توقيت القاهرة المحلي 19:40:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفلسفة و«غربة المفهوم»

  مصر اليوم -

الفلسفة و«غربة المفهوم»

بقلم : فهد سليمان الشقيران

بقدر ما تحمل الفلسفة تعريفاتها الدقيقة، بقدر ما تحمل ممانعة ضد التعريف، إذ لكل فيلسوفٍ تعريفه لها، طبقاً للرؤية التي يتخذها، أو المسار الذي يسلكه، أو المنتج الذي يعمل عليه. ثمة تعريفات للفلسفات... لكن «الفلسفة» بقيت فضاءً ممتداً لا يمكنها أن تُحتكر ضمن حدّ، أو توضع ضمن قصد، أو تحصر ضمن تأويلٍ أو انفجار نظري واحد.

من هنا يكون لبعض الفلاسفة أوصافهم عن الفلسفة، على النحو الذي يصف فيه نيتشه الفيلسوف بأنه «حامل المطرقة»، أو أنها السبيل نحو «السخرية»، بينما يعتبرها جيل دلوز محاربة «للغباء»، وفوكو يصف وظيفة الفيلسوف بأنه محارب من دون هوادة «للحماقة». كل تلك الشطحات أو التوصيفات الشذرية للفلسفة، أو التعميمات اللحظية لها تنبثق من لحظة الرؤية الدقيقة لما في الواقع، ذلك أن العالم بعد الحربين العالميتين، والثورة الصناعية، أصبح أكثر غربة، وبات الإنسان ضحية «الاغتراب» الكارثي على الرغم من كل فتوحات التقنية، إذ يمكنك أن تلفّ العالم بجهازك الكفي لكنك «الغريب» بداخله بكل ما للكلمة من معنى.

الحماقات التي يرتكبها الإنسان تبرهن على أن الكثير مما يجري في هذا العالم مثير للسخرية، ثمة اندفاع نحو العنصرية وانتشار للكآبة، وتفشٍ للأمراض الخطرة، ونضوب في المياه، وجفاف في المناخ، وتضخم بالسكان، وازدياد بالفقر، واحتباس في المناخ، كل تلك الكوارث ليست من صنيعة الكائنات الأخرى على الكواكب من حولنا، بل من صميم صنع الإنسان وفعله. لهذا ربما حاول الإنسان «أنسنة» كل شيء، لكن من دون أن يؤنسن نفسه. بات الأسير الأكبر لـ«الاغتراب» عن الطبيعة التي لم يبد وفياً معها، ولم يتعامل معها بإخلاص وجدية، ولم يعر الموضوعات الأخلاقية أي اهتمام.

هناك أوضاع مزرية تُمارس بعد كل القرون التي مضت من النظريات والمفاهيم والموضوعات التي تحاول أن تعالج «الحماقة» أو «الغباء». ثم تكتمل الحماقة، ويتصاعد الغباء من خلال ما اعتبره هيدغر «الوجود الزائف»، إذ تتعمد المجاميع البشرية «التواطؤ» للغيبوبة ضمن «الوجود الزائف» ضمن «الأشياء» والجموع، و«القيل والقال» على حد وصف هيدغر أيضاً. هناك تجهيل وتواطؤ على تجريب الجهل والانغماس التام في «شيئية» مقرفة، تتبعها حال نسيان للذات والكينونة والمصير والمعنى... هناك زحف كبير وتنافس ضخم على التفاهة والحماقة والغباء. الوجود الزائف حيث السقم بالتفاهة والأشياء، والغرق بزيف «الهم» أو «الجموع»، ويا له من وجود يبعث على «الغثيان»، على حد تعبير سارتر.

ربما تكون وظيفة الفلسفة الآن - التي تتحوّل دائماً - شبيهة بوظيفة الصوفي العارف، الذي تضيق عبارته كلما اتسعت رؤيته «النفّري» وربما كانت متعة نصّية... يلوذ الإنسان بالنص للاغتسال من درن الواقع، وربما كانت علاجاً وترياقاً وعزاءً للإنسان في ظلّ هذا الموج من الدماء والأشلاء، وربما تكون صاقلة للكينونة بحيث تجعل الفرد ضمن الوجود الحقيقي، وجود الإدراك للمعنى والتمسك بالسخرية والغضب، كما تتمسك الفلسفة بوظيفتها الأصلية منذ الإغريق «مخاطبة الغموض» وربما كان الفيلسوف حامل رؤية، لكن من دون تبشير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفلسفة و«غربة المفهوم» الفلسفة و«غربة المفهوم»



GMT 00:50 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

مرةً أخرى حول موسوعة تأهيل المتطرفين

GMT 08:18 2024 السبت ,18 أيار / مايو

يا حسرة الآباء المؤسسين!!

GMT 00:12 2024 السبت ,18 أيار / مايو

دعوة للإصلاح أم للفوضى؟

GMT 00:12 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

قمّة المنامة!

GMT 21:35 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

مونشنجلادباخ مصدوم من تعليقات جماهيره العنصرية

GMT 01:12 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

محمد هنيدي يكشف عن سبب عدم حضوره جنازة حسن حسني

GMT 10:29 2020 الأربعاء ,26 شباط / فبراير

إيهود باراك يمدح حسني مبارك ويصفه بـ"الفرعون"

GMT 22:53 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أول ظهور لـ والدة وخالة النجمة زينة

GMT 17:59 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

مصرع عروسين إثر تسريب غاز منزلي في بني سويف

GMT 18:33 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ديانج يغيب عن مران الأهلي في ملعب التتش للإصابة

GMT 11:17 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

هنادي مهنا وجميلة عوض ومي الغيطي مراهقات في «بنات ثانوي»

GMT 02:15 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالة جريئة لكنزي عمرو دياب في أحدث ظهور لها

GMT 01:50 2019 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

محمد فؤاد يؤكد على حبه للجيش وللشعب المصري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon