توقيت القاهرة المحلي 12:28:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -
عطل تقني يشل عمليات السفر في مطار بريطاني رئيسي والجهات المسؤولة توضح أن الخلل محلي إيرباص توضح أن تسليمات نوفمبر سجلت تراجعا بسبب خلل صناعي وأزمة جودة في خطوط الإنتاج المحكمة الجنائية الدولية تعتبر عقد جلسات الاستماع لنتنياهو أو بوتين في غيابهم ممكناً الرئاسة الفلسطينية تحذر من خطورة أوضاع الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي إصابة عدد من الفلسطينيين جراء قصف مدفعية الاحتلال الإسرائيلي على منطقة بيت لاهيا مقتل 79 مدنيا من بينهم 43 طفلا في هجوم بطائرة مسيرة استهدف كالوقي في جنوب كردفان قوات الدعم السريع تقول إن الجيش السوداني استهدف معبر أدري الحدودي مع تشاد بطائرات مسيرة تركية البنتاغون يعلن موافقة الخارجية الأمريكية على صفقة بيع مركبات تكتيكية متوسطة ومعدات إلى لبنان بتكلفة تتجاوز تسعين مليون دولار إنفانتينو يسلم ترمب جائزة فيفا للسلام قبل قرعة المونديال الاتحاد الأوروبي يفرض غرامة 120 مليون يورو على «إكس» لمخالفته قانون الخدمات الرقمية
أخبار عاجلة

أنا متهم

  مصر اليوم -

أنا متهم

بقلم - جميل مطر

تقابلنا لأول مرة قبل عقود لا أذكر عددها. أظن أنها، أقصد زميلتى، قرأت لى منذ ذلك الحين ربما أكثر ما كتبت. سمعتنى أتدخل فى نقاشات كثيرة علمية وفى أكثر منها بعيد عن العلم. جمعتنا ظروف عمل مع أجانب، اختلفنا واتفقنا وفى النهاية تأكدنا أن لكل منا أسلوبه فى التعامل مع الغرباء كما مع غير الغرباء، ولكل منا عقيدته وبصمته وأولوياته. كانت، مثل غيرها من المتابعات والمتابعين، تعتقد جازمة أن فى شخصيتى وتصرفاتى غموضا يجدر بى أن أروضه ولو قليلا.
• • •
لا أعد بشىء. حاولت فى مراحل عمرية مبكرة وفى ظروف متباينة وفشلت. اكتشفت خلال المحاولات الكثيرة أن وراء تعنت الغموض والتصاقه بأنماط سلوكى ماضيا طويلا. أهلى علمونى، وهم أكثر من أمى وأبى، حفظ السر. كنت طفلا أتنقل من حجر خالة إلى حجر خالة أخرى إلى حجر جدتى إلى حجر أمى وكلهن مشتبكات فى حديث تلو حديث عن الجارات والعمات، وبين الحديث والآخر ينتبهن إلى وجودى فتبدأ الواحدة بعد الأخرى فى التنبيه بأن أحفظ السر. لا أردد ما سمعت أمام الخادمات والمعلمة الخصوصية والجارات والضيوف وأطفال الروضة. أنا ابن الثالثة أو الرابعة ألتزم بكتمان معلومات لم يرقَ أو يتدنَ إلى مستواها مستوى فهمى ونضجى. لكنه التزام وقد كان.
• • •
كبرت واتسعت عندى مساحة الفهم كما اتسعت عند أهل البيت المساحة الممكنة لاستقبال معلومات أشد خصوصية بعضها يكاد يتلامس مع النميمة. أدركوا، وأقصد الأهل ومجتمعات الصبحيات حول فناجين القهوة والسبرتاية، أدركوا أننى كبرت فتغيرت اللهجة عند تجديد التنبيه. سبقتنى إلى هذه الاجتماعات وغيرها سمعتى فى حفظ السر والتكتم على ما نمى إلى سمعى. راح الوالد يصطحبنى معه بعض العصريات إلى المقهى الكائن فى الميدان الرئيس للحى الذى نعيش فيه. هناك كنت أسمع بالرضا تطمينات أبى المتكررة خلال نفس الجلسة وفى وجود نفس المجموعة، أسمعه يردد عبارة ابنى أمين وكتوم ويحفظ السر.
كبرت فى العمر، وكبر معى حجم المعلومات المتدفقة ناحيتى من كل صوب. صرت أشعر بثقل الحمل والمسئولية. رحت أبحث عن تبعات هذا السلوك. قرأت بين ما قرأت أن حفظ السر نوع من الخيانة، فنحن عندما نخفى أشياء، نتعتم عليها أو نتكتم فإننا فى الحقيقة نحرم أصدقاء حميمين ومخلصين من ممارسة حق معرفة هذه الأشياء والمعلومات. أحرمهم، يعنى أخون عهود محبتنا وصداقتنا فهى معلومات إما تخصهم أو يعنيهم أمرها بشكل أو بآخر وربما كانوا استفادوا لو أطلعتهم عليها فى وقت مبكر. اتهمنى من بينهم من تصور للحظة أننى تعمدت إخفاء المعلومة عنه ليشقى ويتعذب. أنى خنت الشخص الذى أحب حين تحفظت فى داخلى على سر أو فرضت سحابة من الغموض حول معلومة.
• • •
علمونا فى الصغر ألا نكذب. علمونا أيضا أن نكون صرحاء وأن لا نخفى عن أهالينا ما نفعل وما نراه وما نشعر به تجاه الغير. ولكن أليس حفظ الأسرار نوعا من الكذب أو درجة من درجاته. فى مجتمعنا يكذب الطفل والكبير أيضا عند المواجهة خشية عقاب أو آخر. وبالفعل يقال أن فى دولة القانون مجرد توفر النية لارتكاب جريمة يخضع صاحبها للعقوبة. النية كما نعرف سر وبالتالى فالمحافظة على النية فى شكل سر وكتمانه تصبح فى نظر القانون محل عقاب.
• • •
لم أعرف حين تعلمت التزام الكتمان أن الحب فى حقيقته وجوهره هو علاقة بين سر والاعتراف بهذا السر. الحب فى بدايته يعتمد فى كثير من الحالات على الكتمان وحفظ السر، أى على درجة ليست بسيطة من الغموض. سمه، إن شئت، الغموض البناء، التعبير الذى يفضله السياسيون على اختلاف مشاربهم وأخلاقهم. ولكن فى الحب لا بد عند مرحلة من مراحل نموه الانتقال من حفظ السر إلى الاعتراف به بالإعلان أو بغيره من وسائل الإبلاغ.
بمعنى آخر يصير الاعتراف فى مرتبة التكفير عن ذنب ارتكاب الكذب. كم من جدل أثاره هذا الاعتراف. هو دليل حب أم دليل خيانة. أليس مجرد الكشف عن سر هو من أحلى وأعظم الأسرار تماما كالكشف عن خبيئة من خبايا النفس، يعنى أن النفس بعد هذا الاعتراف صارت بلا حقيقة كانت تملكها وحدها لا يشاركها فيها أحد. هى تبنتها أو خلقتها ورعتها حتى شبت حبا يافعا ورائعا. يوم الاعتراف يعود الإنسان مكشوفا أمام الأغيار بلا درع يحميه ويزيده ثقة يعيش بدون غطاء يدفئه فى شتاء العمر القارس. سمعت أحدهم يقول «كنت قويا وهى تنمو فى داخلى وأنا الآن وبعد الإعلان أصبحت أضعف. أعرف هذا وأشعر به يؤثر بالسلب فى مجمل تصرفاتى وعلى صورتى».
• • •
فى السياسة يكذبون كثيرا. يكذبون على المرءوسين وبالعكس. يكذبون على الشعب، ولا أتجنى حين أقول أننى عشت تجارب غلب كذب الشارع على كذب الإعلام والمسئولين. عشتها فى الأرجنتين وفى شيلى وفى إيطاليا. كنت أعرف رئيس حزب اشتمل برنامجه الانتخابى على وعود بأنه إذا فاز فى الانتخابات فسوف يسمح للشعب بأن يكذب فى وثيقة الضرائب وفاتورة استهلاك الكهرباء. وبالفعل فاز فى الانتخابات بأغلبية ساحقة. رحمه الله على كل حال.
عشت فى دول حكوماتها تخاف أن يعتاد الناس على حفظ الأسرار، وبعضها لا يتورع عن فعل أى شىء لكشف أسرار مواطن. سمعت من دبلوماسى سبقنى إلى الهند أنهم هناك يقرأون أسرارك من أوراق الشاى التى تتركها فى فنجان دعيت لشربه فى بيت سياسى كبير أو شربته فى بيتك وتكفل بقراءته أحد العاملين المدربين على فك طلاسم أوراق الشاى. أورويل فى روايته الشهيرة بعنوان 1984 كتب عن المواطن الخائن الذى ضبط يكتم سرا.
• • •
للجيران فى بعض الثقافات تجاربهم وأساليبهم فى التعامل مع مسألة هتك الأسرار. عشت فى عمارة تمتد فى صالونات شققها شبكات المياه الساخنة للتدفئة. علمت بعد رحيلى أن الجيران فى شقق الطوابق السفلى كانوا يتجمعون كل ليلة حول فروع الشبكة فى شقة من شقق العمارة ليستمعوا جماعة إلى الأحاديث الحميمة التى كانت تدور بين شاب وعروسه شاء حظهما أن يقضيا شهر العسل فى شقة بهذه العمارة وآذان الجيران ملتصقة بأنابيب المياه الساخنة التى كانت تنقل أسرار العروسين لحظة بلحظة.
• • •
كم من المرات كاد الفضول يخنقنى وأنا أتابع عصفورين فوق غصن شجرة يتناجيان. كم تمنيت أن أعرف إن كان الحب بينهما ما يزال لم يدخل طور اعتراف أحدهما بالسر الذى أخفاه طويلا. أم أن الأمر بينهما لم يتجاوز علاقة صداقة. الطيور فى عوالمها أسرار وإلا ما كانت العشش المخفية بعناية فى قلوب الأشجار بعيدة عن عيون الرقباء والأشرار وما كانت التغريدات الرائعة المتبادلة بين الأحبة وما كانت الرحلات الموسمية المخطط لها بذكاء سعيا وراء طقس أدفأ وفرصا أكثر لتربية النشء وتدريبهم.
عشت عمرى أصون أكثر أسرارى، غير نادم على ما أخفيت. أما ما أعلنت عنه أو اعترفت به لحظة ضعف فحنينى له لا يعرف حدودا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أنا متهم أنا متهم



GMT 20:35 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

48 ساعة كرة قدم فى القاهرة

GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 11:06 2025 السبت ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي السبت 04 أكتوبر / تشرين الأول 2025

GMT 16:54 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تلامذة غزة يستأنفون الدراسة تحت الخيام وسط الدمار

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

القمر في منزلك الثاني ومن المهم أن تضاعف تركيزك

GMT 10:48 2025 السبت ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء السبت 04 أكتوبر / تشرين الأول 2025

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:39 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحوت الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 03:34 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

استقرار سعر الذهب في الأسواق المصرية الثلاثاء

GMT 05:48 2013 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

كيلي بروك ترتدي ملابس ماري أنطوانيت

GMT 04:24 2021 الثلاثاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أخبار البورصة المصرية اليوم الإثنين 4 أكتوبر 2021

GMT 15:13 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال يضرب سواحل إندونيسيا وتحذيرات من وقوع تسونامي

GMT 19:42 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

أربع محطات فنية في حياة مخرج الروائع علي بدرخان

GMT 13:07 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

فضل الله والماشطة يوضحان موقف عبدالله السعيد

GMT 06:20 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

مؤسس "غوغل" يكشف عن سيارة طائرة بنظام "أوبر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt