توقيت القاهرة المحلي 13:18:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اجتهادات فى محاولة فهم تطورات القمة الدولية

  مصر اليوم -

اجتهادات فى محاولة فهم تطورات القمة الدولية

بقلم - جميل مطر

أكاد أجزم أن واحدا وواحدة فى جبهة القراء وآخر وأخرى فى جبهة المتخصصين والعلماء الذين يكتبون فى السياسة يستطيعون القول إنهم كانوا شهودا خلال سنة واحدة، هى السنة الأخيرة، على عدد من القمم الدولية والإقليمية والمحدودة يساوى أو يزيد على عدد القمم التى انعقدت خلال سنوات كثيرة. هذه الملاحظة إن صحت ودلت على أشياء فإنما على حال قلق وتوتر وصعوبة فى تصور شكل المستقبل وأخطاء فى التخطيط له وتخبط فى مواجهة التحديات. تدل أيضا على تكثيف أمريكى بريطانى ممنهج للضغط على دول الحلف ودول آسيا وأفريقيا الرافضة الاحتكاك بالحرب. أتحدث هنا بخاصة عن قمم تدعو لها وتنظمها وتكتب نتائجها وبياناتها الولايات المتحدة وعن قمم إقليمية يتشابه بعضها مع القمم الدولية فى الحيرة والشعور بعجز الإرادة وقلة الخيارات المتاحة وضغوط شعوب تعبت.
• • •
قرأت فى لقاءات المعسكر الغربى وآخرها لقاء قمة الحلف الأطلسى فى ليتوانيا وفى تطورات الأحداث داخل روسيا وآخرها التغيرات فى القيادات العسكرية، قرأت ما يوحى بأن «المحارب» السياسى فى الحرب «العالمية» الدائرة منذ أكثر من خمسمائة يوم تحت عنوان حرب أوكرانيا يريد، ولعله بالفعل فى أشد الحاجة إلى، استراحة. لن أكون بين المتفاجئين إن صدر فى أجل منظور إعلان من طرف ثالث عن التوصل إلى هدنة طويلة بين طرفى الحرب وأقصد بين واشنطن أو بروكسل من جهة وموسكو من جهة أخرى. يتلو هذا الإعلان مفاوضات قمة على أساس واقع مختلف كثيرا أو قليلا عن الواقع الذى نشبت فى ظله الحرب.
• • •
عندما نكتب عن هدنة قريبة أو وقفة محارب أو مفاوضات فلا بد أن يكون وراء ما نقول مظاهر واضحة أو على الأقل خلاصات لاجتهادات وتفسيرات حول تغيرات واقعة أو متوقعة فى سلوكيات الحرب والمتحاربين وسلوكيات الدبلوماسيين والمسئولين عن قطاعات الأمن القومى فى الدول المتحاربة. بالفعل توفر من عناصر التغيير والضغط ومن التسريبات ما يسمح لنا، أو لى على الأقل، بالتهيؤ ولو نظريا لمرحلة أخرى شديدة الاختلاف عن كثير من مراحل الانتقال السابقة من نظام قيادة عالمية إلى نظام قيادة جديد أو إلى نظام قيادة معدل. أعرض سريعا لهذه العناصر كما أراها، علما بأنها تظل خلاصة لاجتهادات لا أكثر.
أولا: يوجد أكثر من دليل على أن عددا متزايدا من دول الحلف الأطلسى أنهكه نزيف المعونات، أسلحة كانت أم أموالا سائلة. تأتى الحرب فى ظروف غير عادية، فآثار وتداعيات جائحة الكوفيد لم تغادر. كذلك الحال فى مشكلات البطالة والهجرة والتضخم والتقاعد المبكر التى استمرت تتدفق فى روافد الأزمة الاقتصادية مستنزفة اقتصادات معظم الدول الأوروبية ومتسببة فى تصاعد أنشطة التيارات القومية المتطرفة. الحرب الأوكرانية رافد من هذه الروافد، وربما كان أهمها، لأنه يجدد فى الوعى الأوروبى ذكريات تجارب سيئة مع حكام روسيا.
ثانيا: على العكس تماما تعددت الشواهد على أن ما يسمى بالمجمع الصناعى العسكرى أو يسمى بالدولة الأعمق فى أمريكا اشتد ساعده لوقف اعتدال مجمع السياسة الخارجية المكون من وزارة الخارجية وبيوت العصف الفكرى الليبرالية مثل مجلس الشئون الخارجية وجماعة العقول الخاصة المتقاعدة وفى مقدمها هنرى كيسنجر بنفوذه الذهنى الخارق للعادة ولحكم الزمن. أضف أنه صار يطل علينا بين الحين والآخر تيار فى الكونجرس حريص على مسألة مختلفة وهى تجديد انتخاب جو بايدن رئيسا لولاية ثانية، المسألة التى تتطلب مراعاة مختلفة لجماعة ناخبة متقلبة الخيارات فى شأن استمرار الدعم لأوكرانيا. لم ينس الناخب الأمريكى وعد دونالد ترامب أنه لو عاد إلى البيت الأبيض فسوف ينهى الحرب مع روسيا فى 24 ساعة. هو الوعد ذاته الذى لن يتجاهله المهيمنون على شركات تصنيع السلاح والعسكريون المتقاعدون العاملون فى خدمتها وفى خدمة جماعات الضغط.
ثالثا: لا يبدو للشعوب الأوروبية أن هناك نهاية قريبة وسعيدة للحرب الدائرة بين حلف الأطلسى بقيادة أمريكا من ناحية وروسيا من ناحية أخرى. على العكس يبدو لهم ولغيرهم، مثل الصينيين وآسيويين آخرين، أن هناك قوى خفية تعمل على إطالة أمد الحرب وتضخيم صورة العدو الروسى وسد حاجة أمريكا المتطورة إلى حلف أوروبى موحد الصفوف، وحلف هندو أوروبى، يضمن كلاهما لأمريكا استعادة هيمنتها ويقلل فرص عودة روسيا إلى الصعود.
رابعا: أدى التمديد المتعمد فى عمر الحرب إلى نتائج لم يتوقعها الطرفان الأمريكى والروسى عند التخطيط لها وعند نشوبها. كعادتهم خطط الأمريكيون للحرب كما خططوا لغيرها، نزهة قصيرة وتنتهى. لم ينتظروا هذا الدعم الطويل من جانب الحلفاء الأوروبيين، ولم يحلموا بعودة كل من اليابان وألمانيا إلى التسلح وربما إلى التعسكر. أقدر أنهم كانوا واثقين من أن الصين ما تزال بعيدة عسكريا وسياسيا عن تهديد أمن أمريكا القومى وأمن حلفائها الآسيويين. إلا أن خمسمائة يوم أو أكثر من الحرب المكلفة ماديا وسياسيا كانت كافية لتفتح عيون الصين على حقائق جديدة، أهمها أن الحرب قد تكون فرصة للصين لتجرب عضلاتها وقواها الناعمة لتكسب بها أصدقاء فى الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وجزر فى جنوب المحيط الهادى. فى قول آخر كانت الحرب فرصة لتمتحن الصين مساحة نفوذها وتمارس أدوارا فى مواقع صارت بفضل انشغال أمريكا وأوروبا فى الحرب أكثر جاذبية ودعوة للتدخل ولم تعد وهما أو خيالا أو قرارا مؤجلا.
خامسا: حلت ساعة الحساب. هل الهيمنة الأمريكية كما نشأت ومورست بعد انفراط الاتحاد السوفييتى فى أواخر القرن العشرين استفادت من الصراع العسكرى بين أوكرانيا وروسيا ولا دليل على ذلك، أم تضررت بدليل انحسارها المتدرج ولكن المتسارع؟ هل أخطأ الأمريكيون وهم يخططون لهذه الحرب حين افترضوا أمرين؟ افترضوا أن قوى فى روسيا سوف تشتبك فيما بينها أو ضد قيادة الكرملين وأن الحرب بغياب الرئيس بوتين أو بثبوت ضعفه سوف تنتهى سريعا. افترضوا أيضا أن الصين عند أول استفزاز معد لها خلال الحرب، وأقصد زيارة السيدة نانسى بيلوسى لتايبيه، وأمام كفاءة أمريكا فى تعبئة وحشد الحلفاء فى أوروبا ضدها، ولسوء الإدارة الروسية للحرب وتميز الإدارة البريطانية الأمريكية سوف تقرر، أقصد الصين، التفكير فى إزاحة خيار المواجهة والمنافسة الشاملة جانبا فتعود لأمريكا هيمنتها كاملة. أمام انكشاف خطأ الافتراضين شهدنا من ناحية دول الحلف تسريعا وتضخيما لآلة الحرب ومن ناحية أخرى التهويل فى حملة علاقات عامة وإعلام دولى بقيادة الدبلوماسية الأمريكية ومن ناحية ثالثة هجمة دبلوماسية ناعمة تجاه الصين قد تتوج بلقاء مع الرئيس بايدن. الهدف على النواحى الثلاثة هو ببساطة، فى رأيى، تقصير أمد الحرب أو وقفها بالسرعة الممكنة.
سادسا: أفرزت الحرب الأوكرانية منذ يومها الأول تيارا ثالثا فى ساحة العلاقات الدولية. تصورناه لفترة صيغة أخرى لمبدأ عدم الانحياز كما عرفناه فى عقدى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى. بعد قليل تيقنا أنه ليس صيغة أخرى لأى مبدأ معروف ولا تنطبق عليه قواعد وممارسات أى نمط مألوف فى العلاقات الدولية كما عهدناها وعشناها أو قرأنا عنها. تيار بلا قيادة واضحة، الأمر الذى جعله خاضعا لوعى أو إرادة الرأى العام فى دول الجنوب وبالتالى غير قابل أو مستسلم لضغوط أى طرف من طرفى الصراع الدولى الناشب بين الغرب ممثلا فى دول حلف شمال الأطلسى والشرق ممثلا فى كل من روسيا والصين. نعيش ونراقب السباق المثير بين هذا الطرف وذاك على كسب ود حكومة أو أخرى من حكومات دول الجنوب المنضوية تحت راية هذا التيار الثالث وإن أمكن ضمها ضمن تحالفات نوعية وإقليمية مصممة خصيصا لهذه الحرب. الرمز الأكثر تألقا هو حكومة الحزب القومى الهندوسى المتطرف فى الهند بعد أن صار رئيسها الضيف الأشهر المتنقل بين عاصمة غربية وأخرى شرقية وثالثة ضمن التيار الثالث، بينما فى واقع الأمر ما يزال شخصا «غير مرغوب فيه« فى الديموقراطيات الليبرالية الغربية وفى الصين وفى الوقت نفسه فى داخل التيار الثالث الذى يضم دولا الرأى العام فيها إسلامى العقيدة ومتعاطف مع معاناة الأقلية الإسلامية الضخمة فى الهند. جدير بالذكر أن كثيرين فى الغرب استهجنوا الاستقبال المبالغ فيه للزعيم الهندى فى كل من واشنطن وباريس، باعتبار أنه عزز اتهام الغرب، وبخاصة كل من فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة بممارسة ازدواجية المعايير والنفاق السياسى إلى حد مهين للقيم التى نشبت حرب أوكرانيا للدفاع عنها.
• • •
الأسباب كثيرة ومتنوعة، تلك التى تدفعنا إلى أحضان أمل أن تتوقف قريبا الحرب التى نشبت فى حقيقتها من أجل تمديد مرحلة انفراد أمريكا بالقيادة الدولية ومنع اختراق أسوار الهيمنة الأمريكية وإقامة نظام قيادة جديد. قد تتوقف الحرب ولكن السباق على تغيير نظام القمة مستمر، يمكن أن تتجدد الحرب نفسها، ويمكن أن تنشب حروب أخرى، ويمكن أن يبتكر المتسابقون أشكالا جديدة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اجتهادات فى محاولة فهم تطورات القمة الدولية اجتهادات فى محاولة فهم تطورات القمة الدولية



GMT 20:35 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

48 ساعة كرة قدم فى القاهرة

GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 14:44 2025 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

بريجيت ماكرون تلتقي الباندا "يوان منغ" من جديد في الصين
  مصر اليوم - بريجيت ماكرون تلتقي الباندا يوان منغ من جديد في الصين

GMT 11:06 2025 السبت ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي السبت 04 أكتوبر / تشرين الأول 2025

GMT 16:54 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تلامذة غزة يستأنفون الدراسة تحت الخيام وسط الدمار

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

القمر في منزلك الثاني ومن المهم أن تضاعف تركيزك

GMT 10:48 2025 السبت ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء السبت 04 أكتوبر / تشرين الأول 2025

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:39 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحوت الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 03:34 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

استقرار سعر الذهب في الأسواق المصرية الثلاثاء

GMT 05:48 2013 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

كيلي بروك ترتدي ملابس ماري أنطوانيت

GMT 04:24 2021 الثلاثاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أخبار البورصة المصرية اليوم الإثنين 4 أكتوبر 2021

GMT 15:13 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال يضرب سواحل إندونيسيا وتحذيرات من وقوع تسونامي

GMT 19:42 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

أربع محطات فنية في حياة مخرج الروائع علي بدرخان

GMT 13:07 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

فضل الله والماشطة يوضحان موقف عبدالله السعيد

GMT 06:20 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

مؤسس "غوغل" يكشف عن سيارة طائرة بنظام "أوبر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt