توقيت القاهرة المحلي 12:12:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رحمتك يا رب

  مصر اليوم -

رحمتك يا رب

مصر اليوم

كنت أقود السيارة على طريق العين السخنة-القاهرة.الطريق ناعم ومرصوف بشكل جيد والخدمات متوفرة على جانبيه، وهو بالتأكيد أفضل طريق في طول مصر وعرضها، والسبب في ذلك ان الجيش هو الذي قام بتنفيذه.. ومن مزايا المشروعات المدنية التي ينفذها الجيش- الى جوارالجدية والالتزام- أنه لا عمولات ولا سرقات ولا تفتيح مخ!. هذا ما كنت أفكر فيه وأنا جالس الى عجلة القيادة في طريق العودة بعد قضاء يومين على شاطئ البحر.أمامي كانت تسير من أول الطريق سيارة حرصتُ على ترك مسافة كافية بيني وبينها.. و من الواضح ان سائقها كان ملتزماً مثلي بالسرعة القصوى فلم يسبقني ويختفي، وانما ظل أمامي مباشرة لما يقرب من نصف ساعة. ومع ذلك فان الأمر كله حدث في ثوان معدودة.. بدون سابق انذار رأيت السيارة التي أمامي تترنح على الطريق وتميل تارة لليمين وتارة لليسار.. قمت بتخفيف سرعتي تلقائياً وأنا أقول يا رب استر.. و رأيت السيارة تجنح نحو الرمال ثم تنقلب مرة واثنتين وثلاثاً قبل ان تستقر على عجلاتها الأربع من جديد بعد ان أثارت عاصفة كثيفة من الغبار.أربكتني الصدمة، غير أنني توقفت بالسيارة الى يمين الطريق وهرعت الى السيارة المنكوبة لأجدها قد تحطمت وانبعجت ولفظت ركابها خارجها فتمددوا على الأرض يئنون وينتحبون.. من الواضح أنها عائلة تضم ثلاثة أجيال.. الجدة والأم وولدين وبنتاً.كان الذهول بادياً على وجوههم وأخذ بعضهم يصرخ ويلطم الخدود على الرغم من أنهم بفضل الله قد نجوا جميعا.رحت أتفقدهم وأطمئن عليهم فرداً فرداً قبل ان أقوم بطلب الاسعاف.في تلك الأثناء توقفت سيارات عديدة نزل الناس منها لتقديم يد العون والمساعدة ورحنا جميعا نهدئ من روع الأسرة التي كتب الله لها السلامة باستثناء الجدة التي أصيبت في ذراعها اصابة بليغة.من الواضح ان أفراد الأسرة على الرغم من سلامتهم اجمالاً الا أنهم كانوا في حالة نفسية بالغة السوء بدليل ان البنت التي لا يتعدى عمرها أربعة عشر عاماً قامت بالاتصال بوالدها وسمعتها وهي تصرخ في هستيريا قائلة: الحقنا يا بابا نحن نموت.. السيارة انقلبت بنا ونحن نموت!.حاولت ان آخذ التليفون منها لأطمئن والدها المسكين أنهم بخير لكنها أغلقت الخط وأكملت مسلسل الصرخات الهستيرية. بعد ان ركبت سيارتي واستأنفت الرحلة قمت باستعادة السيناريو الكابوسي الذي كنت شاهداً عليه من أوله واكتشفت ان أفظع مشاهده وأشدها هولاً على نفسي ليس انقلاب السيارة ولا تحطمها وليس اصابة الجدة ولا صدمة وذهول أفراد العائلة، وانما الأب البائس الذي تلقى مكالمة من ابنته تصف له مكان الحادث وتقول له انها وأخواتها وأمها وجدتها يحتضرون!.. هذا هو الهول بعينه.ان هذه الابنة لا تعلم ماذا فعلت بأبيها.. لقد كنت أرتجف وأنا على الطريق بينما أتخيل الأب الذي أنجب وربى وسهر وتعب وكدح وشقي من أجل هذه العائلة ثم اذا به يتلقى مكالمة استغاثة من الابنة التي زعمت أنها تصارع الموت مع بقية أفراد الأسرة!.انني شخصياً تختل تركيبتي الكيميائية بشدة اذا ما تأخر أحد أبنائي أو اذا طلبته في المحمول وكان مغلقاً، وأظل أقاوم الانهيار حتى يعود أو يرد على التليفون.. فما بالكم بهذا الرجل الذي روعته المكالمة الغبية.اني أتصور هذا الرجل وهو يخر على الأرض بعد ان عجزت قدماه عن حمله.. رباه ماذا فعلت هذه الابنة وكيف استطاعت ان تسبب لأبيها كل هذا العذاب بينما هي والباقون قد خرجوا من الحادثة بسلام؟.. بل كيف طاوعني قلبي ان أنصرف قبل ان أتمكن من أخذ رقم تليفون الرجل لأشرح له حقيقة الموقف وأطمئنه ان جميع أفراد أسرته بخير.. لقد حاولتُ لكن الفتاة المنهارة لم تسمح لي بذلك. كل ما أرجوه من الله الآن ان يكون الأب قد عرف حقيقة الموقف قبل ان يقود سيارته ويندفع على الطريق لاغاثة فلذات كبده.. رحمتك يا رب.   نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحمتك يا رب رحمتك يا رب



GMT 06:37 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

يعقوب يكتب مذكراته

GMT 06:34 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

اعترافات ومراجعات (53).. مذكرات مجدي يعقوب

GMT 06:31 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

الهدنة المؤقتة

GMT 06:29 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

عصام الشماع موهبة قهرها الزمن!!

GMT 06:26 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

ماذا يقرأ المتظاهرون؟!

GMT 06:23 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

حياة غالية وأخرى فالصو

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

البلدية جاية

GMT 02:24 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

المنطقة و«اللمسات الأخيرة»

GMT 15:42 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
  مصر اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 19:21 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد الكرة يشكل لجنة ثلاثية لمتابعة شؤون اللاعبين

GMT 11:47 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

وفاة والد الفنانة سهر الصايغ

GMT 20:10 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرارات جمهورية للرئيس السيسي

GMT 22:11 2019 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

طارق يحيى يؤكد أن مرتضى منصور شخصية طبية وودودة

GMT 11:20 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

بيومي فؤاد يصور فيلمه الجديد "بكرة" في الزمالك

GMT 15:35 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

"أبل" تدرس نقل أعمالها في الصين إلى دول آسيوية

GMT 10:34 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

أسعار العملات العربية اليوم الأربعاء 19-6-2019

GMT 07:26 2019 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

تسريحات شعر من وحي نادين نجيم في "خمسة ونصف"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon