توقيت القاهرة المحلي 14:32:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قراءة الحدث وتلاشي أطروحة «الواقع الفائق»

  مصر اليوم -

قراءة الحدث وتلاشي أطروحة «الواقع الفائق»

بقلم : فهد سليمان الشقيران

جان بودريار فيلسوف فرنسي مشاكس ارتبط اسمه بالأحداث درْساً فلسفياً وتحليلاً، هنا نحاول استعادة نتاجه وإرثه، المتخم بالتحليلات الجديدة والنظريات الحديثة. وبودريار فيلسوف فرنسي، أحد أقطاب فلاسفة ما بعد الحداثة، وُلد عام 1929 في فرنسا. درس الألمانية في السوربون ثم درّسها في الثانوية، عمل مترجماً وناقداً، ثم تابع دراسته للفلسفة وعلم الاجتماع.

وعمل على تأليف أكثر من خمسين كتاباً في الفلسفة وعلم الاجتماع ومنها: «مجتمع الاستهلاك»، و«الأساطير والبُنى»، و«مرآة الإنتاج»، و«التبديل الرمزي والموت»، و«انْسَ فوكو»، و«إغراء»، و«سيمولكارا والمحاكاة»، و«في ظلال الأغلبية الصامتة»، و«استراتيجيات قاتلة»، و«أميركا»، و«ذكريات جميلة»، و«نشوة الاتصال»، و«شفافية الشر»، و«وهم النهاية»، و«الجريمة الكاملة»، و«التبادل المستحيل»، و«كلمات السر»، و«العناصر المفردة للعمارة»، و«مؤامرة الفن».

بودريار مثير في نظرياته ومواقفه معاً وربما كانت نظريته حول «الواقع الفائق» Hyperreality من أبرز إسهاماته الفلسفية، يقول عنها أحمد المغربي: «إنها من أبرز ما قدمه فلسفياً خصوصاً أنه نحت في ثمانينات القرن العشرين فدلَّ على مغامرة بودريار في تيار ما بعد الحداثة». ويمكن فهم نظريته حينما نقرأ النص الذي بدأ به كتابته عن الواقع الفائق وهو منسوب إلى سليمان: «إن النسخة الشبيهة لا تُخفي الحقيقي أبداً بل إن الحقيقي هو الذي يخفي واقع عدم وجود شيء حقيقي، إن النسخة الشبيهة هي حقيقية».

ويستمرّ بودريار: «لم تعد النسخة الشبيهة صورة في المرآة عن أصلٍ ما، وبالتالي إشارة عنه، وتعدَّى أمر النسخة الشبيهة أيضاً أنها استقلت وانفصلت عن أي أصل، ولم تعد تشير إلى أصلٍ موجود، وبذا صارت إشارة إلى انتفاء الوجود نفسه ووصل الأمر إلى أن الواقع نفسه صار يُصنع كلياً من تناسل تلك النسخ الشبيهة التي تنفي وجود الواقع»، تلك هي نواة فكرة الواقع الفائق... ويمثّل على نظريته طويلاً، مبرهناً على وجود «الواقع الفائق» بهيمنة الكومبيوتر والشبكات الرقمية، وأجهزة التلفزة... على ما يشرح أحمد المغربي أيضاً.

كما اشتهر بودريار بموقفه من تبعات ونتائج تغلغل المركزية الغربية، نجد هذا مشروحاً على صفحات من مشروع الأستاذ مطاع صفدي في الجزء الثاني من كتابه «نقد الشر المحض - بحثاً عن شخصية مفهومية للعالم»، حيث يصف بعض حديث بودريار حول المأزق الذي ينوء به العالم من فعل توزع شظايا المركزية الأميركية بـ«الفكر الإبداعي الذي يصف المناحة الحضارية وهو في صميمها»، حين يتحدث بودريار قائلاً: «ليست تصرفاتنا الحماسية التذكارية بكل وضوح إلا جزء من هذا الجَلْد الجماعي ونحن في فرنسا خاصة، أناس تالفون، إذ يخيِّم طقس حقيقي وتعزيات على حياتنا العامة، جميع نُصُبنا هي أضرحة؛ الهرم، والقوس، ومتحف أورسي، وغرفة المدفن الكبير، هذه المكتبة الكبرى، إنها النصب التذكاري للثقافة، ودون أن نعدّ الثورة فقد كان لها وحدها النصب التذكاري الذي شُيّد له احتفال ذكرى المائتي عام، أجمل صورة حديثة مصطنعة لنهاية القرن».

يستمرّ -بودريار- في رسم الصورة التي تتضح من خلال نقده لفكرة نهاية التاريخ، المستندة إلى تأويلات كوجيف لهيغل، والتي رسمها وبناها فرنسيس فوكوياما في مقالته في مجلة «المركز»، ومن ثم في كتابه «نهاية التاريخ» فيسمي بودريار «نهاية التاريخ» بـ«إضراب الحادثات» فهو على عكس ما يتصوره فوكوياما تماماً، فأبرز ما يصل إليه «التاريخ الراهن» هو «رفض الدلالة» لأي شيء كان!

تلك هي النهاية الحقيقية للتاريخ... إنها «نهاية العقل التاريخي» وأكثر من ذلك، فقد يكون الأمر مستحباً «لو أننا ننتهي مع التاريخ»، ذلك أنه من الممكن ألا يكون التاريخ قد انتهى فحسب فلا فاعلية للسلبي ولا وجود للعقل السياسي بعد، ولا لامتياز الحدث، ولكننا أصبحنا ملزمين تغذية نهايته». يسهم -إذاً- بودريار في تنشيط الجَلْد الذاتي الجماعي الذي يتحدث عنه، فليست «نهاية التاريخ» نقصاً في الكمال أو نقيضاً له ولكنها تحسس عقيم بعصر الانقضاء... ثم يقول بنبرة صارخة: «أصبحت المعضلات محلولة بالاختراع ما بعد الحداثوي عن طريق الاستقلاب وأجهزة الترميد فمن مُرمّدات التاريخ الكبرى، يُبعث (فينق الحداثة البعدية)، إذ ينبغي التسليم بحقيقة أن كل ما ليس قابلاً للزوال يغدو اليوم قابلاً للتدوير، إذن ليس ثمة حل نهائي، لن ننجو من الأسوأ، وهو أن التاريخ ليس له نهاية. المدهش في ذلك هو أنه لا شيء مما اعتقدنا أن التاريخ تجاوزه قد اختفى حقاً، فكل شيءٍ لا يزال هنا، فلا يكاد التاريخ ينفصل عن زمن الدورة حتى يسقط في نظام إعادة التدوير!».

بودريار ليس نيتشوياً إلا في صفحة الإدانة والندامة، فالعدمية المعاصرة -وفق صفدي- تتجاوز حتى عدمية نيتشه، وما كتبه بودريار كأنه رثاء جنائزي، يتضح هذا عبر كلامه العريض في كثير من لقاءاته، ولعلّ كلمته في جريدة «اللوموند» الفرنسية حينما قال: «لا فكرة لديَّ عمّا ينتظر العالم» أحد أكثر كلماته تحذيراً وإنذاراً!

هذه مجرد إضاءة على فلسفة بودريار المتشعبة، نويت بكتابتي هذه إبراز اسمه وسيرته وإبراز شيء من عباراته وخطوط عريضة من نظريته الأبزّ «الواقع الفائق» وفاءً لحركته المستمرة لإثراء الثقافة الإنسانية، وتحليل مآزق التعنتر البشري، لنقرأه وهو المؤثر والمنخرط في دراسة الأحداث الكونية، والالتواءات السياسية والبشرية، عبر منظوره الفلسفي المثير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءة الحدث وتلاشي أطروحة «الواقع الفائق» قراءة الحدث وتلاشي أطروحة «الواقع الفائق»



GMT 20:35 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

48 ساعة كرة قدم فى القاهرة

GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 03:13 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

النوم الهادئ لا يعتمد على الدماغ فقط بل يبدأ من صحة الأمعاء
  مصر اليوم - النوم الهادئ لا يعتمد على الدماغ فقط بل يبدأ من صحة الأمعاء

GMT 10:26 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

إيمي سمير غانم تكشف سر ابتعادها عن التمثيل
  مصر اليوم - إيمي سمير غانم تكشف سر ابتعادها عن التمثيل

GMT 16:37 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

تسلا تكشف عن روبوتها الشبيه بالبشر اوبتيموس في برلين
  مصر اليوم - تسلا تكشف عن روبوتها الشبيه بالبشر اوبتيموس في برلين

GMT 16:37 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

صندوق النقد يحث الصين على إصلاحات هيكلية عاجلة لتعزيز النمو

GMT 08:55 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الأسد الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:56 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 09:00 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

جرح فلسطين المفتوح

GMT 10:52 2020 الخميس ,19 آذار/ مارس

منة عرفة تكشف حقيقة ارتباطها بـ علي غزلان

GMT 22:21 2018 الجمعة ,06 تموز / يوليو

مصر تشارك في قمة "بريكس" في جنوب أفريقيا

GMT 20:12 2013 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

مجسم "الهنتيكة" في أسيوط لغز محيِّر لم يعلم سره أحد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt