توقيت القاهرة المحلي 02:13:19 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الغرفة رقم 49

  مصر اليوم -

الغرفة رقم 49

بقلم:طارق الشناوي

الحكاية بدأت كحة خفيفة، قالت لي صديقتي المخرجة ونحن في اجتماع تابع لإحدى لجان وزارة الثقافة: (كحتك مش عاجباني)، تجاهلت المعنى تماماً الذي تشير إليه، إلا أنها أضافت: (أنا تعافيت قبل أربعة أشهر من كورونا، وبقولك كحتك صعبة)، قلت مع نفسي، هو أنا مثلاً الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي كان دائم (النحنحة) فبل الغناء لأنه يتوجس خيفة من احتمال غياب صوته، هي ترى أن كحتي صارت نشازاً.
أول خط دفاع غالباً هو الإنكار، وهو أسوأ اختيار من الممكن أن يؤدى إلى نتائج وخيمة جداً، أمضيت يومين مستنداً إلى بقاء حاستي الشم والتذوق في عز قوتهما، وهو ثاني قرار كارثي، الفيروس قد تسلل وبدأ رحلة الغزو، طلب أحد الأطباء الأصدقاء، إجراء تحليل دم عدة أنواع ولم أنفذ بالإيقاع المطلوب، خسرت يومين، ثبت (كوفيد بتحليل الدم) ثم أشعة مقطعية، بدأت معركة المضادات الحيوية، بينما الفيروس يوجه ضرباته، وأجريت مقطعية ثانية بعد أن قال الطبيب بضرورة نقلي إلى المستشفى لهبوط الأكسجين، المقطعية الثانية أشارت إلى صعوبة الموقف.
سمعتهم يقولون الغرقة رقم 49، أول ما أنتظره للتفاؤل عند الإقامة في أحد الفنادق هو رقم الغرفة 7 أو مشتقاته، الرقم بعيد تماماً عن تحقيق هذا الهدف، ثاني اختبار لي في حكاية الرقم جمعهما، (يا داهية دقي) الرقم إذن 13.
ربما في فندق أو على مائدة عشاء ممكن التغيير، ولكن في العزل ليس من حق أحد أساساً السؤال، تسكين الإنسان في المستشفي يتم في ثوانٍ ويغلق بعدها الباب.
خسرت الضربة الأولى، بعد أن نزع الرقم من قلبي أي شيء له علاقة بالتفاؤل.
على الفور أجريت الأشعة المقطعية الثانية داخل الجهاز الحديدي، أصوات إيقاع مزعج، وتلمح وجهاً ضاحكاً داخل الجهاز، لا أعرف بالضبط، ما الحكمة وراء كل ذلك، أكدت المقطعية الثانية أن الضربة فوق المتوسط، وتمت زيادة جرعات الدواء المضاد لهذا المتوغل.
شعرت بنيران الحريق، في صدري، ارتديت ماسك أكسجين خوفاً من تناقص الرقم عن الحد الأدنى 95، سمعت ممرضة كانت تعتقد أني نائم تدعو: (ربنا يشفيك ويعافيك)، كان صوتها في تلك اللحظة أحلى مليون مرة من كاظم الساهر وهو يردد (سلامتك من الآه)، المقطعية الثالثة أشارت إلى أن هناك استجابة فورية للعلاج، وأن الأمل اقترب، بين كل ذلك كنت أخشى من شيء واحد، ضياع التواصل مع الدنيا خارج العزل، الهاجس سقوط (النت) وفقدان الشاحن هو الكابوس، أتابع الأخبار بينما عشرات من دعوات اللقاء عبر الهواء أو للتسجيل من قنوات مصرية وعربية عن دراما رمضان، تأتي لي أعتذر عنها كلها طبعاً.
داخل العزل كأنك في معتقل، وعلى البعد أستمع إلى أنات المرضى، وأشعر بالضبط كأنها آلامي، الروح تسمو والجسد يئن.
أعظم تجربة في الألم هي الشفافية، لا أتمنى الألم لأحد، حتى من يحمل بداخل قلبه كراهية شخصية لي، أتمنى ألا يتألم. أنا حالياً في منزلي، مرحلة كما قال لي الأطباء استعادة اللياقة، الوقت قد يطول أسبوعين أكثر أو أقل، لا أملك إجابة قاطعة... ما أعرفه يقيناً أنني تسامحت وتصالحت، وأمسكت النجوم في يدي!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغرفة رقم 49 الغرفة رقم 49



GMT 23:59 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

الدَّرس

GMT 23:54 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

الهجوم على خالد بن الوليد

GMT 23:42 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل يكفي التجريم فقط؟

GMT 23:40 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل يجرؤ الاتحاد الأوروبي على مصادرة الأموال الروسية؟

GMT 12:20 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

«ساحر الكرملين».. كيف يدمر الزعماء من صنعوهم؟!

GMT 12:11 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

المجتمع والحرب

GMT 12:09 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل يرحل؟

GMT 12:07 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

حلم الشيخة بدور القاسمي

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 01:07 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

تدابير الفيفا لمواجهة الحرارة في المونديال
  مصر اليوم - تدابير الفيفا لمواجهة الحرارة في المونديال

GMT 14:09 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

دراسة تؤكد أن انتظام مواعيد النوم يخفض ضغط الدم ويحمي القلب
  مصر اليوم - دراسة تؤكد أن انتظام مواعيد النوم يخفض ضغط الدم ويحمي القلب

GMT 16:33 2022 الأحد ,13 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 21:30 2020 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

"الهاموش" قصص إسلام عبدالغني عن دار روافد

GMT 12:38 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

8 إنجازات بارزة حققتها السياحة المصرية في 2019

GMT 00:54 2019 الأربعاء ,15 أيار / مايو

6 أمراض قد تكون السبب في الشعور بالتعب المستمر

GMT 11:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مبيعات بلايستيشن 5 برو تتخطى التوقعات في اليابان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt