توقيت القاهرة المحلي 11:57:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الديكتاتور خلف الأسوار الشائكة

  مصر اليوم -

الديكتاتور خلف الأسوار الشائكة

وائل عبد الفتاح

الثورة هذه المرة ليست على قشرة الديكتاتورية، ولكن على جذورها. الثورة لم تكن على مبارك، ولكن على كل مبارك، أو الضحية التى تريد احتلال مكان جلادها. الإخوان كانوا ضحايا نظام مبارك، يستخدمهم فى شغل مكان المعارضة، فهم دائما تحت السيطرة، ويصلحون للعب دور الفزاعة، ولهذا وحدهم الذين خرجوا من عملية التجريف الواسعة أيام مبارك وتنظيمهم كما هو وأموالهم كما هى، وقادرة على لعب كل الأدوار السرية. المرسى هنا يبدو محاربا عن مشروع الإخوان فى إعلان دولة دينية مرجعيتها الفقهاء.. هذا ما يتسرب داخل الدستور الباطل الذى كتبته لجنة الغريانى بالليل، أو بالأحرى سلقته كما تسلق الأشياء الفاسدة لتدارى طمعها. إنه دستور مخادع، محشو بالإنشاء الفارغ الذى يدارى عورات فاضحة تؤسس لدولة الديكتاتور الفقيه، والمواد المكتوبة بركاكة هى أفخاخ تصطاد فيها الجماعة بلدا كاملا. ها هو المرسى الذى فتح جاكتته فى التحرير محاطا بحراس القصر، ها هو يختبئ فى القصر خلف الأسلاك الشائكة، محشورا بين شهوة جماعته التاريخية فى تدمير الدولة الحديثة، وبين ضعف إمكانياته التى تجعله أسير رجاله فى القصر. المرسى مذعور يدفع مصر كلها إلى الصدام الكبير بسبب ذعره، والمدهش أنه يخدع قطعانا واسعة بالشريعة التى يستخدمها كاسم تجارى فى إطار التجارة بالدين.. لتغييب قطاع خرج مطحونا من أيام مبارك. هذا القطاع المطحون الذى خرج غير مكتمل التعليم وإمكاناته معدومة يسير تحت غيمة الدين، إلى درجة أنهم يهتفون للشرطة عنوان الإنجاز والشفافية. هكذا وصلت الحرب من أجل السلطة إلى درجة الجنون الكامل.. والتغييب الكامل.. والتطرف الكامل.. «الجماعة ومن بعدها الطوفان».. المرسى ليس إلا مندوبا أرسلته الجماعة فى مهمة واحدة للقصر الرئاسى، ليس له طموح شخصى، ولا متعة خارج خدمة الجماعة، وهذا ما يجعله معزولا فى قصره ترسم له القلة الصغيرة المصطفاة أشباحا تحبك مؤامرتها فى الظلام لإسقاطه. هنا لم يعد لدى المرسى مجالا إلا إشهار السلاح الأخير، بإسكات كل الأصوات حوله، وإقامة كردونات تحاصر كل من يحاول تعطيل سلطاته. الفراعنة يولدون من الشعور بالذعر، الجنرالات بعد ١٩٥٢ دبروا مظاهرات شعبية تهتف ضد الديمقراطية خوفا من عودة محترفى النظام القديم، وبدلا من تأسيس نظام ديمقراطى، بنى الجنرالات أسوارهم حول المجتمع، خوفا عليه، أو منه، ووضعوا الدولة كلها تحت الوضع الاستثنائى أكثر من ٦٠ عاما.. وهذا ما كرره المرسى فى أزمة الإعلان الدستورى التى قرر فيها أن يحل مشكلة (أحكام المحكمة الدستورية) بإشعال الحريق فى البلد كلها، وبدلا من التقسيم المتدرج للمجتمع والدولة بين قوى الخير وقوى الشر، أو المؤمنين الذين يطالبون بتطبيق الشريعة والعلمانيين الكفرة أعداء الإسلام.. أو بين أصحاب الأغلبية الذين يعرفون الشعب وينزل للصناديق أفواجا دفاعا عنهم، ونخبة غارقة فى أهدافها البعيدة عن الشعب وهزائمها.. وتنتهى هذه الثنائيات بأكثرها فجاعة وهى بين الإخوان ومن يشعرون بالحقد والغيرة منهم. إنها القبيلة التى يمثل حكمها العودة إلى «الإسلام»، وهو الخطاب المضمر منذ تأسيس الجماعة وعبر مسيرتها التى انتقلت فيها من التطرف إلى الاعتدال، لكن ظلت الدولة الحديثة هدف الهجمات التدميرية. اللعب بكل شىء من أجل اقتناص الفرصة الأخيرة، وتسريع المواجهات فى تصور بامتلاك قدرة على الحسم وإنهاء «العنف الأهلى» بالإخضاع مرة واحدة وللأبد. لا نعرف كيف يفكر المرسى خلف الأسلاك الشائكة، ولا كيف كان يفكر لحظة إطلاق صدمته؟ لكننا نعرف أن قنبلته انفجرت أولا بين أصابعه. ونعرف أيضا أن هناك فى المجتمع المصرى من يدافع عن دولة حديثة نعيش فيها معا.. لا سلطة مشايخ ولا جماعة تديرنا من كهنتها فى مكتب الإرشاد.. دولة لكل المصريين، لا دولة تنتقم من المصريين لأنهم عاشوا ٢٠٠ سنة بعيدا عن سلطة الفقيه. نقلاً عن جريدة "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الديكتاتور خلف الأسوار الشائكة الديكتاتور خلف الأسوار الشائكة



GMT 01:42 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

التوريق بمعنى التحبير

GMT 01:38 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

مَن يحاسبُ مَن عن حرب معروفة نتائجها سلفاً؟

GMT 01:34 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

كيسنجر يطارد بلينكن

GMT 01:32 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

غزة وانتشار المظاهرات الطلابية في أميركا

GMT 01:29 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

من محمد الضيف لخليل الحيّة

GMT 01:26 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

صلاح السعدني صالَح الحياة والموت

GMT 09:27 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 09:25 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 10:05 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الثروة الحقيقية تكمن في العقول

GMT 13:33 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

أفكار بسيطة لتصميمات تراس تزيد مساحة منزلك

GMT 00:00 2019 الأحد ,17 شباط / فبراير

مدرب الوليد يُحذِّر من التركيز على ميسي فقط

GMT 12:26 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

تدريبات بسيطة تساعدك على تنشيط ذاكرتك وحمايتها

GMT 20:58 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

مؤشر بورصة تونس يغلق التعاملات على تراجع

GMT 16:54 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

"اتحاد الكرة" يعتمد لائحة شئون اللاعبين الجديدة الثلاثاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon