بقلم: د. محمود خليل
أفهم أن يقال إن قسماً من المسلمين فى بعض المواضع من العالم يعانون من أزمات أو يواجهون مشكلات، لكننى بحال لا أستطيع أن أستوعب مقولة «الإسلام يعيش أزمة فى كل مكان» التى جاءت على لسان الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون».
«ماكرون» يرى أنه يواجه مشكلة مع بعض المسلمين الذين يعيشون فوق أرض فرنسا، ويرى أن أساليبهم فى التربية والتعليم تخلق مجتمعاً موازياً، يفارق فى عاداته وتقاليده ما هو سائد داخل المجتمع الفرنسى، ويصور للناخب الفرنسى أن تلك مشكلة كبرى ترتبط بالإسلام فى حد ذاته، وتظهر أهم تجلياتها -من وجهة النظر الماكرونية- فى عدم المساواة بين الرجل والمرأة فى الإسلام.
ثرثرة فارغة. فالأقليات فى كل دول العالم تحيا بثقافتها الخاصة المستمدة من عقائدها، وهى فى النهاية ملزمة بقانون البلد الذى تحمل جنسيته. فثمة فارق بين الدين وما يفرزه من قواعد وثقافة، وبين الدولة المحكومة بفكرة المواطنة، لكن ماكرون خلط بين الأمرين.
فى حدود علمى ينص الدستور الفرنسى على حرية العقيدة والمعتقد، ولا يمنح لطرف حق الطعن أو الغمز أو اللمز فى ديانة الآخر، ويقرر أنه ليس من حق أحد أن يزعج غيره بسبب آرائه، حتى ولو كانت دينية، ما دام لا يضر بها النظام العام. وطبقاً لذلك فالمسلمون فى فرنسا مواطنون يجرى عليهم ما يجرى على غيرهم من قوانين تبين الحقوق والواجبات. وليحاسبهم الرئيس الفرنسى طبقاً لدستور وقوانين البلد الذى يحكمه، من غير أن يتورط فى الطعن فى دينهم.
«ماكرون» مثله مثل غيره من ساسة الغرب الذين يغازلون اليمين المتطرف فى بلادهم من خلال التحرش بالحلقة الأضعف المتمثلة فى المسلمين. قد يكون للرجل عذر انتخابى فى ذلك، لكن لا عذر له بحال فى وصف الإسلام كدين يؤمن به ما يقرب من 2 مليار بنى آدم بأنه يعيش أزمة، و«فى كل مكان»!.
أساء «ماكرون» أيضاً عندما وصم الإسلام بالإرهاب، فى عبارة «الإرهاب الإسلامى»، لأنه يعلم -مثل غيره ممن يترخصون فى استخدام هذه العبارة- أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، وأن للجماعات الإرهابية نسخاً متنوعة بين المتعصبين داخل الأديان والدول المختلفة.
والإرهاب «المتأسلم» فى جانب منه صناعة غربية. وإلا كيف نفهم دور الغرب فى تكوين تنظيم «قاعدة الجهاد» ليشكل أداة مواجهة مع السوفييت خلال الحرب الأفغانية، ودوره أيضاً فى التمهيد لتنظيم داعش وتغذية جذوره وفروعه بعد الغزو الأمريكى البريطانى للعراق عام 2003؟. ناهيك عن الدور الذى يقوم به الغرب فى تهيئة المناخات التى تساعد على ظهور الإرهاب داخل المجتمعات المسلمة.
وأريد أن أنبه إلى أن تورط بعض العقليات - مثل العقلية الماكرونية- فى عدم التفرقة بين الدين والقلة القليلة من المتطرفين بين المؤمنين به يمنح الجماعات الإرهابية الفرصة للمتاجرة على الشعوب المسلمة بأن هذه العقليات لا تريد محاربة الإرهاب، بل تحارب الإسلام كعقيدة ودين يؤمن به بشر عاديون، يعيشون المعانى الحقيقية للإسلام كدين يحث على التراحم والتسامح والاعتدال والوسطية.