توقيت القاهرة المحلي 17:14:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الانسحاب الأميركي...تنفيذ سياسات الانعزال

  مصر اليوم -

الانسحاب الأميركيتنفيذ سياسات الانعزال

بقلم : فهد سليمان الشقيران

لم يُحسم بعد موضوع انسحاب ما تبقى من القوات الأميركية من العراق، وتعدادها ألفان وخمسمائة جندي موزّعين على الثكنات والقواعد، قوة الوجود الأميركي ليس في كثافته، وإنما في رمزيته، وأي انسحاب مزمع سيكون كارثياً. نعلم أنَّ جزءاً من شروط تتويج حكومة السوداني طرح فكرة انسحاب القوات الأميركية، ولكن في حال انسحابها سينفرط عقد الحكومة، فبقاء السوداني رهن بقاء الأميركيين، بينما الأكراد والشيعة والسنة ينتظرون بحذر؛ لأن الانسحاب لن يكون ذا مفادٍ عسكري، وإنما له رسالة سياسية، وقد يكون أثره مدويّاً على أكثر من صعيد.

للانسحاب أثره في بعث المعنويات الجهادية لدى الجماعات المتطرفة الشيعية والسنية، سيعيد لهم فرصة بعث مقولتين؛ أولاهما: هزيمة أميركا في العراق، وبالتالي الضغط على هذا الوتر المسمّع لدى المجتمع المحافظ، والمقولة الثانية: لقد انفردنا بالساحة، وبالتالي سيعزز من هيمنة الجماعات المتطرفة على الواقع العراقي، وتعزيز حضور الأحزاب الولائية المناوئة لأميركا عسكرياً وسياسياً، وهذا نذير خطرٍ قد لا تأبه له الولايات المتحدة كما لم تأبه لـ«طالبان» في أفغانستان.

بعد انسحاب أميركا من أفغانستان، كتبت سلسلةٍ من المقالات حول هذا الموضوع وقلت إن الانسحابات الأميركية من العراق وأفغانستان لم تكن مفاجئة، منذ نهاية عهد بوش الابن الذي ترك إرثاً لم يحتمله خلفه، والحديث عن الانسحاب والانعزال مشروع مطروح، ليس لدى باراك أوباما وحسب، بل لدى ترمب، واليوم بايدن يقوم بتنفيذ الانسحاب الذي كان من مناصريه منذ أن ندم على تصويته على حرب العراق حين كان في مجلس الشيوخ وحتى وقوفه الشرس ضد زيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان، حين اقترح رئيس هيئة الأركان الأميرال مايك مولين نشر ثلاثين ألف جندي فوري إضافي. قاتل بايدن وبعناد في الاجتماعات التي رأسها أوباما ضد الحروب ونشر القوات، ولهذا الرأي ولما سببته أفغانستان من مآسٍ نفسية وجسدية على الأميركيين قصص أوردها أوباما في مذكراته التي طبعت نسختها العربية بعنوان: «الأرض الموعودة»... قصص تروى.

في كل مذكراته، يبدو أوباما فخوراً باختلاف بايدن مع بقية فريقه، دافع عن رأيه المحافظ في المجال العسكري، فهو يرى أفغانستان «المستنقع الخطير» لأميركا، ونشر القوات يجب أن يرتبط بـ«استراتيجية واضحة». أوباما برغم نشره لقوات إضافية في أفغانستان فإنه في قصصه حول الحروب والقتال دائماً يبدي ندمه. في روايته لقصة نشر القوات يعدّها خطوة نحو «تجنب الهزيمة»، المزيد من الجيوش والقواعد والطائرات لن ينتج النصر، لكنَّه يؤمن أن تلك الخطوة كانت ضرورية لتحديد الصراع الدائم بين البنتاغون والبيت الأبيض، وحين اتهم البعض بايدن آنذاك بأنه سبب الصراع بين المؤسستين، دافع عنه أوباما في المذكرات.

واستراتيجية الانسحاب المنفذة حالياً تخمرت لدى بايدن منذ سنواتٍ طويلة حتى بعدما عرف بـ«تقرير ريدل» الداعي لاستمرار «الالتزام الأميركي» في محاربة الإرهاب و«القاعدة» بأفغانستان وباكستان. بقيت رؤية بايدن انسحابية، أوباما لم يكن ضد التقرير لكنَّه يشكو من «غموض طريقة فعل ذلك». كان يرفض البدء من الصفر في تلك الحرب، بعد ذلك اقترح وزير الدفاع حينها روبرت غيتس تبديل قائد القوات ماكرينان بالفريق ستانلي ماكريستال، والهدف تحقيق مهارة أعلى في العمليات المزمع تنفيذها آنذاك.

وضع غيتس بين عيني أوباما ما عرف لاحقاً بـ«استراتيجية الجهد الكافي في أفغانستان». أوباما كما يقول لم يستمتع بأي من هذه الحروب، وكان منزعجاً من تركيز الصحف على خطوة نشر القوات، وكأنه ينقض ما وعد به في حملته. بينما بايدن كان ضد كل انتشار على الدوام، بل تساءل - كما يروي عنه أوباما - عن سبب الحاجة لنشر مائة ألف جندي لإعادة بناء أفغانستان، فيما تنظيم «القاعدة» موجود في باكستان، واستهدافه شبه محصور بالضربات الجوية التي تنفذها الطائرات المسيرة.

منذ أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 والحديث عن استراتيجية الانسحاب يأخذ الساعات الطوال في اجتماعات أوباما وفريقه. كان القادة العسكريون يقولون لأوباما بوضوح إن استئصال «طالبان» من أفغانستان أمر غير واقعي، وسحق تنظيم «القاعدة» يستحيل إذا نجحت «طالبان» في السيطرة على البلاد، وعليه ما يمكن فعله هو «تقليص نشاط (طالبان)»، اختلف بايدن مع ماكريستال حول نقطة محددة، بايدن يرى نشر 20 ألف جندي لمكافحة الإرهاب، وماكريستال يؤيد إرسال 40 ألفاً، وأوباما مصعوق من رقم كريستال، لماذا هذا العدد إذا كنا قلصنا الأهداف؟!

الحل المريح لأوباما وهو في المنتصف بين بايدن وماكريستال طرحه روبرت غيتس، نرسل ثلاثين ألف جندي، مع خطة انسحاب وجدول زمني للعودة، من وجهة نظر أوباما كان «حلاً وسطاً» يؤيد خطة بايدن ويمنح ماكريستال القوة النارية لوقف تقدم «طالبان».

الخلاصة أن بايدن إن انسحب من العراق فإنه ينفذ خطته الانعزالية التي صارع من أجلها طوال تسع جلساتٍ محتدمة، وهي نتاج رؤية مترسخة وقديمة، وكانت أمنية رئيسين سبقاه، لذلك فإن بايدن كان واضحاً حين قال: «الحل هو التعايش مع (طالبان)»، وعليه فإن الانسحاب الأميركي من مناطق النفوذ سيكون مصحوباً بنفس الرؤية الانعزالية لدى أوباما، وقد يدفع ثمنها، وبخاصةٍ أنه فتح جبهة غير مقفلة مع جماعة الحوثي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانسحاب الأميركيتنفيذ سياسات الانعزال الانسحاب الأميركيتنفيذ سياسات الانعزال



GMT 02:56 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

«حماس» 67

GMT 02:50 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

نهاية مقولة «امسك فلول»

GMT 02:30 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الإعلام البديل والحرب الثقافية

GMT 02:26 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

«الدارك ويب» ودارك غيب!

GMT 02:11 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الاستثمار البيئي في الفقراء

GMT 16:02 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
  مصر اليوم - طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 13:43 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 10:39 2022 الثلاثاء ,19 تموز / يوليو

الأهلي يسوّق بدر بانون في الخليج والرجاء يريده

GMT 11:36 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

النجم الألماني مسعود أوزيل يختار الأفضل بين ميسي ورونالدو

GMT 04:38 2020 الثلاثاء ,25 آب / أغسطس

دنيا سمير غانم تتألق رفقة زوجها

GMT 20:38 2020 الأربعاء ,22 تموز / يوليو

كوريا الجنوبية تسجل 63 إصابة جديدة بكورونا

GMT 13:16 2019 الخميس ,17 كانون الثاني / يناير

طريقة سهلة لتحضير الهريسة الحلوة

GMT 11:35 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إنتاج الجيل الثالث من المحفظة الذكية المضادة للسرقة

GMT 21:19 2017 الأحد ,04 حزيران / يونيو

زهير مراد يعلن عن فساتين زفاف لربيع وصيف 2017

GMT 15:06 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

خان الخليلي وجهة سياحية مصرية لا تُعوض

GMT 15:15 2021 الأربعاء ,21 تموز / يوليو

حمادة هلال يتصدر تريند يوتيوب بكليب «أم أحمد»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon