توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليست مجرد حكايات... إنها شواهد تاريخية!

  مصر اليوم -

ليست مجرد حكايات إنها شواهد تاريخية

بقلم - صالح القلاب

بقينا كعرب، إنْ بأغلبيتنا وإنْ بصورة عامة، نتباكى ونتأوه ونصرخ وبأصوات عالية ومرتفعة: «يا ويلنا»، وهذا حتى في مراحل كانت متألقة فعلاً، إنْ سابقاً عندما وصلت السيوف والرماح العربية من أقصى مكان في الشرق البعيد وإلى أبعد فتوحات مظفرة في الغرب، وحيث إنّ خيولنا المطهمة كانت قد شملت معظم أجزاء أوروبا، وإنّ حتى إسبانيا هذه نفسها قد أصبحت ولاية عربية «إسلامية»، وحيث إنّ الإسلام العظيم كان في تلك الفترة الزاهية والمتألقة قد شمل أجزاءً رئيسية من الكرة الأرضية!
وهكذا، فإنّ التساؤل المُلِح هو أنه إذا كانت قد مرت بنا بعض الفترات واللحظات التي كانت تتطلب أنْ نصرخ وأنْ نرفع أصواتنا عالياً، عندما أصبح العالم العربي محتلاً احتلالاً كاملاً، وهذا حتى قبل التمدد والمد العثماني، وفي مرحلة كانت مريضة بالفعل، وحيث كان المستعمرون والغزاة القادمون من الشرق والغرب ومن الشمال والجنوب ومن الاتجاهات كلها، قد حولوا هذه الأمة العظيمة إلى مجرد أتباع لهم، وحيث إن اللغة العربية قد أصبحت لغة لقراءة القرآن الكريم، ولتعليم بعض أطفال المدن كيف يقرأون بعض الآيات الكريمة، وبإشراف بعض شيوخ الدين المعممين، فالمؤكد أنّ هذا كان يعرفه آباؤنا وأجدادنا، وآباؤهم وأجدادهم، وكانت قد عرفته بعض أجيالنا نحن الذين قد وَخطَ رؤوسهم الشيب، وحيث إنّ حتى عاصمتنا عمان هذه التي غدت «أم الدنيا فعلاً» كانت قرية صغيرة، وكانت المدارس الفعلية فيها تقتصر على بعض الوافدين الذين قد جاءوا من جهات ودول متعددة، وشكلوا أقليات قومية سابقة ولاحقة، وحيث إنّ كل أقلية قد كانت لها مدرستها، وكانت اللغة العربية مخصصة للصلوات في المساجد، ولتعليم بعض أطفال الوافدين بعض الآيات القرآنية.
وإنني كابن تلك المرحلة المبكرة، فإنني أذكر أنّ مدرستنا التي كان يديرها شيخ واحد قد جاء من فلسطين عندما كان قد بدأ يحصل كل هذا الذي حصل، وكان في فترة أواخر الربيع والصيف عبارة عن شجرة بلوط «رومانية» قديمة تقع على سفح الجهة الجنوبية من قرية العالوك التي كانت قد أخذت اسمها من «شجر البلوط» الذي بات غابة جميلة تطل على عمان الممتدة من الجنوب وعلى سيل الزرقاء الجميل، وعلى جرش التاريخية وجبال عجلون التي لا مثيل لها، سلسلة جبال متراصة في الكرة الأرضية.
إنّ هذا يعني أنّ عمان هذه الآنفة الذكر قد أصبحت مدينة هائلة كبيرة غدت تضع أقدامها من الناحية الغربية في نهر الأردن التاريخي المقدس، ومن الناحية الشرقية قد أخذت معها مدينة الزرقاء نسبة إلى سيلها الأزرق وإلى بحرها الأزرق من الشرق، وربما إلى زراق عيون كانوا قد وفدوا إليها، ومن أربع رياح الأرض كما يقال، ومن بينهم بالطبع بعض الذين بقوا يصرون على الرطن بلغتهم التي كانوا قد جاءوا بها قبل مائة عام وأكثر، وهذا في الحقيقة لم يزعج الأردنيين.
إن أبناء العشائر التاريخية التي كانت تنتشر بيوت الشعر فيها، والمقصود هنا هو شعْرُ الماعز الذي بقي وحتى فترة قريبة، وهذا كان هو عنوان القبائل الأردنية التي لم تعد قبائل إلا بالاسم، وحيث إن هذه البيوت الآنفة الذكر قد أصبحت قصوراً شاهقة، وحيث إنّ من لا يزال يتمسك بهذا الجيل قد استنجد ببعض بيوت الشعر هذه في الأعراس وفي بعض المناسبات الوطنية.
ويقينا إنّ هذا كله يجب أنْ يقال، وحيث إنّ الأردنيين التاريخيين قد انضم إليهم في الطباع والعادات وحتى في «اللهجة» وليس في اللغة، وذلك لأنّ اللغة هي لغة واحدة هي اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، إخوانهم الذين توافدوا تباعاً إلى عمان هذه التي كانت عبارة عن قرية صغيرة تقتصر على هذه القلعة التي كانت قد شهدت تاريخاً طويلاً كانت قد تلاحقت حلقاته على مدى فترة طويلة، وحيث إن سكانها مع الوقت قد أصبحوا عشرة ملايين وأكثر، وأنها باتت متداخلة حتى مع الزرقاء والكرك، وأيضاً المفرق وعجلون، وبالطبع جرش الجميلة المرصعة بالماضي والحاضر، وبكل مراحل التاريخ البعيد والقريب.
وبالتأكيد فإنّ هذا ليس مقتصراً على الأردن وحده، ولا على عمان الأردنية وحدها، وإذْ إنّ دمشق «الشام» التاريخية بدورها لم تبقَ على ما كانت عليه لا في مرحلة الاستعمار الفرنسي ولا في المرحلة العثمانية وما سبقها من مراحل ومنذ البدايات الأولى، وهذا بالطبع وكما هو مؤكد ينطبق على بغداد وعلى حلب «الشهباء» وحتى على القاهرة، قاهرة المعز لدين الله الفاطمي، وكل «عواصمنا الأخرى» التي كانت مجرد «ضيع» جميلة صغيرة وأصبحت بكل هذا الاتساع وبكل هذه الأبراج الشاهقة، وهنا فإن من أراد المزيد من التأكد والمعرفة عليه أنْ يستنجد بصور قديمة لـ«الشام»، وأيضاً لبغداد وحلب، وللمدن العربية التي باتت تضاهي ليس معظم بل كل المدن الغربية والشرقية والشمالية والجنوبية، وكل ما في الكرة الأرضية.
وحقيقة وبالطبع، فإنّ هذا قد بات يشمل العالم كله، فطهران هذه ليس طهران السابقة، وبالطبع فإنّ لندن قد تمددت وتراكمت وارتفعت ولم تعد هي المدينة التي كان يعرفها أهلها السابقون، وهذا لا بد من أنْ يقال بالنسبة إلى باريس وإلى العواصم والمدن الكونية الأخرى. وإذْ إنّ هذا الخليج العربي قد بات يُعتبر درة كونية غدت تتجاوز ليس معظم مناطق الشرق والغرب والجنوب، لا بل مناطق الكرة الأرضية كلها البعيدة والقريبة!
إنّ هذا كله يجب أن يقال ويعلن ودائماً وأبداً وعلى رؤوس الأشهاد، ويجب وبالتأكيد ولا بد من أن تعرفه هذه الأجيال الصاعدة التي عندما فتح أبناؤها عيونهم على هذه العواصم والمدن العربية قد تجاوزت وبالتأكيد كل المدن العالمية القديمة والجديدة، فالعرب لم يعودوا سكان بيوت شعر، وهذا مع أنني قد نشأت كابن ببيت شعر جميل، وحيث إنني كلما مررت بأي بيت شعر بعد كل هذه السنوات أقف أمامه متأملاً وإلى فترة طويلة، فإذ إنني قد ولدتني أمي، رحمها الله، بمثله، وإذ إنني ما زلت أعشق وأحب وأفتخر بتلك المرحلة التاريخية التي هي بالتأكيد لن تعود. وأسأل الله أن يعود هذا «كنماذج» لأبنائنا وأبنائهم الصاعدين.
وعليه، فإنه لا بد -وكما قلت سابقاً- من أنّ هذا يجب أن تعرفه معرفة صحيحة وأن تدركه إدراكاً حقيقياً أجيالنا الصاعدة، فالأمم من دون تاريخها البعيد تبدو كشجر من دون جذور، ولعله ما يجب أن نؤكد عليه ونواصل قوله لأجيالنا المقبلة. وإذ إنّ من ليس له تاريخ ليس له مستقبل، وإنّ الشعوب الغربية والشرقية أيضاً من دون تاريخها تبدو كأشجار ناشفة ومنتهية لا قيمة لها، اللهم إلا كحطب في أيام الشتاء والزمهرير والثلج.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليست مجرد حكايات إنها شواهد تاريخية ليست مجرد حكايات إنها شواهد تاريخية



GMT 21:30 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

بعد 200 يوم.. حرب بلا رؤية

GMT 00:03 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

عند الأفق المسدود فى غزة!

GMT 08:35 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

من رأس البر!

GMT 00:03 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (٦)

GMT 00:03 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

أمٌّ صنعت معجزة

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 09:00 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 13:21 2019 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

كيف ساعدت رباعية الاهلي في كانو رينيه فايلر ؟

GMT 03:35 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الكركم المهمة لعلاج الالتهابات وقرحة المعدة

GMT 02:36 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

فعاليات مميزة لهيئة الرياضة في موسم جدة

GMT 04:38 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

نجل أبو تريكة يسجل هدفا رائعا

GMT 12:42 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات جبس حديثه تضفي الفخامة على منزلك

GMT 12:14 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

مجموعة Boutique Christina الجديدة لموسم شتاء 2018

GMT 11:46 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

الذرة المشوية تسلية وصحة حلوة اعرف فوائدها على صحتك

GMT 09:42 2020 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك 4 مخاطر للنوم بعد تناول الطعام مباشرة عليك معرفتها

GMT 21:11 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

بدرية طلبة على سرير المرض قبل مشاركتها في موسم الرياض
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon