة.. هذا المدرس قاتل بجديته كل إمكانيات تعلم اللغة.. مثل زميله فى اللغة العربية الذى يوقف التلاميذ فى طوابير الحفظ مهددين بالضرب.. وسط وهم كبير بأن هذا هو التعليم. ‎هؤلاء جادون وربما يعتبرون أنفسهم فى مهمة جليلة.. تستحق التحية والاحترام والتقدير.. بينما هم فى الحقيقة قتلة.. ومجرمون.. أفسدوا حياة آلاف وملايين بنياتهم التى سنقول عنها الآن إنها طيبة. ‎هذه الجدية التى تظهر على ملامح الفرقة الحاكمة هى أخطر ما فى شهور حكم الإخوان، إنها حالة أقرب إلى الحياة فى بيت المرايا فلا ترى سوى نفسك وتتخيل أن ما تعرفه هو المعرفة، وأنك الملاك الطيب الذى أُرسل إلى مدينة الشياطين. ‎وفى العادة هذه الجدية ليست سوى دفاع عن الذات أو عن جهلها بالتحديد.. فالمدرس الذى يضرب تلميذا لأنه لم يحفظ نصوصا رديئة.. متخيلا أن هذه هى اللغة.. هو شخص بلا إمكانيات ولديه عقل تافه.. لكنه يعوض كل ذلك بالجدية الظاهرة كأنها يمكن أن تكون بديلا عن الكفاءة والذكاء. ‎الفرقة الحاكمة تعيش فى خيالها الذى يصور لها أن العبوس والتكشيرة وتقطيبة الوجه هى دليل الاهتمام بالمشكلات، رغم أنه يمكن أن تكون مهتما وقادرا على حل المشكلات وأنت مبتسم.. وكأنك تلعب. ‎يصور هذا الخيال للمسؤول أيضا أن الكلام عن الأخلاق والدعوة إلى الله يمكن أن تكون بديلا عن امتلاك مهارات حل الأزمات.. والتفكير قبل وقوع الكارثة لا بعدها أو بعد أن تتحول إلى مأساة. ‎والأقوى أن المرسى حين أراد أن يثبت للجميع أن له كاريزما تصور أن هذا يعنى اللعب بالعين والحاجب وإظهار الشراسة من خلال الضغط على الكلمات، رغم أن ألف باء الشخصية الجذابة هو تحريرها من أنماط التفكير المغلقة.. وهو ما لم يفعله المرسى أو بالتحديد فعل عكسه تماما. ‎التفكير الذكى شىء وإظهار الجديد أو الكلام عن الذكاء شىء آخر.. فماذا فعل رئيس جمهورية عاش فترات طويلة فى صفوف معارضة (نصفها فى البرلمان) وعاش أيضا بين قاعات ومعامل الجامعات حيث التفكير والمنهج العلمى؟ ‎سنرى من العجز أمام غرق مدن الإسكندرية والشمال مثلا أننا أمام رجل عطل كل خبراته من أجل ما لا نعرفه.. فأين الخبرة بمشكلات مصر وأين المنهج العلمى فى حل هذه المشكلات؟ ‎هذه مسألة بعيدة عن الخلاف السياسى لأن حاكم نيو جريسى الجمهورى أشاد بطريقة أوباما الديمقراطى فى إدارة أزمة عاصفة ساندى. ‎الموضوع هنا ليس منافسة سياسية، لكن توظيف السياسة والمهارات والقدرات لخدمة عامة.. وهذا ما لم نره بعد أكثر من ٦ أشهر من حكم المرسى. ‎كل هذه الجدية على الوجوه الحاكمة لا تعنى أبدا الجدية فى علاج المشكلات أو بناء جسور إلى دولة جديدة، ولكنها جدية من نوع يخص مهام غير معلنة.. جدية المدرس الذى يريد فرض سيطرته لا تعليم الطالب.. جدية الرئيس الذى لا يفكر سوى فى ضم قبضته وبداخلها مؤسسات الدولة.. جدية الذى يتصور أن كل المشكلات ستحل لأنه أصبح فى السلطة.. وعندما أصبح فى السلطة.. لم يفعل سوى إقامة أسوار عالية لكى لا يقترب منه أحد. إنها تلك الجدية التى جعلت المبرراتى وظيفة فى جماعة الإخوان.. وتبرير لقرارات هو موضوع الاجتماعات فى الأسرة الواحدة الصغيرة فى تنظيم الإخوان. ‎أنت جاد لأنك فى معركة، أو بمعنى أدق، لتبدو أنك فى معركة، أمامك خصوم.. وأعداء طامعون، فلا بد أن تركز فى الانتصار عليهم.. ما المعركة؟ لا تعرف.. ولماذا انتصارك هو الخير؟ لا تعرف.. فقط ضع التكشيرة على وجهك والتقطيبة فى جبهتك.. وتوكل على الله وأظهر على الناس كأنك تحمل همّ الأمة.. وأنت خائف من أن يكشفك أحد أنك لا تعرف سوى الدفاع عن مقعدك.. وكل جديتك لتدارى فراغك الداخلى. إنها تلك الجدية الفارغة. نقلاً عن جريدة " التحرير " .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كل تلك الجدية لماذا كل تلك الجدية لماذا



GMT 19:16 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

المفقود والمولود

GMT 19:10 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

نجوم الفضائح والتغييب

GMT 19:01 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

مجرد سؤال ليس إلا

GMT 19:00 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

سلام الأوهام مجددًا!

GMT 05:24 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

أحزان عيد القيامة!

GMT 02:58 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

عبودية لطيفة

GMT 02:54 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

تحديات القمة العربية في البحرين

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:46 2017 الجمعة ,16 حزيران / يونيو

فوائد زيت الزيتون للعناية بالبشرة

GMT 00:35 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

ثروت سويلم يكشف عن جلسة أبوريدة لحسم عودة الجماهير

GMT 18:48 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يهدي أبناء قريته 150 تيشيرت لليفربول

GMT 17:53 2021 الخميس ,15 تموز / يوليو

انخفاض أسعار النفط لليوم الثاني على التوالي

GMT 14:41 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

رسميًا تشيلسي يعلن تعاقده مع إدوارد ميندي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon