توقيت القاهرة المحلي 13:17:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البوتينيّة أعلى مراحل الاستعمار

  مصر اليوم -

البوتينيّة أعلى مراحل الاستعمار

بقلم:حازم صاغية

كلمة «استعمار» لم تعد تنطبق على مكان في العالم مثلما تنطبق على روسيا. إنّها الاستعمار بأكثر معانيه جلافة وبدائيّة: ممنوع أن تكون دولة ما جارةً لروسيا وحرّةً في وقت واحد. جيرة روسيا، حتّى تكون آمنة، تستدعي التخلّي عن السيادة وترك القرارات الكبرى لموسكو، لا للبرلمان الوطنيّ في حال وجوده. ممنوع، بالتالي، أن تكون الدولة المعنيّة جارةً لروسيا وديمقراطيّة تحترم إرادة شعبها وتعمل بموجبها.
نستعرض بسرعة أوضاع البلدان المجاورة وما آلت وتؤول إليه أحوالها بسبب التطبيق الروسيّ لمبدأ «الأقربون أولى بالمعروف».
على حدود روسيا الغربيّة، أي حدود الذعر من الديمقراطيّة، ثلاث دول تمتدّ من جورجيا جنوباً إلى بيلاروسيا شمالاً وبينهما أوكرانيا.
* جورجيا (4 ملايين نسمة)، شُنّت عليها الحرب في 2008 التي افتُتحت بها «الحروب الأوروبيّة» في القرن الحادي والعشرين. الذريعة طردُها أربعة روس متّهمين بالتجسّس لبلدهم. موسكو استفادت أيضاً من الحركات الانفصاليّة في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبيّة لتضييق الخناق على سلطة جورجيا وقرارها. لكنّ السبب الفعليّ للنزاع والحرب أنّ الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي، المنتخب لدورتين (2004 – 2013)، كان متحمّساً للانضمام إلى حلف الناتو. هذا محرّم على الجورجيّين. حتّى الآن لا يزال خُمس بلدهم محتلاًّ.
* أوكرانيا (45 مليوناً)، شُنّت عليها حرب في 2014. ذريعتها تحديد الوضعيّة النهائيّة للقرم ولأجزاء من الدونباس، وهي كلّها معترف بها دوليّاً بوصفها أراضي أوكرانيّة. الروس ضمّوا القرم بالقوّة ثمّ، ومن خلال الأقلّيّة الروسيّة، فصلوا الدونباس عن أوكرانيا. السبب الفعليّ للحرب هو الردّ على الثورة الأوكرانيّة التي أطاحت الديكتاتور الموالي لموسكو فيكتور يانوكوفيتش الذي انتهى لاجئاً في روسيا. أكثريّة سكّان أوكرانيا، من خلال ممثّليهم المنتخبين، متلهّفون للانضمام إلى الناتو. عشرات آلاف الجنود الروس حُشدوا مؤخّراً على الحدود مع أوكرانيا، ما قد يؤدّي إلى إحدى أكبر الأزمات في عالمنا اليوم.
* بيلاروسيا (10 ملايين)، عرفت انتفاضة شعبيّة في 2020 ضدّ «انتخاب» ألكسندر لوكاشنكو رئيساً للمرّة السادسة. لوكاشنكو كان ضابطاً في حرس الحدود السوفياتيّ، وهو يسمّي نفسه متفاخراً «آخر ديكتاتور في أوروبا». نصف العالم، بما فيه جميع الدول الديمقراطيّة، لا يعترف برئاسته، وبعضها يفرض على بلده عقوبات بسبب تزويره الانتخابات. بين الدول التي تعترف به: روسيا والصين وإيران وسوريّا وكوبا وفنزويلاّ.
قبل الانتفاضة كانت علاقات لوكاشنكو بفلاديمير بوتين قد تدهورت لأنّ الأوّل كان يطمح لأن يمنحه الثاني «احتراماً أكبر». الانتفاضة أعادت ترتيب العلاقات وإزالة الشوائب والأدران: لوكاشنكو صار همّه البقاء لا الاحترام، فيما كلفته على بوتين صارت أقلّ كثيراً. موسكو سارعت إلى إنقاذه ماليّاً وعسكريّاً: قوّاتٌ حُشدت على الحدود المشتركة وعمّالٌ روس حلّوا محلّ العمّال المضربين.
حساسيّة الحدود الغربيّة لا تلغي حساسيّة الحدود الأخرى: مؤخّراً، وإلى جنوب روسيا الشرقيّ، تحرّكت كازاخستان (20 مليوناً)، أكبر بلدان آسيا الوسطى. الانتفاضة أشعلها ارتفاع أسعار الوقود لكنّها سريعاً ما تسيّست وطرحت بقوّة مسألة السلطة والاستبداد. ذاك أنّ حاكمها الفعليّ نورسلطان نزاربايف، سبق أن انتقل من قيادة الحزب الشيوعيّ في العهد السوفياتيّ إلى رئاسة الحكومة بعد الاستقلال في 1990. في 2019 وضع في الواجهة دُميته قاسم جومارت توكاييف الذي ما أن واجهته الانتفاضة حتّى طلب من روسيا وبيلاروسيا إرسال جنودهم من أجل «استعادة الاستقرار».
حكمة بوتين هي، إذاً، كيف تدعم الاستبداد وتمنع الشعوب من التحرّر ومن صنع قرارها بنفسها. إنّها توسيع المسافة التي تفصل هذه البلدان عن الديمقراطيّة والتقدّم. أمّا السبب فهو ذاك الهوس الأمنيّ وخوف الحصار المزمن الذي سبق أن عرفه العهدان القيصريّ والشيوعيّ قبل أن ينبعث مجدّداً مع بوتين. الثلاثة طرحوا على أنفسهم المهامّ التي لا يملك بلدهم شروطها ومرتكزاتها الفعليّة فكانت النتيجة نوعاً من الجنون والعُظام اللذين يُلزمان الآخرين بألّا يتقدّموا ولا يتدقرطوا. بوتين يفاجئنا، المرّة بعد الأخرى، حين يدافع عن كلّ ماضٍ روسيّ وكلّ عهد روسيّ، لا همّ أكان رأسماليّاً أم شيوعيّاً. المهمّ، في آخر المطاف، هو استمرار تلك المعادلة: قوّة من دون سند وإضعاف للآخرين بلا حدود.
هكذا كانت روسيا حين «دعمت العرب» في العهد السوفياتيّ ضدّ إسرائيل، وهكذا هي اليوم، في العهد البوتينيّ، حين تقتلهم في سوريّا، وحين تتقاسم بعض الوظائف مع إسرائيل.
لكنْ يبقى من المستغرب نقص الحساسيّة العربيّة حيال روسيا، ودوام الاستعداد لاعتبارها صديقاً وفيّاً. إنّه استغراب لا يبدّده إلاّ تحوّل العداء إلى أميركا والغرب إلى ديانة، واستثمار الأنظمة العسكريّة والأمنيّة عندنا في تلك الديانة الزائفة التي تعود عليها، هي أيضاً، بنفع عميم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البوتينيّة أعلى مراحل الاستعمار البوتينيّة أعلى مراحل الاستعمار



GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt