توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صوت المعركة وصوت العقل

  مصر اليوم -

صوت المعركة وصوت العقل

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» شعارٌ تم الترويج له نهاية الستينيات الميلادية، وكان يراد به إخماد كل الأصوات الناقدة للهزيمة التي طالت مصر والعرب عموماً وأصبحت تسمى زوراً بـ «النكسة» لتخفيف وطأتها لدى الأتباع. بعد ذلك ولأكثر من خمسين سنةً مرت بالشعوب العربية أصواتٌ كثيرةٌ مرفوضة وصوتٌ واحدٌ هو الذي يجب أن يبقى، واختلف نوع الصوت الذي لا يعلى بحسب الجهة والتيار الذي يرفع الشعار في كل مرحلةٍ زمنيةٍ، والأصوات التي يراد إسكاتها كانت متنوعةً مثل «صوت العقل» و«صوت الحكمة» و«صوت المصالح».

في نهاية الستينيات وما بعدها، كان القوميون يهتفون «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» أي المعركة مع إسرائيل، تلك التي خسروها، ولكنهم تركوا إسرائيل وتفرغوا لمهاجمة الدول العربية والتآمر عليها ويهتف زعماؤهم ويكتب مفكروهم ويروّج صحافيوهم أنه يجب القضاء على «الرجعية العربية» ففشلوا هم وبقيت الدول العربية.

في الفترة نفسها، في نهاية الستينيات بدأت تبرز على السطح تيارات كانت تعتمل داخل المجتمعات قبل ذلك لعقودٍ، وهي تيارات الإسلام السياسي وجماعاته وتنظيماته فيما عرف لاحقاً بـ «الصحوة الإسلامية» وكان من شعارات منتسبي هذه التنظيمات أنه «لا صوت يعلو فوق صوت الحق» وإن بصيغٍ متعددة، وتركوا إسرائيل وأخذوا يكفرون الأنظمة السياسية العربية والمجتمعات العربية، عبر مفاهيم «الحاكمية» و«الجاهلية» و«الجهاد» والذي هو «فرض عين» منذ سقوط الأندلس، وأصبحوا يروجون لنظرية «جهاد العدو القريب أولى من جهاد العدو البعيد» فتوجهت جماعاتهم وتنظيماتهم لنشر التفجيرات والاغتيالات والإرهاب داخل الدول العربية بوصفها «العدو القريب».

ومن ضمن هؤلاء خرج «المقاومون» ليعبروا عن صيغةٍ طائفيةٍ مذهبيةٍ تعبر عن «توحش الأقليات» وتصنع «الميليشيات» وتدعم «تنظيمات الإرهاب» خدمةً لطموحات التوسع وبسط النفوذ المختلطة بإرث إمبراطوري غابرٍ، وأصبحوا يهتفون أن «الطريق إلى القدس» يمرّ بعواصم الدول العربية التي يهاجمونها وينشرون الخراب والدمار فيها، فالطريق إلى القدس يمر بـ «بغداد» و«دمشق» و«بيروت» و«صنعاء» وبغيرها من العواصم التي لم ينجحوا فيها بعد. حين تجر بعض الفصائل الفلسطينية الويلات على شعب غزة فإنها تصنع ذلك لعيون «المقاومة» لا لعيون «القضية» بمعنى أنه تفعل ذلك خدمةً لأجندةٍ طائفيةٍ أصوليةٍ توسعيةٍ لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية ولا بالشعب الفلسطيني، فتحولت «فلسطين» من «غاية» في الشعارات والحشد والتهييج إلى «وسيلةٍ» و«أداة» في الصراع الإقليمي. في كل تيارٍ من هذه التيارات أدبياتٌ مطوّلةٌ، من نظرياتٍ وأفكارٍ، ومفاهيم ومبادئ، وكتبٍ ومقالاتٍ، وقصائد ورواياتٍ، ولكل تيارٍ رموزٌ وقادةٌ، وصحفٌ ووسائل إعلامٍ، من القوميين ومن معهم من اليسار إلى تيارات الإسلام السياسي والصحويين الأصوليين وصولاً إلى الطائفيين «المقاومين» و«الممانعين» وهي أدبياتٌ لم يسلط عليها النقد العلمي الصارم ولم تتم مواجهتها بصراحةٍ ووضوح.

هذه التيارات، كلٌ في حينه، كانوا يفتعلون الأزمات والحروب والمعارك، ثم يحذرون الجميع من نقدهم أو رفض «مغامراتهم» غير المحسوبة اختباء خلف «القومية» أو «الدين» أو «المقدس» ويرفعون شعارات «التخوين» أمام كل سياسةٍ مختلفةٍ أو نقدٍ رصينٍ، وذلك تحصيناً للقرارات والتوجهات الرعناء من أن يتم فضحها لدى عامة الناس والجمهور المغرر به.

أخيراً، فإنه من العجيب حقاً استجابة بعض وسائل الإعلام لمثل هذه الطروحات، والامتناع عن نشر النقد حتى ولو كان ناعماً لمثل هذه التوجهات عبر أزماتٍ متعددةٍ ومستمرةٍ على مدى عقودٍ من الزمن، والنقد الصارم في أوقات الأزمات أكثر وقعاً في العقول منه في غيرها من الأوقات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صوت المعركة وصوت العقل صوت المعركة وصوت العقل



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt