توقيت القاهرة المحلي 02:18:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«بوتين» و«كارلسون» والشعب الأميركي

  مصر اليوم -

«بوتين» و«كارلسون» والشعب الأميركي

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

الصحفي الأميركي الشهير تاكر كارلسون المثير للجدل أثار جدلاً كبيراً قبل أيام بعملٍ صحفي بارع استطاع فيه إجراء مقابلة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، كان يمكن لهذه المقابلة أن تكون عملاً صحفياً جيداً وليس بارعاً، ولكن الإعلام الأميركي يرفض أن يخرج رئيس روسيا ويخاطب الجمهور الغربي والشعب الأميركي مباشرةً ويشرح أبعاد الصراع الدائر في أوكرانيا من وجهة نظره.
تاكر كارلسون أعدّ جيداً لهذا الحوار والرئيس بوتين مستعد أكثر من كارلسون، فالقضية بالنسبة للأخير هي عمل صحفي ينتهي منه ويتجه لما بعده بينما هي بالنسبة لبوتين قضية أمنٍ قوميٍ روسي فيها الكثير من الخطوط الحمراء، وهو يشرحها بإسهاب وترتيب ذهني قد يشعر غير المختص بشيء من الملل، وهو عندما كان يشرح لكارلسون ولمشاهديه من الشعب الأميركي والشعوب الغربية والعالم من خلفهم كان واعياً أن الشرح المسهب قد يفقده بعض الجاذبية في الحوار، ومع ذلك فعلى الرغم من مقاطاعات كارلسون المتكررة فإن بوتين كان يعيده مرةً بعد أخرى للسياق التاريخي والسياسي الذي يريده حتى أكمل الشرح والتوضيح ثم أجاب على كل أسئلة كارلسون كما قد يفعل أي سياسيٍ في هذا الوقت.
فبوعي كاملٍ وثقافة حاضرةٍ استعرض الرئيس بوتين تاريخ روسيا لأكثر من ألف عامٍ ليضع نقط التاريخ على حروف الواقع، وليبني قضيته في الحرب الروسية الأوكرانية الحالية على أساس متينٍ فتحدث عن التاريخ والجغرافيا وعن الدين والعرق واللغة، إنه لم يكن سياسياً يدافع عن قرار اتخذه، بل هو مثقف واع يدافع عن هويته وتاريخه وحقوقه، كل هذا وهو يخاطب الشعب الأميركي والشعوب الغربية عموماً كمحاولة منه لتهدئة الشعور المتزايد بالعداء معه ومع روسيا في أميركا والغرب.
شواهد بوتين كانت حاضرة بالحدث والتواريخ والأرقام، وبالشخصيات التي تناقش معها من رؤساء أميركيين وغربيين عموماً، وهو يذكرهم بالاسم وعدد منهم ما زالوا أحياء ويستطيعون الرد عليه، ثم إنه دعّم موقفه بالعديد من الوثائق المهمة التي استعرضها وأكثر من هذا فقد كشف عن طرفٍ من بعض المحادثات السرية مع أميركا من خلاله شخصياً أو من خلال المؤسسات الروسية ونظيراتها الأميركية، وأياً كانت ردود الفعل على هذا الحوار داخل أميركا فإن الدولة الأميركية يجب أن تجد طريقة للرد وتوضيح بعض الحقائق، وهو ما يريده بوتين على أي حالٍ.
استحضار التاريخ وسياقاته المغيبة عن الآخرين واستخدام الوثائق الرسمية كانا أحد الأدوات المهمة التي استخدمها الرئيس بوتين في توضيح موقفه وسياسة بلاده وقرار الحرب في أوكرانيا، ما يسلط الضوء الكثيف على أهمية التاريخ ومعطيات الهوية القومية كاللغة والدين والعرق على أحداث الواقع وسياسات الحاضر، وهذه معطيات بالغة الأهمية والحساسية، ولا يمكن تركها والتغاضي عنها أو التقليل من شأنها ضمن أي جدالٍ أو سياقٍ.
هذا في روسيا وعلاقاتها بجيرانها وبالغرب عموماً على الرغم مما جرى هنا في القرون الأخيرة من «ثوراتٍ» كبرى و«تنوير» واسعٍ فكيف هو الشأن في منطقتنا منطقة الشرق الأوسط، فالأمور لدينا لم تزل أكثر تخلفاً من ذلك بكثيرٍ، بحكم التطور التاريخي للأفكار والأمم والشعوب، وما زالت عناصر «الهويات القاتلة» كما كتب أمين معلوف تعيث فساداً في العقول والقلوب وتخرج منها جماعات وتنظيمات وأحزابٍ وميليشيات، وتتبناها بعض الدول في المنطقة وتنفخ في كير الفتنة وتبني عليها مشاريع عابرةٍ للحدود تسعى من خلالها للتوسع وبسط النفوذ وفرض الهيمنة على الدول والشعوب العربية. أخيراً، فحوار كارلسون مع الرئيس بوتين جديرٌ بالمشاهدة والتدقيق لأنه يفتح أبواباً مغيبة عن الصراع الدولي الساخن.
*كاتب سعودي

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بوتين» و«كارلسون» والشعب الأميركي «بوتين» و«كارلسون» والشعب الأميركي



GMT 19:46 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

يا وزيرة الثقافة!

GMT 19:45 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

«الفيتو» الأمريكى؟!

GMT 19:39 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

غزة وتحديات ما بعد الحرب

GMT 17:33 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

العكس بالضبط

GMT 17:24 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

المرأة المصرية شاركت فى بناء الأهرامات!

GMT 15:42 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
  مصر اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 19:21 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد الكرة يشكل لجنة ثلاثية لمتابعة شؤون اللاعبين

GMT 11:47 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

وفاة والد الفنانة سهر الصايغ

GMT 20:10 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرارات جمهورية للرئيس السيسي

GMT 22:11 2019 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

طارق يحيى يؤكد أن مرتضى منصور شخصية طبية وودودة

GMT 11:20 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

بيومي فؤاد يصور فيلمه الجديد "بكرة" في الزمالك

GMT 15:35 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

"أبل" تدرس نقل أعمالها في الصين إلى دول آسيوية

GMT 10:34 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

أسعار العملات العربية اليوم الأربعاء 19-6-2019

GMT 07:26 2019 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

تسريحات شعر من وحي نادين نجيم في "خمسة ونصف"

GMT 14:30 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

50 هدفًا تفصل "ليونيل ميسي" عن عرش "بيليه"

GMT 10:11 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

الأهلي يواجه الزمالك 30 آذار في برج العرب دون جمهور

GMT 20:57 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

إعدام طالب جامعي شنقًا قتل مدرسًا في محافظة البحيرة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon